قبل أن يتخذ الرئيس التونسي، قيس سعيد، إجراءاته الأخيرة كان الاقتصاد التونسي يعاني من أزمات متعاقبة. الآن، وبعد الإجراءات التي اتخذها سعيد، تشير الأمور إلى أنه ليس من المتوقع أن تشهد الأمور تحسنًا، بل من الواضح أنها تسير للأسوأ.

حيث أطاح الرئيس بهشام المشيشي، رئيس الحكومة والمكلف بإدارة شؤون وزارة الداخلية، وتولي الرئيس نفسه رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد يتولى تعيينه بنفسه. كما قرر “سعيد” تجميد كل اختصاصات المجلس الدستوري، ورفع الحصانة عن كل أعضاء المجلس النيابي. وبذلك، تولي الرئيس التونسي إصدار القوانين كما ينص على ذلك الدستور. 

كذلك جاء من ضمن القرارات، إعفاء إبراهيم البرتاجي، وزير الدفاع الوطني، وإعفاء حسناء بن سليمان، الوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية ووزيرة العدل بالنيابة. وتولي الكتاب العامين أو المكلفين بالشؤون الإدارية والمالية تصريف الأمور الإدارية والمالية في رئاسة الحكومة والوزارات (الدفاع، الداخلية، العدل)، إلى حين تسمية رئيس حكومة جديد.

بالإضافة إلى ذلك، تم تعطيل العمل بالإدارات المركزية والمصالح الخارجية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية لمدة يومين، وفرض حظر للتجول من السابعة مساء إلى السادسة صباحًا من اليوم التالي، حتى الجمعة 27 أغسطس باستثناء الحالات الصحية الطارئة وأصحاب العمل الليلي. كما تقرر منع حركة الأفراد والمركبات بين المدن خارج أوقات حظر التجول.

وبعد هذه الإجراءات، التي وصفها الكثيرون بالانقلاب، هوت بورصة تونس في تعاملات يوم الإثنين – الذي تلى الإعلان عن القرارات- ونزل مؤشر السوق المالية “توننداكس”، حيث فقدت بورصة تونس في تداولات هذا اليوم أكثر من 1.09 بالمائة من قيمتها، قبل الغلق النهائي للتعاملات كأول رد فعل للسوق المالية.

وسجلت السوق المالية هبوط أسهم 31 مؤسسة مدرجة، مقابل ارتفاع قيمة أسهم 6 مؤسسات فقط، إلى جانب استقرار أسهم 11 شركة مدرجة. كذلك، لم يتجاوز عدد الأسهم المتداولة 496 144 سهمًا بحجم تداولات لم يتجاوز 1,8 مليون دينار.

 

تحذيرات دولية من انهيار الاقتصاد

وكانت وكالة “فيتش” الأميركية للتصنيف الائتماني قد خفضت تصنيف تونس إلى “بي ناقص” (B-) مع نظرة مستقبلية سلبية، في وقت سابق من الشهر الجاري، بسبب تصاعد مخاطر السيولة المالية والخارجية، في سياق المزيد من التأخير في الاتفاق على برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي.

ومؤخرًا، حذرت وكالة “فيتش” من أن قرار سعيّد، بتجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، قد يُقلّل من استعداد الشركاء الغربيين لدعم بلاده، باعتبار أن ما حدث مناف للديمقراطية. حيث ذكرت الوكالة في بيان، أن “تحركات الرئيس الأخيرة، قد تضيف مزيدًا من التأخير في برنامج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي من شأنه أن يخفف من ضغوط التمويل الكبيرة في البلاد”. 

ووفق بيان “فيتش”، فإن تونس ستحتاج إلى مبالغ كبيرة من الدائنين الرسميين قبل نهاية العام، من أجل وقف تدهور احتياطيها من النقد الأجنبي. وأضاف الوكالة: “آفاق الإصلاحات التي من شأنها خفض العجز المالي، وتثبيت الديون، واحتواء ضغوط السيولة الخارجية كانت ضعيفة قبل هذه الأزمة”.

وترى الوكالة أن قرارات سعيد تسببت في حالة عامة من عدم اليقين، وأضافت: “نعتقد أنه من غير المرجح أن يستخدم سلطاته للدفع من خلال تدابير صعبة لمعالجة ضغوط التمويل، مثل خفض فاتورة أجور القطاع العام الكبيرة (17% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020)”. وتعتقد “فيتش” أن الفشل في الاتفاق على برنامج مع صندوق النقد الدولي، وهو ما يؤدي إلى استمرار الاعتماد الشديد على التمويل المحلي، سيزيد من الضغوط على السيولة الدولية. 

 

بيئة طاردة للاستثمار

وحسب خبراء اقتصاديين، فإن الوضع الاقتصادي والسياسي لا يزال غامضًا في البلاد، ذلك لأن حركة السوق المالية هي مرآة عاكسة للواقع في البلاد. ويرى هؤلاء أن هذا الهبوط أمر متوقع، وقد عرفت بورصة تونس هبوطات مماثلة خلال كل الأحداث المفصلية التي عاشتها البلاد، لكن مناخ الاستثمار يحتاج إلى تطمينات سياسية بالأساس لضمان استقرار تدفق الأموال وحركتها داخل السوق المالية. 

وهذا ما فعلت إجراءات سعيد خلافه، حيث زادت من حدة الاستقطاب، وعدم الاستقرار السياسي أو الاقتصادي والأمني. ويدلل على هذا أن السندات الصادرة عن البنك المركزي التونسي بالعملة الصعبة انخفضت انخفاضًا حادًا بعيد إعلان الرئيس التونسي عن قراراته، في وقت تعاني فيه بورصة تونس من ضعف التداول وتراجع الاستثمارات بسبب انتشار وباء كورونا.

فبحسب بيانات “تريدويب”، نزل إصدار السندات، التي ينتهي أجلها في عامي 2027 و2024، بأكثر من خمسة سنتات لكلّ منها، إلى أدنى مستوى منذ ما يربو على عام. ونزلت السندات التي ينتهي أجلها في 2027 عند 86.57 سنتًا في الدولار. كما أظهرت البيانات أنّ إصدار السندات المقومة بالدولار التي ينتهي أجلها في 2025 نزل بمقدار 4.8 سنتات، ليتداول عند 83.88 سنتًا في الدولار، وهو أدنى مستوى منذ 14 شهرًا. كذلك، نزلت سندات مقومة باليورو لأجل 2024 بأكثر من ثلاثة سنتات إلى 86.348 سنتًا في اليورو، قرب أدنى مستوى في تسعة أشهر، وفقًا للمصدر ذاته.

وفي السياق ذاته، يصف المراقبون الوضع الاقتصادي لتونس بالغامض والخطير في غياب رؤية واضحة لاختيارات الرئيس سعيّد السياسية ومشروعه للتسيير الاقتصادي لتونس في الفترة المقبلة لمنع إفلاس البلاد أو انزلاقها نحو مخاطر غير محسوبة العواقب. ويرون أن سعيّد مطالب بتوضيح موقفه من مواصلة المحادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج التمويل الذي تحتاجه تونس بعدما أصبح الاقتراض من السوق الدولية أمرًا شبه مستحيل.

ورغم دعوة رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، لعقد حوار موسع بين كل أطياف الشعب التونسي، للخروج من الأزمة، ما زال قيس سعيد يتخذ إجراءات من شأنها أن تعطل مصالح البلاد، وتتسبب في تدهور الاقتصاد بشكل أكبر.