في مشهد يعيد أجواء التحشيد العسكري لما قبل الغزو الأميركي للعراق، تشهد الأجواء الأوروبية والأطلسية تحركات عسكرية أميركية غير مسبوقة، وسط تصعيد لافت في التوتر بين واشنطن وطهران. فقد رصدت مواقع تتبع الطيران أكثر من 30 طائرة تزويد بالوقود من طراز KC-135R وKC-46A انطلقت دفعة واحدة من الولايات المتحدة نحو أوروبا، فيما وُصفت التحركات بأنها “نشر جماعي غير مألوف” يفتح الباب أمام سيناريوهات شديدة الخطورة.
ورغم أن تحليق طائرات التزود بالوقود عبر الأطلسي قد لا يكون حدثًا نادرًا، إلا أن الحجم والنسق الزمني المتزامن يشيران بوضوح إلى تحرك استراتيجي يتجاوز مجرد تدريبات أو استعراض قوة. وفي هذا السياق، لم تتأخر وزارة الدفاع الأميركية في كشف ورقة جديدة، حيث تم إصدار أوامر بتحريك حاملة الطائرات “نيميتز” ومجموعتها القتالية إلى الشرق الأوسط، لتعزيز “الانتشار الدفاعي” وحماية القوات الأميركية في المنطقة.
رسائل ردعية مزدوجة
تزامن هذا التحرك مع تصريحات نارية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي دعا إلى “إخلاء طهران فورًا”، مؤكدًا أن إيران اقتربت من “نقطة اللاعودة” في برنامجها النووي، وأنه “لا صفقة.. ولا سلاح نووي لإيران”. ولمّح ترامب بوضوح إلى أن فرصة التفاوض باتت ضيقة جدًا، مطالبًا طهران بإبرام اتفاق “قبل فوات الأوان”، وهو خطاب لا يخفى فيه البعد التهديدي والاستعداد للخيار العسكري.
إيران في الزاوية.. والوسطاء يتحركون
من جهتها، ترسل طهران إشارات متباينة؛ فبحسب “وول ستريت جورنال”، بدأت إيران عبر وسطاء عرب إيصال رسائل إلى واشنطن وتل أبيب تشير إلى رغبتها في احتواء التصعيد والعودة إلى طاولة التفاوض. لكن هذا المسعى لا يبدو كافيًا حتى اللحظة لتخفيف وتيرة التحركات العسكرية الأميركية، وهو ما يثير التساؤل: هل الولايات المتحدة بصدد ممارسة “أقصى ضغط” قبيل أي مفاوضات؟ أم أن طبول الحرب تُقرع بالفعل؟
شرق المتوسط على صفيح ساخن
وجود حاملة الطائرات “نيميتز” شرق المتوسط، إلى جانب التحركات الجوية المكثفة، يُشير إلى بناء مظلة لوجستية متكاملة لأي عمل عسكري محتمل، سواء للردع أو للهجوم. كما أن الشرق الأوسط – وخاصة سوريا ولبنان والعراق – مرشح أن يتحول إلى ساحات اختبار لهذه الجاهزية، لا سيما في حال اندلاع مواجهة إسرائيلية-إيرانية مباشرة.
سيناريوهات محتملة:
-
ضغط ردعي قبيل التفاوض: وهو ما يشير إليه التلويح بالقوة تزامنًا مع رسائل وسطاء عرب.
-
ضربة استباقية: خاصة إذا توفرت معلومات استخباراتية حول تقدم خطير في المشروع النووي الإيراني.
-
مناورة تكتيكية لدعم إسرائيل: في ظل تصاعد الضربات الإيرانية والرد الإسرائيلي، قد تتحول القوة الأميركية إلى عامل دعم حاسم لتل أبيب.
-
إدارة أزمة تمهيدًا لاتفاق أكبر: بحيث تكون كل هذه التحركات جزءًا من استراتيجية لترتيب طاولة جديدة على مقاس واشنطن.
الشرق الأوسط يقف مجددًا على شفير تصعيد قد يبدّل خرائط النفوذ، وما يجري في السماء وعلى سطح البحر ليس عابرًا. السؤال الأخطر الآن: هل هذه تحركات استباقية لاحتواء الصراع؟ أم أن الولايات المتحدة تعد المسرح لضربة حاسمة؟
الأيام القادمة وحدها من ستُظهر إن كنا على أعتاب مفاوضات جديدة.. أم على حافة حرب كبرى.
اقرأ أيضا: اغتيالات في قلب طهران.. وعود إيرانية بـ”عقاب مؤلم” لإسرائيل وأمريكا
اضف تعليقا