العدسة _ جلال إدريس

على مدار 73 عامًا، والقمم العربية التي تجمع القادة والحكام العرب تواصل انعاقداتها بلا انقطاع، وبالرغم من ذلك لم تنجح قمة عربية واحدة في حسم ملف واحد من الملفات العربية الشائكة.

وكانت مسيرة هذه القمم قد شهدت منذ تأسيسها في مارس 1945 انعقاد 41 قمة منها 28 عادية و13 طارئة إلى جانب 3 قمم عربية اقتصادية تنموية، جميعها خفقت في إيجاد حلول جذرية للمشاكل العربية القديمة والمستحدثة، حتى بات الكثيرون يطلقون على القمم العربية بالمَكْلَمات التي لاجدوى ولا فائدة منها.

وبين حضور رؤساء وأمراء وغياب آخرين، كانت القمة العربية العادية الـ 29 هي نموذج جديد لمَكْلمات وخطب رنانة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تضع أية حلول للقضايا العربية الشائكة، كالقضية الفلسطينية العالقة منذ عشرات السنين، وحديثًا القضية السورية، ومن قبلها الأزمة اليمنية، والليبية وغيرها، كما تتجاهل الدول العربية الاحتلال الإسرائيلي لسوربا ولبنان.

16 حضروا و6 غابوا

وبعيدًا عن كونها قممًا عربية للكلام فحسب، فقد شهدت القمة العربية بالرياض هذا العام غياب 6 حكام عرب؛ لأسباب واضحة وأخرى غير معلومة، حيث لم يحضر سوى 16 حاكمًا فقط.

ومن أبرز الذين غابوا عن حضور القمة العربية أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي يغيب لأول مرة عن قمة عربية منذ توليه مقاليد الحكم يونيو 2013.

وتعقد القمة في ظلّ أزمة خليجية غير مسبوقة، بدأت 5 يونيو الماضي بقطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، وفرض “حصار ضاري” عليها.

وترأس وفد قطر في القمة مندوب الدوحة الدائم لدى جامعة الدول العربية، سيف بن مقدم البوعينين.

كما غاب عن القمة “ملك المغرب الملك محمد السادس” الذي اعتاد خلال السنوات الأخيرة على عدم حضور القمم العربية، وأيضًا غاب عن القمة رئيسا الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، والجزائر عبدالعزيز بوتفليقة (لأسباب صحية).

كما غاب عن القمة سلطان عمان قابوس بن سعيد، لأسباب غير معلنة إلا أنه عادة يغيب عن حضور القمم العربية وينيب عنه أحد المسؤولين.

كذلك غاب  عن القمة رئيس النظام السوري بشار الأسد، لتعليق عضوية بلاده في الجامعة العربية على خلفية الصراع القائم في بلاده منذ 2011.

اهتمامات مختلفة

وبالرغم من أن القمة العربية التي تعقد حاليًا في المملكة العربية السعودية، تأتي في وقتٍ عصيبٍ يفترض أن يتوحد فيه العرب على كلمة واحدة؛ حيث تتزامن مع القصف الأمريكي البريطاني الفرنسي لقوات بشار الأسد، ردًا على استخدامه الكيماوي ضد شعبه الأعزل، كما تتزامن مع اتخاذ الولايات المتحدة الأمريكية قرار باعتبار “القدس” عاصمة لدولة الإحتلال “إسرائيل” إلا أنَّ القمة شهدت تباينًا واضحًا واختلافات في الرؤى بين القادة والحكام العرب.

وظهرت تلك التباينات من خلال الكلمات الافتتاحية التي ألقاها الحكام العرب، والتي حملت في أغلبها عبارات إنشائية دون أن تقدم أية حلول عملية للقضايا العربية العالقة.

وفي افتتاح الدورة الـ29 للقمة بمدينة الظهران شرقي السعودية، أعرب ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز عن رفض قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، قائلًا “نجدد التعبير عن استنكارنا ورفضنا لقرار الإدارة الأمريكية المتعلق بالقدس”.

وقال الملك سلمان، إنَّ هذه القمة ستسمى “قمة القدس”، وأعلن تبرع المملكة بمبلغ 150 مليون دولار لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس، إضافة إلى 50 مليونًا أخرى لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

ثم عاد الملك السعودي إلى قضيته الأساسية التي تشغل باله وهي قضية “الحوثيين”، حيث اعتبر ملك السعودية أن جماعة الحوثي -الحليفة لإيران- في اليمن المسؤولية عن استمرار الأزمة اليمنية.

فيما دعا الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط في كلمته لتوافق عربي بشأن أزمات المنطقة، وقال إنَّ “الأزمات العربية في سوريا وليبيا واليمن أو في فلسطين تخصم من أمننا القومي الجماعي، واستمرارها دون تسوية نهائية يعرقل الجهود المخلصة ويضعفنا”.

