في تقرير بصحيفة “ليبراسيون” الفرنسية اعتبر الكاتبان بيار آلونسو وهالة قضماني أن صفقة بيع باريس للقاهرة 30 طائرة من طراز “رافال”، يثير تساؤلات حول تدهور الحريات العامة والظروف المعيشية للمصريين.
ورأى الكاتبان أن الفائزين في هذه الصفقة هما شركة داسو أفياسيون، والحكومة الفرنسية التي تشيد بالنشاط الاقتصادي الناتج عن العقد، والدولة المصرية التي تواصل زيادة قدراتها العسكرية.
في المقابل الخاسر هم المصريون الذين تستمر ظروفهم المعيشية في التدهور، فالرئيس عبد الفتاح السيسي من الواضح أنه يعتقد بأن بلاده بحاجة إلى طائرات مقاتلة جديدة أولاً وقبل كل شيء، يضيف آلونسو وقضماني.
كما أشارا إلى أن وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي، أكدت الثلاثاء 4 مايو/ أيار الجاري، إبرام العقد، بمبلغ إجمالي قدره 3.95 مليار يورو، بحسب موقع “ديسكلوز” الاستقصائي الذي كان أول من كشفت عن هذه الصفقة.
وقالت بارلي، في تغريدة عبر حسابها بموقع تويتر: “أرحب ببيع 30 رافال لمصر الشريك الاستراتيجي، هذا النجاح في التصدير أمر حاسم لسيادتنا والحفاظ على 7000 فرصة عمل صناعية في فرنسا لمدة 3 سنوات”.
وهذه هي المرة الثانية التي تشتري فيها القاهرة فخر صناعة داسو، تبين الصحيفة، حيث حصلت البلاد عام 2015، على 24 رافال، التي كانت أول عملية بيع للطائرة في الخارج، ثم حاملتي هليكوبتر وفرقاطة وأربع طرادات وصواريخ، لتصبح رابع عميل للسلاح الفرنسي خلال الفترة من 2010-2019.
ونوهت بأنه في عام 2015، اضطرت فرنسا إلى تصدير رافال حفاظا على استمرار الإنتاج، بسبب انخفاض الطلب، والوضع أقل اضطرارا اليوم، لكن مبيعات الأسلحة لا تزال ضرورية، إذ يقول قريبون من فلورنس بارلي: “التصدير هو شرط سيادتنا، ولا يمكننا تجهيز قواتنا بدونه. نحن بحاجة إليه لضمان الحفاظ على المهارات والوظائف في فرنسا “.
وسيط
ويوضح أحد مستشاري بارلي في هذا الشأن، أن الصفقة هدفها التقارب مع هذا “الشريك الاستراتيجي، فمصر دولة رئيسية وهامة للحفاظ على مصالحنا الأمنية، وحجر الزاوية للأمن الإقليمي في الجوار الجنوبي”، مشيرا الإمدادات الأوروبية عبر قناة السويس، والاستخدام المحدود للقواعد والمجال الجوي المصري من قبل الجيش الفرنسي.
ومن جهتها ترى أنييس لوفالوا، رئيس معهد البحوث والدراسات حول منطقة البحر المتوسط والشرق الأوسط، أنه من خلال هذه الصفقة تريد مصر “إظهار مركزيتها للاستقرار الإقليمي، وأنه يجب مساعدتها في التسلح ومشاريع الطاقة الكبرى”.
وأضافت “السيسي يريد تسليط الضوء أيضا على قدرته في مواجهة محاولات تركيا التوسع، مطمئنا باريس بفكرة أننا لا نستطيع الاستغناء عنها”.
ووفقا لكاتبا المقال: لا يهم إذا لم يسفر هذا التحالف، الذي أكملته الإمارات العربية المتحدة، عن نتائج، على سبيل المثال في ليبيا إلى جانب المشير حفتر.
وتابعا ” تعرف القاهرة أيضا كيف تستدعي دورها في مكافحة الإرهاب (كان رئيس المديرية العامة للأمن الداخلي، برنارد إيمييه، في القاهرة أيضًا مارس/ أذار الماضي)، أو حتى التوسط في القضايا المتعلقة بالإسلام والعلمانية، في المقابل تظل السلطة التنفيذية الفرنسية حذرة بشأن القضايا المختلف فيها.
وأوضحا أنه خلال زيارة الدولة التي قام بها عبد الفتاح السيسي إلى باريس في ديسمبر/ كانون الأول، رفض إيمانويل ماكرون وضع شروط لهذه “الشراكة الاستراتيجية”، وبالتالي، جعل مبيعات الأسلحة، مرتبطة باحترام حقوق الإنسان، والدعوة ببساطة إلى “الانفتاح الديمقراطي”.
ديون
من جهته يلاحظ عمرو مجدي، باحث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش: “بالنسبة للنظام المصري، هذه العقود هي وسيلة لشراء الدعم السياسي والدبلوماسي من الدول الغربية الكبرى، وسيلة تستخدم بامتياز مع فرنسا، المورد الرئيسي للمعدات العسكرية في مصر.
وأضاف “الشراكة الإستراتيجية تترجم أيضًا إلى دعم دبلوماسي من فرنسا في بعض المحافل الدولية لمعارضة القرارات التي تدين مصر في مجال حقوق الإنسان”.
آلونسو وقضماني اعتبرا أيضا أن صفقة “رافال” جاء على حساب حقوق الشعب المصري، “فالعقد لا يثير فقط مسألة القمع والتضييق على الحريات في مصر، بل يتعداها الى حقوق المصريين الاقتصادية، إذ أن ثلث المواطنين يعيشون تحت خط الفقر فيما يقوم قادتهم بإهدار المليارات على الاسلحة”.
ويشير عمرو مجدي إلى أنه “بينما تطلق الحكومات حزمًا تحفيزية، تظل أولوية مصر هي شراء الأسلحة”، من خلال عقود تثقل كاهل الدين الخارجي للبلاد، والذي يبلغ 104 مليارات يورو، أو 33٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب البنك المركزي المصري، وهي ديون تضاعف في عهد الرئيس السيسي.
ووفقا للكاتبين يثير التمويل الائتماني لشراء الأسلحة تساؤلات، حيث ستغرق القاهرة في الديون على مدى عشر سنوات، ففي تقرير حول مراقبة صادرات الأسلحة صدر نوفمبر/ تشرين الثاني، لاحظ النواب الفرنسيون بالفعل أن “مصر لم تحصل على تمويل دولي بسبب هشاشتها المالية الهائلة”.
وبالتالي فإن ضمان العقد الأخير حتى 85٪ من قيمته من قبل الخزانة العامة يثقل كاهل دافعي الضرائب الفرنسيين بالتقصير المحتمل في السداد، لكن القريبون من وزيرة الجيوش الفرنسية يقولون “لم نواجه مشكلة في السداد أو الدفع مع المصريين، فهم عملاء جيدين لفرنسا”.
وفي نهاية التقرير يأسف عمرو مجدي، الذي يفكر قبل كل شيء بالناشط رامي شعث، المعتقل في القاهرة لما يقرب من عامين، لأن فرنسا “لم تنتهز فرصة هذه العقود للمطالبة بالإفراج عن بعض السجناء السياسيين في مصر”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا