قدم الرئيس الأمريكي جو بايدن دليلًا آخر على أن سياساته لن تكون مختلفة كثيرًا عن إرث سلفه دونالد ترامب، لا سيما فيما يخص ملف التطبيع العربي الإسلامي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. وشدد بايدن، في مكالمته الأولى مع ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان، على أهمية تطبيع العلاقات مع إسرائيل في إطار “إبعاد التوتر” و “إحلال السلام” في منطقة الشرق الأوسط.

وقال البيت الأبيض “في هذا الصدد، شدد الرئيس على الأهمية الاستراتيجية لتطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. كما أعرب عن دعمه الكامل لتقوية وتوسيع هذه الترتيبات “.

في غضون ذلك، أعلن مستشار الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، جاريد كوشنر، إطلاق معهد أبراهام للسلام الممول من القطاع الخاص. استخدام مصطلح “السلام” في هذا السياق، بالطبع، هو تعبير ملطف عن الصفقات التجارية المربحة على حساب الشعب الفلسطيني. وسيشارك وزير خارجية دولة الاحتلال، غابي أشكنازي في المنظمة إلى جانب دبلوماسيين عرب. وسيكون، روبرت جرينواي، الذي كان كبير مستشاري ترامب في مجلس الأمن القومي، المدير التنفيذي للمنظمة.

وجدير بالذكر أن دولة كالإمارات العربية المتحدة حين أعلنت لما يسمى باتفاق “أبراهام” مع دولة الاحتلال، حاولت تسويق قرار تعليق الخطوات الاستيطانية وضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة للسلطات الإسرائيلية على أنه انتصار للشعب الفلسطيني، وينبغي أن يهلل له الفلسطينيون ويشكروا الإمارات على ما قدموه من أجل مصلحتهم. لكن كان يدرك الفلسطينيون أن ما يحدث على أرض الواقع لن يكون كما يُسوَّق، وأن الخطوات الاستيطانية لن تتوقف على الأرض، وهو ما يحدث بالفعل خلال الأشهر الأخيرة، وقد يكون آخر الانتهاكات الإسرائيلية ما يدث خلال الأسبوع الأخير من انتهاكات بحق أهالي حي “الشيخ جراح” في مدينة القدس المحتلة، بهدف إجبار أهالي الحي على إخلاء منازلهم لصالح مجموعات استيطانية.

إذن، فالواقع بعيد كل البعد عن البيانات والشعارات التي تصدر عن ما يسمى اتفاقات أبراهام، وتصدير كلمة “السلام” أو “الاستقرار” ما هي إلا كلمات وشعارات تخفي وراءها صفقات تجارية ومصالح مادية على حساب الشعب الفلسطيني.

 

الفلسطينيون مهمشون في اتفاقات التطبيع..

وما يُمرر الآن، يبدو أن الفلسطينيين يتعرضون للتهميش أكثر من أجل “مشروع سلام” أكبر، لكنه في الحقيقة ليس سوى واجهة لتحالفات سياسية واقتصادية. وما يطلق عليه المؤتمرون بـ “الأهمية الاستراتيجية” هو جهد جماعي لضمان فصل اتفاقيات إبراهام عن الفلسطينيين قدر الإمكان. 

بالنسبة للحكومات العربية التي تدخل في مثل هذه الاتفاقيات مع دولة الاحتلال، فلا عجب كثيرًا. حيث قد تحولت القضية الفلسطيني بالنسبة لهم إلى ملف يوضع على اجتماعات الجامعة العربية أو بيانات خاوية تصدر، بدلاً من جهود حقيقية للتوصل إلى اتفاق سياسي يقوم على إنهاء خطط إسرائيل الاستيطانية.

وقد تكرست هذه السياسات مع تغييب صوت الشارع العربي والإسلامي عن واقع الحياة السياسية في المنطقة، وبالتالي فإن الحكومات المستبدة تستند إلى دعم إسرائيل وحلفائها، بدلًا من الاستناد إلى شعوبها.

 

اعتراض السلطة الفلسطينية ليس ذا ثقل..

وفي ذات السياق، لا تحمل اعتراضات السلطة الفلسطينية على صفقات التطبيع أي ثقل سياسي ولا دبلوماسي، حيث لا يزال رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، مقرًا معترفًا باتفاقات أوسلو -التي قسمت الدولة الفلسطينية الكاملة إلى دولتين- التي لم تنفذ دولة الاحتلال أي من بنودها حتى الآن. ولا يزال حريصًا على الإبقاء على التنسيق الأمني والعسكري والاستخباراتي مع سلطات الاحتلال.

لم تكن هناك محاولات حقيقية أو جادة من قبل لسلطة الفلسطينية، برئاسة عباس، لأن تتخذ من الإجراءات ما يوقف فعليًا حملات الاستيطان التي تستمر فيها إسرائيل على أرض الواقع رغم كل شيء.

ورغم توجهات بايدن المتباينة نسبيًا مع توجهات ترامب حول حل الدولتين، إلا أنه من الواضح أن إرث ترامب لا يزال مؤثرًا بشكل أو آخر على السياسة الخارجية للولايات المتحدة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل.

في فبراير/ شباط الماضي، أجرى سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل، الصهيوني الكبير ديفيد فريدمان، مقابلة قام خلالها بتبسيط اتفاقيات إبراهيم على النحو التالي: “ما أظهرناه من خلال كوننا مؤيدين لإسرائيل هو أننا يمكن أن نكون صديقًا جيدًا لحليف يحتاج إلى مساعدتنا “.

في حين أن اتفاقات التطبيع قد تفيد بالفعل حكومات البلدان الموقعة عليها من الناحية الاقتصادية أو الأمنية أو الاستخباراتية، لكن من المهم إدراك أن الهدف النهائي لصفقات التطبيع هو حماية عملية الاستعمار والاحتلال الإسرائيلية. 

وفي حماية إسرائيل من خلال الاتفاقيات التجارية، لا يبقى للفلسطينيين سوى حقوقهم المشروعة ، التي لا تعترف بها الأمم المتحدة إلا في مراجعاتها الإحصائية أو تقاريرها الموجودة لتجميل المنظمة الدولية، ولكن ليس لحماية المظلومين فعليًا في هذا العالم.

اقرأ أيضًا:  أصوات امريكية تنتقد القبول بالديكتاتوريات المصرية على مر العصور