بينما اهتمَّ الجنرال عبد الفتاح السيسي في كلمته بالملف السوري، معبرًا عن “قلق بالغ إزاء التصعيد العسكري الراهن على الساحة السورية”.

فيما ركز ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة في كلمته على لتعاون بين الأشقاء لحفظ مقدرات الدول وضمان أمنها واستقرارها للتمكن من صدّ التدخلات الخارجية في إشارة إلى إيران.

بينما تحدث أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في كلمته عن “خلافات تعصف بعالمنا العربي وتمثل تحديًا لنا جميعًا”.

وأشار الأمير إلى الضربات العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في سوريا أمس السبت، ورأى أنّها “جاءت نتيجة عجز المجتمع الدولي عن حلّ الأزمة السورية”.

لا حلَّ لقضية سوريا وفلسطين

لم تقدم القمة العربية الـ 29 التي تعقد حاليًا في السعودية، أية حلول عملية للأزمة السورية؛ حيث اكتفى الحكام العرب بالحديث تارة عن شجب القصف الأمريكي البريطاني الفرنسي لمقرات عسكرية تابعة لقوات بشار الأسد، فيما رحَّبت دول أخرى بتلك الضربات.

وتحدث المسؤولون العرب في القمة عن ضرورة ضبط النفس وعدم استخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة في قصف الشعب السوري، ما يوحي بإعطاء تصريح للنظام السوري بقتل الشعب بأسلحة مشروعة دوليًا وغير محرمة.

والغريب في القمة العربية هذا العام أنها جعلت القضية السورية محل اهتمام لها، بعد الضربات الأمريكية الأخيرة، في حين أن دماء الشعب السوري تنزف منذ 7 سنوات على يد قوات بشار الأسد، دون أن يحرك المسؤولون العرب ساكنًا.

السعودية على سبيل المثال كانت واحدة من الدول التي دعمت الثورة على نظام بشار الأسد، وموّلت تنظيمات مسلحة في سوريا، ثم فجأة تغير موقفها من الأسد، وبدأت تنادي ببقائه في السلطة، شريطة أن يتخلى عن ولائه لإيران.

مصر والكويت كان موقفهما متباينًا من الضربات الأمريكية للنظام السوري؛ حيث رحَّبت الكويت ضمنيًا بتلك الضربات في حين رفضتها مصر ضمنيًا أيضًا، ولم تستطع الدولتان تحديد موقفهما بشكل واضح، خوفًا من إغضاب الرئيس الأمريكي المتهور “دونالد ترامب”.

وبين بيانات الشجب والاستنكار لاتزال معاناة الشعب السوري متواصلة، ولايزال الملايين من السوريين يعيشيون في مخيمات اللجوء ومتفرقين بين جنبات دول العالم، فضلًا عن الآف الذين ماتوا جراء الحرب المستعرة التي يشنها نظام الأسد على معارضية بدعم “روسي إيراني” منقطع النظير.

الهجوم على المقاومة الفلسطينية

القضية الفلسطينية أيضًا كانت على محور المباحثات في القمة العربية، غير أن القادة العرب لم يقدموا جديدا للقمة، واكتفوا ببيانات الشجب والاستنكار من اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، في حين لم يقرر أيّ من الحكام العرب اتخاذ موقف واضح حيال تلك الخطوة الخطيرة التي أقدمت عليها الإدارة الأمريكية.

 

وبدلًا من الهجوم على الإدارة الأمريكية، صب الرئيس الفلسطيني محمود عباس لجام غضبه كعادته على المقاومة الفلسطينية المتمثلة في حركة المقاومة الإسلامية حماس، حيث لم يشأ أن يفوّت الفرصة أمام الكاميرات العربية، ومن قبلها الرؤساء والحكام، ليواصل هجومه المعهود على حركة حماس؛ حيث اتهم “عباس” في كلمته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالوقوف وراء محاولة اغتيال رئيس الحكومة الفلسطينية ورئيس جهاز المخابرات، في إشارة إلى تفجير استهدف موكبهما بقطاع غزة يوم 13 مارس.

وأضاف ” كيف يمكن أن تتحمل حكومة الوفاق المسؤولية دون أن يتم تمكينها من تسلم جميع مهامها كاملةً وبشكل فعلي، والقيام بمسؤولياتها في غزة كما في الضفة والالتزام بالسلطة الواحدة والقانون الواحد والسلاح الشرعي الواحد”.

واكتفى عباس بالدعوة لعقد مؤتمر دولي يتبنى ويدعم خطة السلام، التي طرحها في شهر فبراير الماضي في مجلس الأمن الدولي.