تستعد ليبيا للانتخابات الرئاسية القادمة، في جو يسوده التوتر السياسي، على أقل تقدير. ففي الشرق الليبي، يقبع مجرم الحرب، الضابط المتقاعد، خليفة حفتر، الذي تدعمه – بشكل أو بآخر-حتى الآن كل من روسيا، عبر ميليشيات فاغنر، ومصر والإمارات والسعودية. وفي المقابل، يوجد في الشرق الحكومة الليبية الشرعية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تحكم كامل التراب الليبي بحكم القانون، وإن كانت سيادتها على كامل الأرض الليبية ليست متحققة على أرض الواقع بسبب تمرد ميليشيات حفتر.

وبعد سنوات من القتال بين الحكومة الشرعية، التي كانت حينها بقيادة فايز السراج، وميليشيات حفتر الذي انقلب على الحكومة الشرعية، توقف القتال بعد دخول تركيا في المعادلة الليبية. حيث إن التدخل التركي ساهم في تعادل ميزان القوى بين الشرق والغرب، بعد أن كانت ميليشيات حفتر متقدمة إلى تخوم العاصمة طرابلس.

فمع ثبات قوات الحكومة الشرعية، ومع دخول الدعم التركي لها لساحة المعركة، تكونت معادلة قوى جديدة مكنت القوات الشرعية من طرد قوات حفتر من كامل الغرب الليبي، وأجبرته بعد ذلك على قبول وقف دائم لإطلاق النار جاء مدعومًا من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.



عدم إمكانية الحسم عسكريًا

ورغم أن هناك تحركات عسكرية بين الحين والآخر، بجانب الأنباء التي تتوارد حول استمرار الأطراف الداعمة لحفتر في تسليح ميليشياته، عبر إرسال معدات عسكرية عن طريق مصر، رغم كل ذلك فإنه يمكن القول إن رجوع  الأطراف الليبية الى الحل الذي يعتمد على القوة العسكرية هو سيناريو غير مرجح في هذه اللحظة، ومن الصعب أن ترجع إليه كل الأطراف وذلك لعوامل عدة.

العامل الأول هو توازن القوى بشكل أو بآخر بين الطرفين، الأمر الذي يصعب على كل طرف منهما أن يعتمد على القوة في هزيمة الآخر أو محو الآخر من معادلة الحكم بشكل عام في ليبيا. والعامل الثاني هو أن هناك حالة عامة من التقارب بين الدول التي تدعم كل طرف على الساحة الليبية.
فعلى سبيل المثال هناك تقارب بين تركيا، الداعم الأول حكومة الوحدة الوطنية الليبية، والامارات التي هي الدائم الأول في خليفه حفتر. هذا التقارب بين تركيا والإمارات يجعل من الصعب أن تعود الأطراف كلها لسابق عهدها في الحرب. بل على العكس من ذلك، هناك حالة عامة في الإقليم، منذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن، للبيت الأبيض، تدعو إلى تخفيض حدة الصراع ومحاولة الوصول حلول سلمية سياسية في المشاكل التي تجمع الدول المتصارعة في المنطقة.

وهناك عامل آخر مهم يقلل من احتمالية الصدام العسكري مرة أخرى في ليبيا في الفترة الحالية، وهو ما يبدو أنه فيتو أمريكي على أي تحرك عسكري في ليبيا في هذه الآونة. فالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لا يؤيدون الاستمرار في الصراع العسكري بين حفتر والحكومة الشرعية، ويفضلون بدلًا من ذلك أن تجلس الأطراف كلها إلى طاولة المفاوضات والوصول لصيغة تفاهم مشتركة.


الانتخابات الرئاسية.. مدخل جديد

ومع انسداد الأفق العسكري في حل الصراع، لجأ حفتر على وجه الخصوص إلى التحضير للانتخابات الرئاسية القادمة، على أمل أن يكون هو الرئيس القادم -بشكل أو بآخر- عند عقد الانتخابات. ورغم أن هناك ما يمنع قانونًا من ترشح حفتر لمنصب الرئيس إلا أنه ما زال في طور التحضير للانتخابات الرئاسية، آملًا أن يفرض نفسه على الجميع.
فمثلًا هناك القانون الذي يمنع من ترشح من يمتلك جنسية أجنبية بجانب الليبية لمنصب الرئيس. وهذا ينطبق على حفتر الذي لديه الجنسية الأمريكية أيضًا. ولذلك فهو يسعى أن يغير القانون ليشمله هو الآخر، بحيث يستطيع الترشح.

وفي هذه المعركة القانونية يقف النواب من المنطقة الغربية، المؤيدون للثورة والمعارضون للحكم العسكري، في وجه حفتر ويرفضون أن يتم تغيير القانون ليشمل ترشح مزدوجي الجنسية. ولذلك فإن مؤسسة مجلس النواب في ليبيا تشهد خلافات وربما صراعات داخلية. ففي حين يحاول النواب من الغرب الليبي تثبيت القانون وعدم تغييره، فان النواب المؤيدين لحفتر لايريدون إقرار الميزانية التي على أساسها سوف تنفذ الحكومة الشرعية برنامجها. ولذلك رفض النواب المؤيدون لحفتر أن يعتمدوا الميزانية، الأمر الذي جعل رئيس الوزراء الدبيبة يلجأ إلى مجلس الدولة الليبية، وبالتعاون مع البنك المركزي تم صرف ميزانية شهرية، تقرر شهرًا بشهر للحكومة لتسيير أعمال الدولة.



أين يقف مؤيدو القذافي؟

وبعيدًا عن هذه المعركة القانونية، فإن هناك معركة أخرى خاصة بالتحالفات الانتخابية. فكما قلنا، فإن هناك كتلتين معتبرتين، كتلة حفتر وكتلة الحكومة الشرعية. لكن هناك كتلة ثالثة مهمة في تحديد اسم الرئيس القادم في ليبيا، ألا وهي مؤيدو النظام السابق ممن يتبعون الرئيس المخلوع، معمر القذافي.

وقد بدأت معركة التحالفات بالفعل مؤخرًا مع الإفراج عن نجل القذافي، الساعدي القذافي، في 5 سبتمبر/أيلول الجاري. فقد حكم على نجل القذافي بالبراءة، في قضايا اتهم فيها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. الأمر الذي اعتبره مراقبون أنه تم في إطار سياسي، لكن أعطي له طابع “قضائي”، مما يسقط عنه جميع التهم الجنائية، ويعيد له حقوقه السياسية بما فيها الحق في الترشح، خاصة وأن المجلس الرئاسي وصفه ضمنيًا بـ”السجين السياسي”.

حيث صرح المجلس الرئاسي الليبي أن “الإفراجات التي طالت سجناء سياسيين في ليبيا مؤخرًا، تأتي في إطار المصالحة الوطنية”، التي انطلقت رسميًا في 6 سبتمبر.

لذلك، من الواضح أنه مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، المقرر عقدها في 24 ديسمبر، يحاول كل طرف لعب أوراقه، التي لن تخرج عن دائرة التحالفات الصعبة، لاختراق مناطق سيطرة الخصم، ويبدو أن أنصار النظام السابق أصبحوا في قلب هذا الصراع الانتخابي.