العدسة – ياسين وجدي:

بعد فترة غياب دبلوماسي ليست بقليلة ، دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بجنرال متقاعد متورط في دماء عربية في العام 2003 وبالتحديد في العراق.

إنه “جون أبي زيد” الجنرال الذي بات في الساعات الأخيرة بدرجة سفير في مملكة تطفو على وجهها الأزمات بفضل ولي عهدها محمد بن سلمان .

“العدسة” يسلط الضوء على “أبي زيد” ، ويبحث في سر اختياره في هذا التوقيت في هذا التقرير.

سفاح العراق

في انتظار موافقة متوقعة من مجلس الشيوخ، يستعد الجنرال المتقاعد جون أبي زيد للسفر إلى الرياض ليتسلّم مهامه الدبلوماسية الجديدة، سفيراً للولايات المتّحدة في السعودية، ليملأ بذلك منصباً ظل شاغراً منذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئاسة.

والجنرال أبي زيد (67 عاماً) من مواليد العام 1951 ، عربي اللسان أمريكي التوجه ، ينحدر  من أصول لبنانية، وأمضى 34 عاماً في صفوف الجيش الأمريكي، حيث كان قائدا للقيادة المركزية الأمريكية والرجل الثاني في الحرب على العراق، ويوصف كذلك بأنه خبير بشؤون الشرق الأوسط وقد أعدّ خلال دراسته في جامعة هارفرد أطروحة عن السعودية، ودرس أيضًا في جامعة عمان في سبعينيات القرن الماضي.

وتولى ” أبي زيد “ إدارة مركز محاربة الإرهاب في أكاديمية ويست بوينت العسكرية، وهو حاليا “زميل زائر” في مركز هوفر في جامعة ستانفورد، ومستشارا لشركة “جيه. بي أسوسييتس” المختصة في إدارة الأعمال، ويعرف بين زملائه بـ “العربي المجنون”، وشارك في مهمة الأمم المتحدة للمراقبة في لبنان، كما خاض حروب عدة من جرينادا إلى كوسوفو.

وذهب “أبي زيد” للعراق مرتين : الأولى ، في صيف 1991، تولى قيادة فرقة المظلات التي نفذت عمليات أمنية في شمال العراق لإبعاد قوات صدام حسين عن المناطق الكردية، والثانية في الفترة من 2003 إلى 2007 أثناء  العدوان على العراق، حيث كان قائداً للقيادة الأميركية الوسطى في تلك الفترة ، ووصل المنطقة بتكليف من بوش الابن في 18 مارس 2003، قبل يومين اثنين من غزو العراق.

وأفلت الجنرال الماكر من موت محقق ، بعد أن تعرض لهجوم بواسطة قذائف صاروخية بينما كان في الفلوجة غرب العاصمة العراقية.

وفقا لأرقام وزارة الدفاع الأمريكية فقدت الولايات المتحدة 4487 عنصرا في العراق منذ غزو تلك البلاد في ما بات يُعرف إعلاميا بـ “عملية حرية العراق” في التاسع عشر من شهر مارس  من عام 2003.

وبحسب ما يسمى بـ“هيئة إحصاء القتلى العراقيين” فإن عدد القتلى العراقيين الذين سقطوا في العراق حتى شهر يوليو من عام 2010 يتراوح ما بين 97461 و106348 شخصا.

وكان الشهر الذي وقع فيه غزو العراق، أي مارس من عام 2003، أكثر الفترات دموية، وذلك إذا ما أخذنا بالاعتبار عدد القتلى في صفوف المدنيين، إذ تقول “هيئة إحصاء القتلى العراقيين” إن 3977 مواطنا عراقيا عاديا قضوا في ذلك الشهر، و3437 قُتلوا في شهر أبريل من ذلك العام.

