“سفارة دولة إسرائيل في الخليج العربي”.. عبارة كتلك ظلت على مدار سنوات -لا يمكننا قول “قرون” لأنه لا عمر دولة الاحتلال ولا دول محور التطبيع تمتد لقرون- جزءا من الخيال غير القابل للتحقق في ظل رسوخ الحق الفلسطيني عند الشعوب الحرة حول العالم، من شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية مرورا بشعوب أفريقيا ومحورنا العربي والإسلامي.

 

لكن ما كان خيالا صار حقيقة على يد محور التطبيع العربي، إذ افتتحت دولة الكيان أولى سفارتها في الإمارات، لتلحق بها سريعا -وكما هو متوقع- دولة الريتويت البحرينية التي يُتوقع أن يفتتح الاحتلال سفارته فيها خلال هذا الشهر، وباتت اليوم دولة الكيان تمتلك سفارتين رسميتين تحويان بعثتين دبلوماسيتين يمثلان سيادة الصهاينة على أرض فلسطين العربية.

 

وإمعانا في إذلال الصهاينة لدول محور التطبيع، اختارت دولة الكيان فتح سفارتها في اليوم نفسه الذي كانت جرافات الاحتلال تهدم منازل المقدسيين من أهالي حي سلوان، متحدين بذلك الحق الفلسطيني الذي تواطأت عليه دول محور التطبيع ووقفوا يحتفلون مع المحتل الصهيوني بافتتاح سفارته في قلب الصحراء العربية، غير عابئين باستغاثات المقدسيين ونداءاتهم لإنقاذ مصير المدينة من التهويد المستمر كالغول الممتد.

 

وهكذا، بينما كان أهالي حي سلوان يتشبثون بحطام منازلهم المهدمة على أيدي جرافات الاحتلال، ليضع المستوطنون المغتصبون لافتات باللغة العبرية والعربية تشير إلى الاسم الصهيوني الجديد للحي، والذي لن نذكره هنا تمسكا بالحقيقة وتأكيدا على انحيازنا لها -كان في الوقت نفسه وزيرا خارجية الإمارات والبحرين يمسكان بأيدي الصهاينة احتفالا بافتتاح سفارة الاحتلال في بلديهما.

 

ولكن الأكثر إذلالا لدور محور التطبيع، هو مستوى التمثيل الديبلوماسي الذي حرص الصهاينة على إبرازه للصحافة العالمية التي باتت تعتبر دول الكيان بلدا شرق أوسطيا “صديقا” لجيرانه العرب من المسالمين، بينما لا يحرص على استدعاء العداء معه سوى المتطرفون العرب من غير المحبين للسلام ولا للاستقرار العالمي.

 

هذه السردية الخبيثة التي يتبناها الاحتلال هذه الأيام، باتت واقعا أمام الصحافة العالمية بفضل الأيادي الإماراتية والبحرينية التي امتدت لتعانق نظيراتها الصهيونية أمام شاشات الإعلام العالمي معلنة أن “إسرائيل” دولة صديقة، تجمعنا بها أواصر المحبة والإخلاص والانتماء والحرب على الإرهاب الفلسطيني المتطرف المتمسك بخرافات الأرض وحق البقاء!

 

وهكذا، أوفدت دولة الكيان وزير خارجيتها يائير لبيد، في جولة لا تحتاج تأشيرة -بالفعل يدخل الصهاينة الإمارات دون طلب الحصول على تأشيرة مسبقة- من أجل افتتاح السفارة في أبو ظبي، وكان في استقباله العشرات من النظام الإماراتي المتباهي بتطبيعه مع الاحتلال، عابرا بقدمه فوق ملايين من العرب والمسلمين والشرفاء من الشعوب الحرة التي تعتبر الحق الفلسطيني راسخا لا يمكن العبور فوقه، ولكن هنا أبو ظبي، حيث لا شيء مستحيل في سبيل استمرار التطبيع مع سارقي الأرض ومنتهكي العرض من الصهاينة.

