سلطت صحيفة “لاكروا” الفرنسية الضوء على زيارة إيمانويل ماكرون إلى السعودية يوم السبت 4 ديسمبر/ كانون أول، حيث كان بذلك أول زعيم غربي بارز يلتقي ولي عهد محمد بن سلمان منذ اغتيال الصحفي جمال خاشقجي قبل ثلاث سنوات. 

وأكدت الصحيفة، في مقال حمل توقيع الكاتبة جولي كونان، أنه على الرغم من إعلان ماكرون وبن سلمان عن مبادرة لإنهاء الأزمة في لبنان، إلا أن النهج الذي اتخذه الرئيس الفرنسي بشأن هذه الزيارة يثير تساؤلات.

وأوضحت أنه من المسلم به أن إيمانويل ماكرون لم يُستقبل بضجة كبيرة من قبل محمد بن سلمان في الرياض، لكن اجتماعهم كان هدية دبلوماسية من الدرجة الأولى لولي العهد السعودي الملقب بـ MBS.

وتابعت لقد كانت الزيارة بالفعل هي الأولى من نوعها لزعيم غربي منذ الاغتيال الوحشي جمال خاشقجي قبل ثلاث سنوات في قنصلية الرياض بإسطنبول، حيث خلصت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى أن محمد بن سلمان وافق على خطة إما للقبض على أو قتل الصحفي السعودي المعارض الذي كان يعيش في الولايات المتحدة.

 

خطوة مكلفة سياسيًا

وذكرت أنه منذ أكتوبر/ تشرين أول 2018، أصبح محمد بن سلمان منبوذًا من قبل المجتمع الدولي، وعلى الأقل الرؤساء والمسئولين الكبار، فالرئيس الأمريكي جو بايدن، على سبيل المثال، يخاطب الملك سلمان فقط.

ونقلت عن آن جادل، المستشارة المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة جان جوريس، أن “زيارة إيمانويل ماكرون ليست تافهة، إنها طريقة لإعادة تأهيل محمد بن سلمان. لذلك يجب أن تكون هناك أسباب وجيهة للقيام بذلك لأنها مكلفة للغاية من الناحية السياسية ولا يبعث ببوادر طيبة”.

وبينت الصحيفة أنه لدى سؤاله عن قيامة بمد يد “المساعدة” لمحمد بن سلمان، أشار رئيس الجمهورية، منزعجًا قليلاً، إلى مجموعة العشرين التي نظمتها الملكة السعودية في نوفمبر/ تشرين ثاني 2020، حيث “كان هناك كل قادة مجموعة العشرين”.

وأكد حتى قبل زيارته للإمارات العربية المتحدة، المحطة الأولى في جولته التي استغرقت يومين في المنطقة، “أنا لا أؤيد أي شيء، أنا صارم تجاهه”، كما أضاف في اليوم التالي بجدة: “جزء كبير جدًا من مستقبل الخليج يرسم في السعودية وجزء من مستقبل المنطقة بأسرها يرسم هنا أيضًا”.

وتقول اليومية الفرنسية بالإضافة إلى بعض العقود –عقد تصدير 26 طائرة هليكوبتر من قبل شركة أيرباص هيليكوبترز، وعقد إدارة المياه لشركة فيولا- استفاد ماكرون أيضًا من انسحاب الحليف الأمريكي في المنطقة لتقديم نفسه كشريك موثوق به للرياض.

كما لفتت إلى أنه في نهاية لقائه بمحمد بن سلمان، أكد الرئيس الفرنسي يوم السبت أنه “تحدث عن كل شيء دون أي محرمات” وأنه تمكن كذلك من إثارة “مسألة حقوق الإنسان بشكل واضح”، بالإضافة إلى اغتيال جمال خاشقجي، فعلى الرغم من التقدم الملحوظ في مجال حقوق المرأة، تحتجز المملكة السعودية 33 صحفياً في السجن وتعدم المزيد والمزيد من المحكوم عليهم كل عام.

“هذه الرحلة ليست بارزة من حيث القضايا التي لا تزال فرنسا تريد أن يكون لها نفوذ بها كحقوق الإنسان، فعلى الرغم من أنه تم تناول العديد من الأمور من قبل كلا الرجلين، فماذا إذا لم يتم تفعيلها؟” تتساءل آن جادل.

 

إعادة العلاقة بين بيروت والرياض

وترى “لاكروا” أنه من أجل تبرير لقائه بولي العهد السعودي، طرح إيمانويل ماكرون الملف اللبناني بشكل خاص، حيث هناك أزمة مفتوحة بين لبنان والسعودية منذ أن استدعت الرياض سفيرها في بيروت وطردت السفير اللبناني نهاية أكتوبر/ تشرين أول الماضي بعدما انتقد وزير الإعلام جورج قرداحي التدخل العسكري من قبل التحالف بقيادة الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن ضد المتمردين الحوثيين. 

كما حظرت الرياض الصادرات اللبنانية إلى أراضيها، وأعقبت هذه القرارات إجراءات انتقامية من البحرين والإمارات والكويت، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تشهدها بلاد الأرز.

ولتهدئة هذه الأزمة، قدم وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، الجمعة 3 ديسمبر/ كانون الأول استقالته، مؤكداً أنها جاءت بناء على رغبة باريس، وفي اليوم التالي، أعلن إيمانويل ماكرون ومحمد بن سلمان عن مبادرة مشتركة لمساعدة بلاد الأرز وهاتفا رئيس الوزراء نجيب ميقاتي.

 وقال الرئيس الفرنسي قبل مغادرة الرياض إن “ باريس والرياض تريدان الانخراط انخراطًا كليًا لدعم الشعب اللبناني ولإعادة كلّ العلاقات التجارية والاقتصادية لخدمة الشعب اللبناني في أموره المعيشية والحياتية فيما يخص الشؤون الغذائية والإنسانية وتلك المتعلقة بموارد الطاقة” بعد أزمة دبلوماسية خطيرة.

وتساءلت الصحيفة في نهاية تقريرها هل يمكن لمبادرة الرئيس الفرنسي، الذي كان ناشطا جدًا في الملف اللبناني بعد الانفجار الذي قع في مرفأ بيروت أغسطس/ آب 2020، تغيير الوضع؟ 

ونقلن عن آن جادل القول” أشك في ذلك لأن ما فعلته السعودية في أكتوبر/ تشرين الأول كان إشارة قوية وعميقة، وليست مؤقتة فقط، تدل على استمرار تدهور العلاقات بين بيروت والرياض، المرتبطة بقضايا إقليمية إضافة إلى إيران، أشك في أن ذلك سيغير موقف الملكة، لأنه عملية حسابية محفوفة بالمخاطر”.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا