العدسة – معتز أشرف

أزمة جديدة متوقعة في الكويت، بعد ارتفاع بورصة استجوابات الأول من مايو إلى الحكومة الكويتية، وتوقعات رائجة عن حل البرلمان، وعودة المشهد السياسي إلى نقطة الصفر المعتادة في هذا البلد الذي يلعب دورًا مهمًّا في المنطقة، وبين اتهامات النواب واستعداد الحكومة، وكواليس القصر الحاكم، تترقب الكويت بحذر المشهد، وهو ما نرصده.

ضجة الاستجوابات

ضجة تصاعدت في الكويت، مع تقدم النائب صالح عاشور، بطلب استجواب موجه إلى وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية هند الصبيح، من ثلاثة محاور، هو الثالث الذي يتعين على الحكومة الكويتية مواجهته في الجلسة المقبلة لمجلس الأمة «البرلمان»، في الأول من مايو المقبل، حيث تواجه الحكومة الكويتية، التي تشّكلت في 11 ديسمبر الماضي، ثلاثة استجوابات، آخرها الموجه للوزيرة هند الصبيح، فيما وجه الاستجواب الأول لوزير النفط والكهرباء والماء، بخيت الرشيدي، ومقدم من النائبين عمر الطبطبائي، وعبدالوهاب البابطين، ويتألف الاستجواب من 10 محاور، أهمها سوء الإدارة وإهدار المال العام، أما الاستجواب الثاني الموجه لرئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، فتقدم به النائب حمدان العازمي، ويتألف من ستة محاور؛ أولها تراجع الكويت في مؤشر مدركات الفساد، وتجاوزات في حساب العهد، وتراخي الحكومة في التعامل مع بعض القوانين الصادرة من مجلس الأمة، وسوء استعمال السلطة، وإصدار مراسيم أو قرارات بسحب أو إسقاط أو إفقاد الجنسية الكويتية عن بعض حامليها.

وكانت الوزيرة، هند الصبيح، نجت في 31 يناير الماضي من أزمة سحب الثقة، بعد استجوابها في البرلمان، وجاءت النتيجة لصالحها في جلسة طرح الثقة بفارق كبير في التصويت بعد رفض ٢٩ نائبًا لطلب طرح الثقة، وموافقة ١٣، وامتناع 3 نواب عن التصويت، ووجه لها الاستجواب عشرة نواب في مجلس الأمة، متهمين الوزيرة “الصبيح” بالفساد ومحاباة الوافدين، وشمل الاستجواب قيام الوزيرة بـ«التجاوزات المالية والإدارية في الهيئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة»، و«قطع المساعدات الاجتماعية عن الكويتيات» المتزوجات من غير الكويتيين، و«الإخلال بالتركيبة السكانية، وتعيين الوافدين، ومحاربة الكفاءات الكويتية»، وكذلك «الفساد المالي والإداري بهيئة القوى العاملة»، و«الإضرار بالعمل النقابي والتعاوني والجمعيات».

ترقب حذر!

وبحسب المراقبين، تعيش الكويت حالة من الترقب، رغم طمأنات رئيس مجلس الأمة، مرزوق الغانم، بأن “بعض الاجتهادات أو الإشاعات بحسن نية، وبعضها بسوء نية، وهي غير صحيحة تمامًا”، وأضاف: “سنتعامل مع الاستجوابات وفق الأطر الدستورية واللائحية”، معربًا عن أمله في “أن يتمكن المجلس من استكمال جدول الأعمال وإنجاز القوانين الموجودة عليه، فلا يوجد -وفق المعلومات المتوافرة له- أي مبرر أو سبب لحل المجلس، وسط خشية من “سرايات سياسية”، حيث يستخدم الكويتيون لفظة “السرايات” للتعبير عن التغيرات السياسية المفاجئة، لكون “السرايات” موسمًا سنويًّا في الكويت، بين الـ 20 من مارس والـ30 من مايو، وهو عبارة عن تغير مفاجئ بالطقس، لمرور منخفض جوي ومرتفع بسرعة فائقة، ما يُحدِث برقًا ورعدًا ورياحًا شديدة، فيما تتردد أنباء في وسائل إعلام كويتية ومواقع التواصل الاجتماعي، عن اعتزام أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حل مجلس الأمة؛ لتفادي أزمة محتملة بين البرلمان والحكومة، تعود بالمشهد السياسي إلى الثلاثين من أكتوبر 2017، حيث قبِل أمير الكويت استقالة الحكومة، بعد أيام من استجواب نواب لوزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وتقديم طلب للتصويت على سحب الثقة منه، فضلًا عن تهديد نواب آخرين بتقديم استجوابات لوزراء آخرين، فيما لم يبدد نفي “الغانم” احتمال حل البرلمان، الهواجس في الشارع الكويتي .

