يتجدد الحديث بين الحين والآخر عن الدور الذي تلعبه روسيا عبر شركاتها الأمنية والمرتزقة التابعين لها في الدول التي تسعى للتأثير عليها وبسط نفوذها فيها، وتعد مجموعة “فاغنر” الروسية أبرز تلك الشركات، وتماثل شركة “بلاك ووتر” الأمريكية، ويعمل تحت لوائها مئات المرتزقة الروس، وتتولى تنفيذ “عمليات قذرة” في مناطق النزاع المختلفة.

كما تتولى فاغنر، تنفيذ المهام الخارجية التي لا ترغب موسكو بتبنيها رسميا، حيث تعرف بدورها في ضم القرم، والانخراط في الاشتباكات شرقي أوكرانيا، إلى جانب الانفصاليين، وإرسال المرتزقة إلى سوريا ودول إفريقية.

وبرز اسم الشركة في الآونة الأخيرة، مع احتدام الصراع في ليبيا، وقتالها في صفوف ميلشيات حفتر الذي يشن هجمات متزامنة للسيطرة على العاصمة طرابلس.

 

حقيقة فاغنر

ظهرت هذه المليشيا خلال السنوات الأخيرة، وبدأت نشاطها في أوكرانيا، ثم برزت بشكل أكبر في سوريا، حيث قاتلت جنباً إلي جنب مع قوات النظام السوري، وقُتل عدد من عناصرها – تتفاوت تقديراته – خلال غارة أمريكية في سوريا مطلع فبراير 2018 ، وعاد اسمها للظهور مرة أخرى في القتال بالعاصمة الليبية طرابلس إلي جانب قوات اللواء المتمرد خليفة حفتر.

وتفاوتت المعلومات فيما يخص تاريخ نشأتها على وجه التحديد، فذكرت وكالة “رويترز” نقلاً عن صحيفة “فونتانكا.رو” الروسية التي أجرت عدة تحقيقات عن هذه المنظمة أن تأسيسها يعود إلى خريف 2015، أي الفترة التي شنت فيها روسيا غارات دعماً للنظام السوري، لكن صحيفة “لوس أنجلس تايمز” الأمريكية ذكرت أن تأسيس المجموعة كان عام 2014 على يد العميد السابق في الجيش الروسي “ديمتري أوتكين”، الذي يخضع لعقوبات أمريكية على خلفية دوره في الأزمة الأوكرانية؛ حيث قاتل في شرقي أوكرانيا إلى جانب المتمردين الانفصاليين.

وكما حارب “أوتكين” من قبل،  فإن عديداً من مقاتلي “فاغنر” حاربوا أولاً في شرقي أوكرانيا، حيث تقود المليشيات المدعومة روسيّاً حركة انفصالية ضد القوات الأوكرانية منذ عام 2014.

ونظراً إلى أن الشركات العسكرية الخاصة غير قانونية في روسيا، فإن الشركة مسجلة في الأرجنتين، بحسب صحيفة “لوس أنجلس”، ولكن أغلب نشاطها -الذي تكشف حتى الآن على الأقل – تركَّز بأوكرانيا وسوريا.

ونقلت وكالة رويترز عن صحيفة “آر كي بي” الروسية، تأكيدها أن عدد مقاتلي “فاغنر” تغير بحسب الظروف والفترات، هبوطاً من 2500 في أوج المعارك إلى نحو ألف في المعدل.

وتربط تقارير صحفية أنشطة ما يُسمى بمجموعة فاغنر كافة بشخص واحد، وهو ييفيغني بريغوجين، وهو رائد أعمال روسي، يُعرف في الغالب في مجال التزويد بالخدمات وله علاقات تجمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويلقب بريغوجين، بـ “طباخ بوتين”، نظرا لأنه يدير شركة “كونكورد” التي كانت تنظم حفلات الاستقبال بالكرملين، لكنها تخضع لعقوبات أمريكية منذ نهاية 2016، ويقال إن هذه العلاقة الوثيقة قد ضمنت له عقودا حكومية عدة، بما فيها خدمات تزويد للجيش الروسي من بين جهات أخرى. كما أنه يرتبط بـ “وكالة أبحاث الإنترنت” سيئة الذكر، التي اتُّهمت بإجراء عمليات تأثير سياسي شائنة، ووجهت لها اتهامات بشأن التورط في التأثير على الانتخابات الأميركية، حيث قام صندوق الخزينة الأميركية بفرض عقوبات على بريغوجين باستهداف عدد من أصوله المالية وأعماله التجارية.