 

الغريب أن رحيل الرئيس الصهيوني اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو عن الحكم مثل فرصة استثنائية لدول محور التطبيع من أجل الانسحاب من هذه الاتفاقيات المذلة، لا سيما مع رحيل اليميني الآخر المتطرف الذي كان يقبع فوق سدة الحكم في الولايات المتحدة، دونالد ترامب، وهو ما مثل فرصة ذهبية لن تتكرر لإعادة دولة الكيان إلى المربع صفر، وفرض عزلتها من جديد، إلا أنه بدا من الواضح أن التطبيع لم يكن رغبة أمريكية كما يظن أغلب الفلسطينيين والعرب، بل هي رغبة إماراتية أصيلة ستظل متمسكة بها حتى الرمق الأخير من عمر نظام حكمها المُطبع.

 

لكن هذه الزيارة، على الرغم من إذلالها لدول محور التطبيع، مثلت قبلة حياة على الطرف الآخر، فالحكومة الائتلافية اليمينية المتطرفة في دولة الكيان والتي تشكلت قبل أسابيع تواجه تحديات جسام في الداخل والخارج، وكان أبرزها بلا شك حديث خصمها بينامين نتنياهو رئيس الحكومة السابق عن أن إبعاده عن السلطة سيعرقل إنجازاته التطبيعية مع بائعي العرض والشرف من الأنظمة التطبيعية، لتأتي الإمارات وتمنح الحكومة الجديدة قبلة الحياة بهذه الزيارة وهذا الافتتاح الذي أثبت “للمستوطنين الصهاينة” أن مسار التطبيع باق، وأن رحيل نتنياهو لن يؤثر في الكثير، وأن الخونة العرب لن يتراجعوا أبدا عن لعق أحذية أسيادهم من الصهاينة السارقين.

 

وقبل أن ينهي وزير خارجية الاحتلال زيارته الخبيثة للإمارات، مفتتحا لسفارة بلاده فيها، وموقعا على هامشها اثنتي عشرة اتفاقية تعاون تكنولوجي وأمني واقتصادي بين تل أبيب وأبو ظبي، عرج على دبي ليفتتح فيها هي الأخرى قنصلية فرعية للاحتلال، ليضمن أن تحاصرك أعلام إسرائيل في كل مكان في الإمارات، قبل أن يزور موقع معرض “إكسبو 2020 دبي”، وهو معرض دولي سيُفتتح في أكتوبر /تشرين الأول المقبل وستشارك فيه إسرائيل بوصفها دولة شرق أوسطية متقدمة ومتطورة، والفضل كل الفضل للإمارات ونظام حكمها التطبيعي.

 

وفي نهاية زيارته للإمارات، وبعد هذا الكم الهائل من “الإنجازات التطبيعية” لم يفت وزير خارجية الاحتلال أن يوثق هذه اللحظة الفريدة من عمر دولة الكيان، ليكتب لبيد في تغريدة على حسابه في تويتر “قص الشريط في افتتاح سفارة إسرائيل في أبوظبي” مرفقا إياها بصورة تجمعه بوزيرة الثقافة الإماراتية نورة الكعبي، ووصف افتتاح السفارة باللحظة التاريخية، قائلا إن إسرائيل تختار السلام والتعاون على الحروب والعداء.

 

وغير بعيد، وفي الوقت نفسه، وبالتحديد في دولة الريتويت التطبيعي، البحرين، كان خالد الجلاهمة رئيس البعثة الدبلوماسية البحرينية لدى إسرائيل يؤدي القسم أمام الملك حمد بن عيسى آل خليفة، في خطوة تأتي بعد 3 أشهر من تعيين الجلاهمة كأول سفير للمنامة لدى تل أبيب بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء البحرينية (بنا) التي توقعت أن يفتتح الاحتلال سفارته فيها خلال هذا الشهر.

 

وبحسب الوكالة الرسمية للبلاد، فقد أبدى الملك البحريني توجيهاته للسفير الجديد، متمنيا له “التوفيق” لتعزيز رسالة البحرين النبيلة للسلام وقيم التسامح والتعايش السلمي، كنتيجة مباشرة لقرار 30 مارس /آذار الماضي الذي أصدر بموجبه الملك البحريني مرسومين بإنشاء بعثة دبلوماسية لبلاده في إسرائيل، وتعيين الجلاهمة أول سفير لها بتل أبيب، ليبدأ بعدها سيل التعاون التطبيعي بين المحتل وتابعه المُطبع!