وأعلنت شركة دولية مختصة بالإحصائيات عن عدد القتلى المدنيين في العراق منذ دخول القوات الأمريكية إلى البلد عام 2003 وحتى عام 2016 ، تعدى 180 ألف قتيل “في إشارة إلى أبواب الدماء التي فتحت بعد الغزو الأمريكي لبلاد الرافدين وفق بعض التحليلات.

لماذا الآن ؟!

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترك العديد من المناصب شاغرة في إدارته، ولكن يبدو أن الأسباب باتت أقوى لملئ فراغ موجود في السعودية.

مقتل الصحفي السعودي البارز “جمال خاشقجي” كان في مقدمة الأسباب ، ووفق مراقبين فإن ارتدادات عدم وجود سفير للولايات المتحدة في الرياض برزت واضحة خلال الأزمة الدبلوماسية التي نشبت بين الولايات المتحدة وحليفتها التقليدية في الشرق الأوسط بسبب تورط ولي العهد السعودي في الإشراف على قتل “خاشقجي” داخل قنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبرالماضي.

السبب الثاني “إيران” ، وهو ما سربته مصادر مطلعة لوسائل إعلامية أمريكية بارزة ، حيث نقل مراسل “الحرة” في وزارة الدفاع الأميركية، جو تابت، عن مصادر مطلعة قولها، إن تعيين أبي زيد في هذا المنصب سيحمل دلالات استراتيجية جديدة في الخليج ولا سيما تجاه إيران.

ويرجح التصدى لإيران في الفترة المقبلة ، اختيار “جون أبي زيد” ، وهو ذات السيناريو الذي حدث في 15 يناير 2003 ، حيث اختير مساعدا لقائد القوات الأميركية الجنرال تومي فرانكس في الخليج حيث تتكثف الاستعدادات تمهيدا لحرب محتملة ضد العراق وقتها، وهو ما يعني الاستعانة بخبراته السابقة في هذه المنطقة .

ويعزز هذه الفرضية ، فشل المفاوضات السرية بين طهران وواشنطن التي جرت في عُمان قبل 17 يوما ، وكان من المفترض أن يعود كل طرف إلى سلطته للتشاور ، ولكن يبدو بحسب المؤشرات الحالية أن “جون أبي زيد ” هو رد الرئيس الأمريكي على فشل المفاوضات السرية.

وفي المقابل لا يرجح مراقبون محسوبون على إيران وصوله المنطقة للتصدى لها ، وتجاهلت قناة العالم الإيرانية ، ملف إيران أثناء الحديث عن الجنرال الجديد ، ورجحت أن اختياره جاء “في ظل ضغوط تتعرض لها الولايات المتحدة من النواب الأميركيين بشأن موقفها من السعودية على خلفية قتل الصحفي جمال خاشقجي والحرب على اليمن”.

موقفه من إيران ، أبرزته صحيفة عكاظ الرسمية السعودية ، ورأت أنه يحمل انطباعا معتدلا تجاه إيران ، ويعمل على تبني خطاب معتدل مع برنامجها النووي ، وذهبت إلى أن هذا يتعارض مع سياسة ترامب تجاه إيران.

خبرته مع العرب والمسلمين كان دافعا في هذا الوقت لاختياره ، وقالت شبكة “سي ان ان” التلفزيونية الأمريكية قبيل اختياره للمشاركة في الحرب على العراق : “إن خبرته واسعة خصوصا في مناطق “يسكنها مسلمون مدنيون”.، وهو ما يعزز اختياره بالتزامن مع تعرض واشنطن لضغوط للرد على مقتل خاشقجي .

وبحسب صحيفة “واشنطن بوست” فإن هناك اتفاق في الإدارة الأمريكية على أن “أبي زيد” لديه قدرة فريدة على إضافة بعد أمريكي عربي على أعلى مستويات القيادة العسكرية الأمريكية، ومقتنعون بأنه أكثر الجنرالات خبرة في الشؤون العربية، إضافة إلى أنه أرفع ضابط أمريكي عربي الأصل”.