أحمد حسين

بعد أن توارى عن الأنظار لعدة أشهر، طفا الجيش الجزائري على قمة الأحداث في البلاد، إثر تصريحات على لسان قائد أركانه الفريق أحمد قايد صالح.

وعلى الرغم من الطابع العسكري لتلك التصريحات، واقتصارها على أمور حربية بحتة، إلا أن الظهور العلني الأول للرجل منذ فترة لا يمكن تجاهله، خاصة إذا تزامن مع تفاعل سريع وغير مسبوق لأزمة الانتخابات الرئاسية والحديث عن التوجه نحو تمديد الرئاسة لعبدالعزيز بوتفليقة دون انتخابات أو حتى تأجيلها.

عودة بعد غياب

الفريق صالح، أشرف على تمرين تجريبي لاستعراض طائرات بدون طيار، مؤكدا أن القوات الجوية “بلغت أشـواطا أصبحت من خـلالها تمثل مكونا أساسيا قويا ومقتدرا ومتطورا من مكونات الجيش”.

وتحدث رئيس الأركان عن “مدى الجهود المبذولة في السنوات القليلة الماضية، حتى بلغت القوات الجوية كل هذه الأشـواط..”.

عودة الفريق صالح إلى الظهور العلني والقيام بزيارات ميدانية بعد فترة انقطاع، دفعت إلى التساؤل حول نيته الحقيقية من هذا الظهور وهذه التصريحات؟.

فقد كان من الممكن أن يجري التدريب بشكل سري داخل مؤسسة الجيش دون ظهور في وسائل الإعلام، أو حتى بثه من دون تصريحات لقائد الأركان.

كلها إذن تخمينات وتأويلات لا يمكن لأحد نفيها أو تأكيدها، لكنها ربما تمثل بداية لموقف أكثر حيوية للمؤسسة العسكرية فيما يدور بشأن الانتخابات الرئاسية.

فهل يثبت الجيش على موقفه المعلن سابقا بشأن دعم وتأييد الرئيس بوتفليقة، أم أن حالته الصحية الآخذة في التدهور سوف تجبره على دعم مرشح آخر تتوافق عليه الكتلة المؤيدة للرئيس، أم أنه سوف يدعم أحد قادة الجيش لشغل المنصب، ولم لا يكون الفريق صالح نفسه؟.

خيارات الجيش

الحديث عن موقف الجيش الجزائري من معركة الانتخابات الرئاسية، يعيد إلى الأذهان دعوات انتشرت في أوساط النخبة المعارضة لتدخل الجيش من أجل عزل الرئيس وإجراء انتخابات مبكرة.

ففي أكتوبر قبل الماضي، وقعت 3 شخصيات جزائرية، على بيان يطالب بعدم ترشح بوتفليقة، البالغ من العمر 81 عامًا، لولاية خامسة في 2019، من خلال “جبهة مشتركة” للتغيير وبمساعدة الجيش أو بحياده.

وقع البيان كل من: “أحمد طالب الإبراهيمي” وزير سابق ومرشح للانتخابات الرئاسية في 1999، والمحامي “علي يحيى عبد النور” الذي يعتبر أقدم مناضل حقوقي بالجزائر ووزير سابق، والجنرال المتقاعد “رشيد بن يلس” قائد القوات البحرية سابقًا.

وبالعودة إلى الحديث عن مطالب تنحية “بوتفليقة” ودعوة الجيش للإمساك بزمام الأمور، ناشدت أحزاب وشخصيات سياسية وتنظيمات مدنية، بتطبيق بند المادة 102 من الدستور والتي تنص صراحة على أنه: “إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبًا، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع”.

وعلى الرغم من كل المعطيات السابقة، فإن موقف الجيش الجزائري كان حاسمًا، وهو ما أكده رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الذي كرر 3 خطابات ألقاها أمام عسكريين، خلال عام 2017، بالتزام مؤسسته بالدستور، والخضوع لقائده الأعلى بوتفليقة.

الطرف الآخر رئيس الجمهورية وجه رسالة إلى الجزائريين عشية الاحتفال بالذكرى 63 لاندلاع ثورة “التحرير” ضد الاستعمار الفرنسي والموافقة للأول من نوفمبر، قال إن “الوصول إلى السلطة في البلاد لن يكون إلا في المواعيد الانتخابية المحددة”.

ورغم أن المؤسسة العسكرية في الجزائر كانت توصف دومًا على أنها “صانعة الرؤساء” وهو ما حدث مع بوتفليقة نفسه عام 1999، إلا أن الرجل تمكن في فترته الثانية من إحكام السيطرة على الجيش تجلت في تقديم الفريق “محمد العماري” رئيس أركان الجيش الجزائري في أغسطس 2004 استقالته رسميًا، ليعين “بوتفليقة” قائد القوات البرية الفريق “أحمد قايد صالح” خلفًا له، ويبسط سيطرته المطلقة على المؤسسة الأمنية بإقالة الفريق “محمد مدين” في سبتمبر 2015، الذي استلم رئاسة جهاز المخابرات العسكرية منذ 1990، ويقوم بتعيين اللواء “بشير طرطاق” مكانه، وهو أحد مستشاري بوتفليقة للشؤون الأمنية.

صراع مدني يقلق الجيش

زاوية أخرى تنقلنا إليها عملية استدعاء الجيش الجزائري في المشهد السياسي، بعيدا عن العسكرية وفي قلب المدنية فإن ثمة صراع آخر ربما يقلق الجيش، إلى حد يتوجب إنهائه أولا قبل أي حديث عن دور ما للجيش في الحكم بشكل مباشر أو غير مباشر.

الصراع الدائر حول خليفة بوتفليقة والذي خرج إلى العلن بين رئيس الحكومة أحمد أويحيى، و”سعيد” شقيق الرئيس بعد إلغاء الرئاسة اتفاقا وقعته الحكومة مع هيئة تمثل “الكارتل المالي” – وهو تكتل اقتصادي يضم مستثمرين ورجال أعمال كبار – واتحاد العمال يقضي بفتح رأس مال لشركات ومؤسسات اقتصادية عمومية لصالح رجال الأعمال المستثمرين من القطاع الخاص “الخصخصة”.

وأصدرت رئاسة الجمهورية التي يسيطر عليها شقيق الرئيس تعليمات عاجلة موجهة إلى أويحيى والوزراء لمطالبته بوقف تنفيذ كل قرارات الحكومة، الأمر الذي أزاح الستار عما يمكن أن نسميه “حكومة ظل” في رئاسة الجمهورية تعارض مسار حكومة أويحيى وتتدخل في قراراتها، على خلفية صراع يرتبط بالانتخابات الرئاسية.

مسؤولون قالوا إن “الرئاسة استشرفت وجود نوايا غير سليمة، وأبدت انزعاجًا كبيرًا من الطريقة التي سيرت بها الحكومة تصفية مؤسسات اقتصادية عمومية، خصوصًا بعد ورود تقارير عن وجود صفقات بين الحكومة ومستثمرين بعينهم للفوز بالحصة الأكبر من الأسهم في مؤسسات عمومية”.

تقارير إعلامية، وصفت ما يواجهه أويحيى الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الشريك الثاني في الحكومة بعد حزب بوتفليقة، بأنه حملة لتقليم أظافره في إطار محاولات قطع الطريق أمامه للترشح وخلافة بوتفليقة.