القلق! رُصِد بشكل أو بآخر، مع كتابات محسوبة على القيادة الكويتية، حيث اتهمت الاستجوابات بأنها “تنطلق من دوافع قبلية واجتماعية وطائفية متناحرة فيما بينها من جهة، وموجهة لحكومة يفترض أنها متضامنة من جهة أخرى”، ووصفت من أقلام بأنها تحتوي على “كوميديا سوداء”، حيث أن مشكلة هذه الاستجوابات تكمن في أن مجموع الأصوات النيابية لكل استجواب على حدة قد تتجاوز الـ40 صوتًا، ما يعني القضاء على الحكومة سياسيًّا بسهولة، ولكن الواقع أن محصلة طرح الثقة على كل وزير يتراوح بين 12 و17 صوتًا، الأمر الذي يعني أن الحكومة قد تفلت من الاستجوابات الثلاثة بكل سهولة، وتفسير ذلك؛ أن كل الاستجوابات لم تصل إلى حد النضج السياسي في مفهوم الحكومة والمعارضة، فالاستجواب الأول هو استجواب الحضر ضد البدو، والاستجواب الثاني هو استجواب البدو ضد الحضر، والاستجواب الثالث هو استجواب الشيعة ضد السنة، بمعنى أن الحكومة كسلطة تنفيذية غير معنية أبدًا بالمحاسبة والمساءلة من قبل السلطة التشريعية كما ينص الدستور، وهدف كل استجواب هو الانزعاج من شخص ما في الحكومة، لا من أدائها وتقييمها ومحاسبتها على السياسة العامة في الدولة، على حد تعبير الكاتب حسن عبدالله جوهر بجريدة “الجريدة”.

الاتهام وصل إلى نعت النواب بتلقي رشاوي من جهات، بالربط مع ما قاله الوزير السابق عبدالرحمن العوضي، في لقاء حديث، من أنه كان يشتري ولاء بعض أعضاء مجلس الأمة قبل 40 سنة، وبالاتفاق مع رئيس الوزراء، بمبلغ 200 إلى 300 دينار، بحسب ما نشرته جريدة “الجريدة” التي قالت في مقال “جوهر” إن هذا لا يزال هو الطبيعة المتبعة في التعامل مع بعض النواب، على امتداد مجالس الأمة حتى وقتنا الحاضر، وإن اختلفت تسعيرة شراء الولاء بكل صور المحسوبية.

أسباب التوتر

حكوميًّا تلوح في الأفق بوادر الاستعداد لإجهاض الاستجوابات، وتجنيب الكويت أزمة حل البرلمان، حيث أكد مجلس الوزراء الكويتي الحرص على التعامل مع الاستجوابات وفقًا لأحكام الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمة، واستعرض المجلس في اجتماعه الأسبوعي، الاثنين، هذه الاستجوابات المدرجة على جدول أعمال جلسة مجلس الأمة، وتدارس الجوانب الدستورية والقانونية التي تضمنتها صحف تلك الاستجوابات ومحاورها المختلفة، إلا أنه شدد على ضرورة تركيز الجهود على الاستحقاقات الوطنية الهامة والقضايا الجوهرية التي تمس هموم المواطنين ومصالحهم سعيًا لإيجاد أفضل الحلول لها، والعمل من أجل دفع مسيرة البناء والتنمية في البلاد.

المراقبون المحسوبون على الحكومة أشادوا بهذا الهدوء في التعامل لكنهم طالبوا بتقويض حق الاستجواب من الأساس في هذا الوقت، في دلالة تشير إلى الانزعاج، وقال الكاتب الصحفي غنيم الزعبي، مشيدًا بتصريح رئيس الوزراء: “سنتصدى للاستجواب كما تصدينا لغيره”: “هذا هو الكلام الصحيح، يجب أن نتوقف عن التصرف ضد الاستجواب كأداة مرعبة أو كسيف بتار يسحبه أي نائب، الاستجواب كما عرفه الدستور هو سؤال مغلظ يطرح فيه النائب أسئلته وتساؤلاته ليصعد الوزير المنصة ليرد عليه فقط، هذا هو، لا أكثر ولا أقل، فقد تغيرت النظرة إلى الاستجواب، فلم تعد له تلك الهيبة بعد أن أساء بعض النواب استخدامه، بل أصبحوا يهددون ويتوعدون به كلما خالفت الحكومة إحدى رغباتهم، ولم يعد الناس يهتمون به كما في السابق، وكما نقول في الكويت (مسخت السالفة ولم يعد لها طعم)”، مضيفًا في دعوة صريحة لإجهاض هذه الأداة الدستورية، “يجب تقنين هذه الأداة الدستورية الخطيرة، ما يصير نائب واحد يستيقظ من النوم فيه (شوية عسارة) فيذهب ليقدم استجوابًا لأحد الوزراء، فليتقدم بعض النواب الأبطال بطلب تعديل ينص على أن أي استجواب يجب أن يحظى بتوقيع ١٠ نواب على الأقل قبل أن تقبله الأمانة العامة للمجلس”.

الكاتب ذعار الرشيدي، من جانبه أكد أن كل الدلالات الآن تشير إلى أن الحكومة تضع في بطنها «بطيخة صيفي» لأي استجواب قادم، سواء استجواب وزير النفط، الذي قُدم أمس أو غيره، لكن ولأن التنبؤات السياسية في الكويت لاستخراج تحليل منطقي ونتيجة سليمة تمامًا كمحاولة التنبؤ بموسم السرايات، مشيرًا إلى أن الاستجواب كنتيجة نهائية في حال وصل إلى المناقشة والتصويت على طرح الثقة، فستعبره الحكومة بشكل مريح ومن دون مشكلات تذكر، لكن أعتقد أن من نتائج الاستجواب «ولن أقول أهداف الاستجواب»، هو إعادة ترتيب الأوراق في المجلس، وغربلة المواقف من جديد، ورسم خارطة واضحة لمواقف النواب لاحقًا من أية قضية.