على مدار ثماني سنوات، تقريباً نفس مدة الحرب السورية، استمر عرض المسلسل الملحمي الشهير “جيم أوف ثرونز” – (صراع العروش)، وفي ليلة الأحد الماضي عُرضت الحلقة الأخيرة من الموسم الأخير للسلسلة، لتنتهي تلك الملحمة بنهاية محبطة وصادمة للجمهور، بعد انتقال “العرش الحديدي” إلى ملك جديد غير متوقع.

كعادة أي مسلسل، انقسم متابعي “صراع العروش” إلى قسم مُحب وآخر كاره، لذلك المسلسل المثير للجدل وخاصة الموسم الثامن منه، والذي تعرض لانتقادات كثيرة، خاصة نهايته، إلا أنه وبإسقاطها على الواقع نجد أنها واقعية جداً ولم يكن هناك أفضل منها للتعبير عن الواقع، خاصة مع أغنية ” الثلج والنار” وإسقاطاتها على الحروب الأهلية والتمرد، لذا من الطبيعي أن تنتهي دون تحقيق العدالة، كما هو الحال في الحروب الأهلية الحقيقية.

وما هي أطول موجة ثورية من التمرد والحروب الأهلية في العالم الحقيقي اليوم؟

 

إليك خمسة أسباب تجعل سلسلة شبكة “اتش.بي.أو” الملحمية ونهايتها بمثابة استعارة عن الربيع العربي

 

السبب الأول: السلسلة بدأت عام 2011، وكذلك الربيع العربي

انطلقت البداية الحقيقية للربيع العربي في الأيام الأولى من عام 2011، بعد أسابيع من قيام بائع متجول تونسي بإشعال النيران في نفسه احتجاجاً على معاملة مهينة تلقاها من إحدى الشرطيات، في ظل ارتفاع معدلات البطالة والتضييق على الشباب وقمعهم تحت حكم أنظمة استبدادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تم بث الحلقة الأولى من “صراع العروش” في 17 أبريل/نيسان 2011، مع احتداد الموجة الاحتجاجية في سوريا، تيمناً بمصر وليبيا واليمن بعد انتقال العدوى لهم من تونس، لتتحول الانتفاضات في سوريا فيما بعد إلى تمرد مسلح دموي.

في الأشهر والسنوات التي تلت ذلك، قد يرى البعض أن “الكتاب” في “صراع العروش” تعكس بعض تلك الأحداث بمهارة، وهو ما سنعرضه لاحقاً.

 

السبب الثاني: الشتاء “العربي” قادم!

سرعان ما تحول الربيع العربي، من موجة من الاحتجاجات السلمية، إلى شتاء عربي، وهو ما يشبه إلى حد كبير مسلسل “صراع العروش” في جملة “آل ستارك” التحذيرية الشهيرة “الشتاء قادم!”.

فبينما جلب الشتاء في قارة “ويستروس” الغول “وايت ووكرز”، كان غول الشتاء العربي هو تنظيم “داعش”، وكلا الغولين مع مجموعات النظام سقط بسببهم قتلى بالآلاف.

العرب على شبكة الانترنت كثيراً ما عقدوا مقارنات بين جحافل الأشرار، الذين جلبوا الموت والظلام للبلاد، سواء في العالم الحقيقي أو الخيالي.

 

السبب الثالث: فصائل وتحزبات كثيرة… وخبراء أيضاً

مع بدء الحرب في المسلسل، على غرار ثورات الربيع العربي، ازداد عدد “النُخب” والفصائل بصورة كبيرة لدرجة أن الكتب الإرشادية كان يجب نشرها لمساعدة الجميع لاتباع المسار المنشود.

بدون مبالغة، نجد أن الوضع في المسلسل مشابهاً بصورة كبيرة للأوضاع في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ففي تونس، عاد المنفيون سواء يساريين أو مستقلين أو إسلاميين، من منفاهم.

وفي مصر، ظهر على الساحة إسلاميون، وليبراليون، وقوميون، وفلول من النظام السابق، وجنرالات قتلة أصحاب طموح كبير.

في اليمن، نجد الحوثيين، وعلي عبد الله صالح، والإسلاميين، والانفصاليين الجنوبيين، وتنظيم القاعدة وداعش.

وفي العراق، يوجد داعش والبعثيون والشيعة، والقوميون، والأكراد، وكذلك الحال في سوريا.

في العالم العربي، تظهر قوى ثورية وقوى مضادة للثورة تدعهما قوى إقليمية وخارجية، هذه الفصائل تتحول في أحيان كثيرة من حلفاء إلى أعداء، وبين عشية وضحاها نجدهم عادوا إلى حلفاء مرة أخرى، لتجلب لنا الأحداث في ذيل الربيع العربي شخصيات قاتلة كمحمد بن سلمان، ابن الملك- الشاب القاتل الطاغية، كشخصية جوفري باراثيون في المسلسل.

وكذلك هو الحال في قارتي “ويستروس” و”إيسوس” في المسلسل، فالعائلات النبيلة كثيرة العدد قامت بموجات ثورية للمطالبة بالعرش الحديدي، وخاضت معارك لا تعد ولا تحصى، وحاولت إفشال العديد من المؤامرات، في الوقت الذي كان الملوك المنفيون يرتبون عودتهم بالاستعانة بمرتزقة أجانب، و”مقاتلين متطوعين” كبعض الجهاديين.

 

السبب الرابع: “ويستروس” ليست مؤهلة للديموقراطية

دائماً ما زعم النقاد المستشرقون أن العالم العربي ليس جاهزاً للديموقراطية، برؤيتهم له أنه متخلف وتقليدي وغير متقدم، ما يجعل -من وجهة نظرهم- أن تجربة الديموقراطية في الحكم يمكن أن تتحول سريعاً إلى فوضى.

ومع ذلك، فإن الأنظمة الاستبدادية الحاكمة بما فيها الأنظمة الملكية هي السبب الرئيسي وراء معظم الفوضى وعدم الاستقرار في البلاد، وذلك عن طريق عدم كفاءة الحكام والمسؤولين، وضمانهم الإفلات من العقاب.

في الحلقة الأخيرة للسلسلة الملحمية، اقترح أحد شخصيات المسلسل- “سامويل تارلي”، استبدال الحكم الوراثي بطرق حكم أخرى أكثر ديموقراطية -في ظاهرها-، بطرحه تساؤل “لماذا لا يُعطى الجميع حق التصويت وحرية اختيار من يحكمهم”، وهو ما قوبل بالسخرية من الأمراء والأميرات والنبلاء، مشيرين أن “ويستروس ليست مؤهلة للديموقراطية”، كالعالم العربي.

 

السبب الخامس: النهاية

في المشاهد الافتتاحية، نجد أن داني بصورة أو بأخرى أصبحت كتنظيم “داعش”، لتخلق داني نفسها نوعاً من الفوضى بقتلها كل شخص يقف بينها وبين “الجنة”، كما يقول “تيريون”.

يتم قتل داني لاحقاً، مما يمهد الطريق للوصول إلى حل نهائي: بعد ثماني سنوات من التمرد والحرب والمجاعة والاغتيالات والتدخل الأجنبي، فإن الفصائل المتبقية في “ويستروس”، تلك المجهدة والمحبطة، تجد نفسها مخولة باتخاذ القرار، تماماً كما هو الحال في العالم العربي.

يتم تشكيل “مجلس انتقالي”، ويختار “براندون ستارك” كملك “مؤقت”، وهو شخصية توفيقية لا تسيء لأحد، في الوقت الذي لا تزال فيه القوة الحقيقية في أيدي النبلاء والجيش.

ثم ننتقل لمرحلة “العدالة الانتقالية”، حيث يتم نفي أمراء الحرب، أو خفض رتبهم العسكرية، في الوقت الذي نجد فيه المنطقة المضطهدة في الشمال تسير بالحكم الذاتي، في صورة أشبه بالحكم الذاتي الكردي في العراق وسوريا، اللذين مزقتهما الحرب.

نهاية السلسلة مماثلة لما حدث في السودان والجزائر ومصر وليبيا واليمن، نهاية لم تحل شيئاً في “ويستروس” كما لم تحل النهاية شيئاً في تلك البلدان، لتكون تلك النهاية ربما تمهيداً للموجة التالية من “ربيع ويستروس”.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا