يبدو أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، اعتبر أن مهمته الشخصية انتهت في النزاع الفلسطيني الصهيوني بوقف إطلاق النار، فجر الجمعة الماضية، ويبدو أنه يرى أن الدور المنوط بإدارته حاليًا لا يتخطى العمل على تعزيز وقف إطلاق النار  وتثبيت شروط استمراره، بحيث يحول دون تكرار هذه المواجهة مرة أخرى خلال عهدته.

مضمون خطاب بايدن عقب توقف القتال، وإيفاده لوزير خارجيته، أنتوني بلينكن، الذي من المنتظر وصوله إلى المنطقة خلال الأيام المقبلة، في مهمة تتعلق بالترتيبات الجديدة، يوضحان أن طموح بايدن غير متصل بالجوهر، لكنه فقط يرنو إلى احتواء الأزمة وإدارتها.

 

  • إدارة الأزمة وليس حلها..

 

ومن المعلوم أن الرئيس بايدن ذي الخلفية الديمقراطية ينتمي إلى المدرسة التي تقول إن الصراع الفلسطيني الصهيوني من النوع الذي لا يستطيع الرئيس الأمريكي على حله أو تجاهله، لكنه يستطيع إدارته فقط.

وهذه النظرية يُقصد بها أن يُترك القرار لإسرائيل، مع الإبقاء على هامش تتحرك ضمنه واشنطن كضامن يحول دون تدخل حقيقي فاعل للأمم المتحدة.

نظريةٌ المقصود بها ترك القرار لتل أبيب مع الاحتفاظ لواشنطن بهامش تتحرك ضمنه كمسوِّق وكمظلة تحول دون تدخّل الأمم المتحدة. وهي قاعدة طبّقها بايدن في هذه الأزمة التي تعامل معها منذ البداية، تماماً كما تعامل معها الاحتلال الإسرائيلي على أنها مشكلة أمنية – صاروخية، وزعم أنه عمل على حلّها بهذا الأفق.

وكان هدف الرئيس الأمريكي هو أن يوقف إطلاق النار، وليس إيقاف العلميات الاستيطانية التوسعية التي تقوم بها دولة الاحتلال، مع أنه يعلم جيدًا أن هذا الأمر هو  أصل المشكلة وبيت الداء.

وبالرغم من أنه يعترف لفظيًا بأن حل الدولتين هو الأفضل للخروج من هذه الأزمة، لكنه من ناحية أخرى يدعو إلى هذا الحل من باب النصيحة، وليس من باب إلزام إسرائيل به بشكل حتمي.

فطيلة فترة العدوان، لم تذكر المؤسسات الأمريكية المعنية هذا الحلَّ إلا بشكل عابر، ولمرات قليلة ومحدودة جدًا، بالرغم من أن عددًا من التقارير تفيد أن جهات غير قليلة حثت الرئيس الأمريكي على اغتنام الفرصة السانحة لتسويق حل الدولتين والتمهيد له، وذلك للحيلولة دون تكرر المواجهة العسكرية التي صارت دورية في ظل غياب حل يضمن السلام.

 

  • تحول ملحوظ..

 

كذلك كان بمقدور بايدن الاستناد إلى التحول الملحوظ الذي تشهده الولايات المتحدة في هذا الاتجاه، لا سيما في الكونغرس، الذي برزت في مجلسيه كتلة وازنة سارعت منذ انفجار الأزمة تدفع باتجاه الضغط على إسرائيل لوقف العدوان، ولحملها على الدخول في طريق حل الدولتين.

فالتغيير الذي طرأ على تركيبة الحزب في الكونغرس وفي صفوف قواعده، أدى إلى كسر عدد من الخطوط الحمراء، فلم يتوقف الأمر عند الإدانة لعدوانية إسرائيل بلهجة ولغة غير مسبوقتين في حدتهما، بل وصل الأمر إلى تقديم مشروعي قانون في مجلسي النواب والشيوخ لوقف صفقة سلاح مع تل أبيب بقيمة 735 مليون دولار. وبطبيعة الحال، ليس متوقعًا أن يُمرر هذا القانون.

وبالرغم من ذلك، فإن مجرد وصول الرفض في الكونغرس، الذي كان على مدار التاريخ حصنًا منيعًا لدولة الاحتلال الإسرائيلي في واشنطن، إلى هذا الحد، هو ورقة كان بإمكان الرئيس ضمّها إلى حيثيات أخرى للدفع نحو ما يتخطى وقف إطلاق النار. 

 

  • رؤية أخرى..

 

لكن هذا ليس في حسابات بايدن، حيث إن لديه رؤية أخرى للسلام الذي “لن يتحقق إلا بعد أن تعترف المنطقة بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية”، كما قال في رده على سؤال خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض مع الرئيس الكوري الجنوبي، مون جاي-إن. 

جوابه الخارج عن السياق أثار من الاستغراب بقدر ما بدا على أنه مؤشر آخر بأنه غير معني فعليا بحل الدولتين. وكانت الإشارة الأهم عدم تعيينه مبعوثا خاصا لهذا الملف، ناهيك عن عدم تعيينه بعد سفيره في إسرائيل. 

وفي هذا الإطار، تأتي زيارة بلينكن التي من المقرر أن يستهلها، الأربعاء القادم، إلى المنطقة، التي يوحي توقيتها بأنها لن تخرج عن حدود معالجة آثار الحرب على الصعيد الفلسطيني وبصورة تؤكد على انقسامه، من خلال المساهمة المشروطة في إعادة إعمار غزة مقابل تعزيز الدعم للسلطة الفلسطينية، والعمل على إعادة تعويم أوضاعها التي تعاني من حالة هبوط في الساحة الفلسطينية، انعكست في قرار تأجيل الانتخابات. 

وقد ألمحت الإدارة الأميركية أخيراً بشأن نيتها تحسين الظروف الاقتصادية للفلسطينيين، وبما يستحضر خطاب جاريد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عن هذا التوجه كما قدمه آنذاك في “صفقة القرن”، كبديل عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. فهل يتكرر السيناريو بإخراج جديد في ضوء الانقسام الفلسطيني الذي تحرص إسرائيل ومعها واشنطن على استمراره؟