 

سوريا ثم ليبيا

وتعتبر صحيفة “بلومبيرغ” الأمريكية أن المجموعة تمثل جزءاً أساسياً من استراتيجية روسيا الأوسع المتمثلة بالحرب الهجينة؛ فهي مزيج من العدوان الحركي والإعلامي لتعزيز المصالح الروسية، من خلال نشر مقاتلين يرتدون زيّاً غير الزي الرسمي للجيش الروسي، وظهر هذا في سوريا حين أُرسل هؤلاء المرتزقة لمساندة نظام الأسد، وارتكبوا ما وصفت بأنها جرائم حرب بحق المدنيين في محافظة دير الزور السورية.

ورغم النفي الروسي الرسمي لوجود علاقة لهم بالجيش الروسي إلا أن الوقائع تؤكد أنهم يعملون بالتنسيق الكامل مع القوات الروسية ويتلقون نفس امتيازات عناصر الجيش الروسي. ويتم نقلهم إلى سوريا بواسطة طائرات عسكرية روسية تهبط في القواعد الروسية هناك ويتلقون العلاج في المستشفيات العسكرية الروسية أسوة بالجنود الروس.

وبالانتقال إلي ليبيا  فقد ذكرت وكالة رويترز أن تقريراً أممياً أشار إلى أن مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة نشرت زهاء 1200 فرد في ليبيا لتعزيز قوات خليفة حفتر القائد المتمركز في شرق ليبيا.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ديسمبر 2019: إن بلاده “لا يمكنها أن تلزم الصمت حيال مرتزقةٍ مثل مجموعة (فاغنر)، التي تساندها روسيا وتدعم قوات خليفة حفتر في ليبيا”، وأضاف أردوغان: “إنهم يعملون حرفياً مرتزقةً لحساب حفتر في ليبيا من خلال المجموعة المسماة فاغنر”.

ولا تكتفي “فاغنر” بإمداد حفتر بالمرتزقة، بل تسعى لخدمة الأجندة الروسية، من خلال “خدماتها الاستشارية” الإعلامية والسياسية والمالية.

وأظهر تقرير أعدته مؤسسة “دوسير” للأبحاث، ومقرها لندن، أن شركة “فاغنر” أقدمت على أنشطة من قبيل “الدخول في شراكة بقناة (الجماهيرية) تلفزيونية تعود لنظام معمر القذافي السابق، والقيام ببث برامج لصالح “سيف الإسلام” نجل معمر القذافي، وحفتر. 

وقالت بلومبرغ، إن سلطات حكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها دوليا، تمكنت العام الماضي من القبض على عميلين روسيين، وضبطت في حوزتهما ملاحظات عن لقاءات عقداها مع نجل القذافي.

 

تمويل سعودي

ووفق تقرير أورده موقع “المونيتور” الأمريكي، فإن الرياض كثفت خلال الأشهر الأخيرة من دعمها المالي للقوات الموالية لأمير الحرب “خليفة حفتر”، وفي الوقت نفسه، سعت لتعزيز دورها كعراب لعملية التسوية السياسية في ليبيا.

وعلي المستوي العسكري، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية: إن السعودية “موَّلت عمليات مرتزقة فاغنر الروس الذين يقاتلون إلى جانب قوات حفتر في ليبيا”، وكشفت أن السعودية تمول مقاتلين روس في ليبيا، وتدعم عملياتهم لصالح اللواء المتمرد خليفة حفتر.

وأوردت الصحيفة في تقريرها أن “روسيا سجلت اسمها كفاعل رئيس في الحرب الليبية، ولكن عبر اتباع استراتيجية غير مكلفة، حيث تشير بعض المصادر إلي أن عمليات مقاتلي شركة فاغنر تلقي دعما من السعودية”.

ولم توضح الصحيفة طبيعة الدعم وشكله تحديدا، إلا أنها أكدت أن السعودية تساهم في دعم المقاتلين الروس ما يقلل من تكلفتهم بالنسبة لموسكو.

الدور السعودي الداعم لحفتر ليس خفيًّا، فقد زار حفتر الرياض قبل حملته علي طرابلس في أبريل من العام الماضي، والتقى الملك سلمان وولي عهده؛ لتمويل حملته على العاصمة، وفقا لتقرير نشرته وكالة “سي إن إن” الأمريكية ، وتحدثت فيه عن تمويل السعودية لحفتر بنحو 200 مليون دولار ليبدأ مغامرته للسيطرة على العاصمة، وتدعم السعودية التيار المدخلي (منسوب للسعودي ربيع المدخلي)، والذي يشكل القوام الأساسي لقوات المتمرد خليفة حفتر في شرق ليبيا.