تزداد أزمة سد النهضة تعقيدا يوما بعد يوم، خاصة بعد إعلان إثيوبيا عزمها على البدء الوشيك في عملية ملأ الخزان، مما يؤكد أنها ماضية في طريقها دون أن تعير اهتماما للنداءات المتكررة من قبل مصر والتي تطالب بالعودة إلى طاولة المفاوضات، والتلويح المستمر بتدويل القضية والسعي لعرضها أمام التحكيم الدولي.

سد النهضة

سد النهضة

ويري مراقبون أنّ الثقة التي يتحرك بها الجانب الإثيوبي نابعة من موقفها القانوني المتقدم، خاصة بعد  اتفاق المبادئ الذي وقّعه السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي ميريام ديسالين والرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، في مارس/آذار 2015 ، ومثّل هذا الاتفاق نقطة التحوّل الرئيسية في مسار أزمة السد، بعدما منح السيسي فيه أديس أبابا الحق في استكمال بنائه، ونزع أهم ورقة ضغط كانت في يد مصر، مما أغرى الإثيوبيين بالمسارعة لاستكمال بناء السد وأخيراً ملء البحيرة خلفه، وهو ما يؤكد أن الاتفاق كان كارثيا ويعد بمثابة تنازل رسمي من السيسي عن حقوق مصر التاريخية في نهر النيل.

 

إثيوبيا تبدأ ملء الخزان

وأعلنت إثيوبيا، السبت، عن بدء استعداداتها لتطهير الأرض وراء «سد النهضة»، تمهيدا لبدء مل خزانه بالمياه فى يوليو المقبل، وذكرت وكالة الأنباء الإثيوبية أن وكالة خلق فرص العمل وتطوير المؤسسات بولاية بينيشانغول غموز الإثيوبية أعلنت عن استعدادها لنشر أكثر من 2000 شاب لتطهير الأرض وراء سد النهضة قبل بدء الملء.

ونقلت صحيفة «أديس زيمن» الإثيوبية عن المدير العام للوكالة، بشير عبدالرحيم، قوله إن أكثر من 2000 شاب سيعملون على إزالة الأشجار والشجيرات والحجارة من الأرض خلف السد. وأوضح أنه سيتم تطهير ما مجموعه 1000 هكتار (أى ما يعادل 405 أفدنة تقريبا) من الأراضى فى غضون 45 يومًا لبدء المرحلة الأولى من عملية تعبئة المياه بحلول يوليو المقبل. ولفت إلى أن الوكالة خصصت 29 ألف بر إثيوبى (أى ما يعادل 13400 جنيه تقريبا) لعمليات التطهير لكل هكتار من الأرض، ما يعنى تكلفة تصل إلى 5.5 مليون جنيه.

وأضاف عبدالرحيم أن 40% من عملية تطهير الأراضى ستنفذ من شباب من مناطق حول السد، بينما تبقى نسبة 60% مخصصة للباحثين عن عمل من أى منطقة. وأشارت وكالة الأنباء الإثيوبية إلى أن السد سيقوم بتخزين 74 مليار متر مكعب من المياه كحد أقصى عند اكتمال عملية التعبئة.

ولم تؤثر أزمة تفشي فيروس “كورونا” على أعمال السد التي مضت بوتيرة متسارعة، كما أتمت السلطات عملية إزالة الأشجار الممتدة على مساحة ألف هكتار، لتكون جاهزة كمرحلة أُولى من تعبئة الخزان.

كما تسارعت الحملة الشعبية لجمع التبرعات لمشروع السد، دون أن تتأثر بفيروس “كورونا”، حيث قدرت التقارير حجم الأموال التي جرى جمعها بما يزيد على  16 مليون دولار خلال الأشهر الماضية، وتزايدت وتيرة عملية جمع الأموال بعدما روجت الحكومة الإثيوبية الشعور بالظلم وعدم الإنصاف في مفاوضات واشنطن الأخيرة.

تصعيد إثيوبي

في سياق متصل، أطلق فيه وزير المياه والري والطاقة في إثيوبيا تصريحاً خطيراً بما يخص مصر ومياه النيل، وقال سيليشي بيكيلي، وزير المياه والري والطاقة في إثيوبيا، إن بلاده لن تعترف بالحقوق التاريخية لمصر في مياه نهر النيل.

ونقلت الصحفة الرسمية لوزارة الخارجية الإثيوبية على موقع “فيسبوك”، جانبا من كلمته أمام ممثلي الأحزاب السياسية ورجال الدين في إثيوبيا حول تطورات المفاوضات والوضع الحالي، وقال الوزير إن المحادثات الثلاثية بشأن سد النهضة “فيها ميول مصر لاستدعاء والتأكيد على ما يسمى بالحقوق التاريخية في المياه التي لا يمكن قبولها من قبل إثيوبيا أو دول نهر النيل”.

من جانبه قال جيدو أندارجاشيو وزير الخارجية الإثيوبي، إن موقف بلاده ثابت من استخدام مواردها المائية بشكل منصف ومعقول بما يتماشى مع المبادئ المُتفق عليها بالتعاون، و”بعدم التسبب في أي ضرر كبير”.

أما الخارجية المصرية  فقد أعربت في بيان لها عن استعدادها لاستئناف المفاوضات حول سد النهضة مع كل من السودان وإثيوبيا، والتي توقفت منذ فترة، بعد رفض إثيوبيا التوقيع على اتفاق مبدئي برعاية أمريكية.

وأشار البيان إلى نتائج الاجتماع الذي عقد اليوم بين رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، ونظيره الإثيوبي آبي أحمد، والذي “تم خلاله الاتفاق على عودة الأطراف الثلاثة لطاولة المفاوضات لتكملة الجزء اليسير المتبقي من اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي حسبما تم في مسارات التفاوض خلال الشهور الأخيرة”.

وكانت إثيوبيا قد أعلنت في وقت سابق، عزمها بدء ملء خزان سد النهضة خلال العام الجاري دون الاتفاق المسبق مع مصر والسودان، وهو ما رفضته مصر وتقدمت بمذكرة لمجلس الأمن في هذا الصدد.

وساطة أوروبية

ومنذ بدء الأزمة المتعلقة بملف سد النهضة، تتابعت وساطات عدة من أطراف مختلفة دون أن يكون لها أثر كبير في حلحلة الأزمة، خاصة مع تمسك إثيوبيا بحقها في بناء السد.

وكان نائب رئيس المفوضية الأوروبية ومفوض شؤونها الخارجية، جوزيب بوريل، قد أجرى اتصالا هاتفيا، الخميس الماضى، مع مفوض السلم والأمن فى الاتحاد الإفريقى، إسماعيل شرقى، بحثا خلاله آخر مستجدات قضية سد النهضة. وذكر بيان عن الاتحاد الأوروبى أن بوريل شدد على أن «حل الخلاف مهم للاستقرار فى كل المنطقة ورحب بقرار مصر والسودان وإثيوبيا استئناف المحادثات التقنية بين وزراء الموارد المائية. 

وأضاف البيان أن بوريل تواصل خلال الأسابيع الماضية مع كل الأطراف وشجعها على “تجنب الاستقطاب المتزايد”، كما شدد على أهمية تجنب أي تصعيد آخر وإيجاد حل عاجل يحقق مصالح الأطراف كلها.

وختم البيان بتأكيد “استعداد” الاتحاد الأوروبي لدعم الأطراف في مسعاها وتبادل خبرات الاتحاد الأوروبي معها.

المكالمة الهاتفية جاءت كما يبدو واضحا من نص البيان بعد إعلان السودان ومصر الموافقة على استئناف التفاوض وتكليف وزراء المياه في الدول الثلاث للبدء في ترتيبات العودة إلى التفاوض بأسرع فرصة ممكنة.

وكانت واشنطن قد رعت اعتبارًا من نوفمبر/تشرين الماضي محاولات لتقريب وجهات النظر بين القاهرة وأديس أبابا والخرطوم، تكللت في نهاية فبراير/شباط الماضي، بتوقيع مصر بالأحرف الأولى على اتفاق للملء وتشغيل السد.

هذا الاتفاق الذي رعاه البنك الدولي أيضا، اعتبرته القاهرة “عادلا”، وسط رفض إثيوبي، وتحفظ سوداني، وإعلان مصري في منتصف مارس/آذار الماضي، عن توقف المباحثات مع إثيوبيا.

وتحركت كل من القاهرة وأديس أبابا في اتصالات ومقابلات مع سفراء عدة لطرح وجهة نظر كل منهم للسد، وسط دعوات سودانية بالعودة للمفاوضات دون رد من الطرفين المصري والإثيوبي.

وبعد ملء بحيرة التخزين من قبل اثيوبيا بالاستحواذ على فيضان عام 2021 و2022 و2023 بالكامل، وتخزين قرابة 30 مليار متر مكعب من المياه سنويا، مع صرف قرابة 18 مليار متر مكعب يتوقع أن يستهلكها السودان على مدار أيام السنة، تصبح النتيجة العملية هي عدم تبقي مياه تتجه إلى بحيرة ناصر أمام السد العالي في جنوب مصر، مما ينذر بدخول مصر مرحلة الجفاف المائي، ليخيم على المصريين شبح العطش والجفاف لأراضيهم ومحاصيلهم الزراعية، في حين يواصل السيسي تصريحاته الفارغة وخطواته الهزيلة دون أي قرار حاسم يحمي مصر وحقوقها التاريخية في النيل
.
لمزيد من الترجمات: 
صحيفة بريطانية: نقص الأدوات والمعدات الطبية يهدد مصر بفقدان أطبائها