(الاستيطان أهم من الشعب)

قبل أسبوعين، وبينما كان المجتمع الدولي منشغلاً بالتصريحات التي تدين صواريخ فصائل المقاومة الفلسطينية، في محاولة من الولايات المتحدة والقوى الدولية لتوجيه السردية بعيدًا عن التوسع الاستعماري الصهيوني المستمر، كان الفلسطينيون في نفس الوقت يحتجون أيضًا على البناء المرتقب لـ 350 مسكنًا استيطانيًا في بيت إيل، والتي وافقت عليها الحكومة الصهيونية أواخر العام الماضي. 

من الممكن القول إنه لو لم تُظهر الأمم المتحدة، وتحديدًا الولايات المتحدة، تواطؤها في حماية دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكان من غير المعقول حقًا أن السرد السائد، الغارق جدًا في الدعاية لصالح كيان الاحتلال، يمكن أن يكون له الأسبقية على السردية الفلسطينية ضد العنف الاستعماري ونزع الملكية الذي تمارسه إسرائيل.

من الواضح لأي مراقب أن خطاب “المستوطنات غير القانونية بموجب القانون الدولي” ليس له أي تأثير على الكيان المحتل، ولا حتى التحقيق وشيك في جرائم الحرب من قبل المحكمة الجنائية الدولية.  يُظهر العرض الأخير للتوسع الاستيطاني كيف يعرقل المجتمع الدولي أدنى سبيل للعدالة للشعب الفلسطيني، بالنظر إلى التناقض بين تركيز لاهاي على المسؤولية الجنائية وهوس الأمم المتحدة بضمان إفلات إسرائيل من العقاب.

 

  • تصريحات الوزير..

 

جدير بالذكر هنا أن نشير إلى تصريح وزير الصحة الإسرائيلي، يولي إدلشتاين، في حفل تدشين البناء الاستيطاني ، حيث قال: “المستوطنات وأرض إسرائيل أهم من أي شخص أو أي وضع سياسي”.

التوسع الاستيطاني هو وضع سياسي تستمر إسرائيل في إدامته وتصر على بقائه. ومع ذلك، فإن إدلشتاين محق في تصريحه بلا شك، حيث إن الحكومة الصهيونية بالفعل تستغل الشعب من أجل تعزيز وتثبيت مشروعها الاستعماري الاستيطاني الإجرامي.

التوسع الاستيطاني بالنسبة للفلسطينيين، يعني في أرض الواقع عقودًا عاشها أصحاب الأرض من التجريد القسري من الملكية، مما جعل الشعب الفلسطيني لاجئًا في أرضه وداره، فيما يبدو أنه وضع دائم، على الرغم من أن إسرائيل ترغب في إلغاء هذا الوضع دون أي شكل من أشكال التعويض.

من ناحية أخرى، يلبي المستوطنون ما تحتاجه الحكومة الإسرائيلية من أجل الاحتفاظ بالسيطرة المطلقة على الأراضي الفلسطينية. 

وتعتمد دولة الاحتلال على سكانها المستوطنين، لكن أهمية هؤلاء السكان مرتبطة مباشرة بالمشروع الاستعماري الاستيطاني، ولا شيء آخر. 

هناك عقد بين الكيان الصهيوني والمستوطنين، وهو عقد قائم على العنف والقسر، حيث إن عنف المستوطنين، أقرته الدولة الاستعمارية، بل تحميه الدولة المحتلة، ويستهدف هذا العقد إجبار الشعب الفلسطيني على التخلي عن أرضه وتهجيره عن داره قسرًا. ومن ثم فإن تعليق إدلشتاين يحمل جزءًا من الحقيقة يفضح ديناميكيات الصهيونية، مما يجعل اتهام المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب أكثر جدوى.

وحتى بدون تصريح الوزير الصهيوني، فإن الوقائع والأحداث اليومية تشير بشكل واضح إلى هذه الحقيقة، فالمتطرفون اليهود وقطعان المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية الصهيونية، وفي نفس الوقت يتحرشون بالمصلين والمرابطين الفلسطينيين في حماية هذه الأجهزة، فإذا ما رد المرابطون على هذه الاعتداءات، وقفت تلك الأجهزة حائلًا دون الطرفين، بل وتعتدي في غالب الأحيان على الفلسطينيين.

الدولة الصهيونية قائمة على الاستعمار، وهو أساس وجودها الذي لا تستطيع التخلي عنه، حتى على حساب مواطنيها وأبنائها، فالأهم هو الاستيطان والأرض، وليس الإنسان أو الشعب، كما ذكر الوزير إدلشتاين.

 

  • تواطؤ المجتمع الدولي..

 

بينما يصر المجتمع الدولي، في وئام تام مع السلطة الفلسطينية، على الحفاظ على صلة حل الدولتين بالتوسع الاستيطاني، فإن المسؤوليين الإسرائيليين يتفوهون بتصريحات تتجاوز المعايير المزعومة للمجتمع الدولي. 

 لا يوجد مفر من الإقرار بصوابية تعليق إدلشتاين، حيث إن المشروع الاستيطاني الإسرائيلي استمر بنفس الطريقة بلا هوادة على مدار عقود. حتى في أعقاب ما سمي بـ “اتفاقات أبراهام”، وهي اتفاقات التطبيع والخيانة العربية التي بدأتها إمارات الشر العام الماضي مع دولة الاحتلال الصهيوني.

بالرغم من أن كلمات إدلشتاين كان فيها ازدراءً واضحًا للقانون الدولي الذي يجرم المشاريع الاستيطانية، إلا أن الوزير الصهيوني أفلت من العقاب كالعادة، رغم مخالفة القانون الدولي الذي تحب الأمم المتحدة اقتباسه، لكنها لم تطبقه أبدًا.

لا تقدم الأمم المتحدة أي رد فعل ضد جرائم الاحتلال الاستيطانية سوى كلمات روتينية وتصريحات بروتوكولية لطيفة، لا تحمل أي آثار أو تداعيات سلبية على دولة الاحتلال، بل إنها لا تعبأ بها من الأساس، وهو ما يمكننا من القول إن ممارسات المجتمع الدولي تساهم بشكل كبير في التواطؤ على حماية الكيان الصهيوني الغاصب.

 

  • أين الحل؟

 

الحقيقة التاريخية والواقعية تفيد أن المجتمع الدولي لا يتحرك بشكل فاعل مع القضية الفلسطينية إلا بعد أن يوجع الفلسطينيون الصهاينةَ، ويؤلمونهم كما يألمون، هنا تتحرك الولايات المتحدة وأذنابها في المجتمع الدولي.

وهذه الحقيقة بديهية لا يستطيع أحد إنكارها، وهنا يأتي السؤال استنكارًا عن أولئك الذين يطالبون بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية، ما هي أهدافهم الحقيقية؟ وإلامَ يسعون؟ إن الفلسطينيين بدون سلاح المقاومة لا بواكي لهم. وهذه هي الحقيقة البديهية التي تبرهن عليها كل الوقائع والأحداث.

إن وقف الممارسات الاستيطانية للدولة الصهيونية لن يكون عبر انتظار الضمير الحر للمجتمع الدولي بأي حال من الأحوال، ولكن عبر الاستمرار في تقوية شوكة المقاومة الفلسطينية حتى تكون لها كلمة مسموعة تجبر المجتمع الدولي على التحرك لوقف الاستيطان.