بقلم لورين جامبينو وألينا ديموبولوس من نيويورك

يرى كثيرون أن انتصار زهران ممداني يشير إلى لحظة فاصلة ينبغي فيها للحزب الديمقراطي على المستوى الوطني أن يعيد تشكيل نفسه، بينما يعتقد آخرون أن هذا النمط من السياسات لن يلقى قبولًا في الولايات الحاسمة.

في ليلة الجمعة السابقة ليوم الانتخابات، سار زهران ممداني – المرشح الاشتراكي الديمقراطي البالغ من العمر 33 عامًا والمرشح لمنصب عمدة نيويورك – على امتداد جزيرة مانهاتن، من حديقة إنوود هيل في أقصى الشمال إلى الطرف الجنوبي عند منطقة باتري، أي مسافة تقارب 13 ميلًا. وعلى طول الطريق، استقبله سكان نيويورك الذين كانوا في الشوارع آنذاك، والتف حوله الرجال وصافحوه، وأطلق سائقون أبواق سياراتهم دعمًا له، بينما قفز بعض الروّاد من أماكنهم لالتقاط صور سيلفي مع من قد يكون قائد مدينتهم القادم.

حملة ممداني الانتخابية أنتجت مقطع فيديو مليئًا بالحيوية يوثق تلك الرحلة، يُظهر الطابع “الفريد من نوعه” لصعوده السياسي – من مجرد عضو مغمور في مجلس الولاية إلى أن أصبح فعليًا المرشح الرسمي للحزب الديمقراطي لرئاسة أكبر مدينة في الولايات المتحدة.

وقد شكّل هذا الانتصار الصادم سياسيًا، بعد تفوقه على الحاكم السابق أندرو كومو المدعوم من المؤسسات والنخبة والممول بحجم كبير، رسالة واضحة يأمل العديد من الديمقراطيين أن تصل إلى الحرس القديم داخل الحزب: حان وقت تسليم الراية… وقد اعترف كومو بخسارته ليلة الثلاثاء، بعد إعلان نتائج الجولة الأولى فقط.

أما ممداني نفسه فقد اعتبر الانتخابات استفتاءً على الوضع القائم الذي بدأ ينهار، وتعهد في خطابه خلال ليلة الفوز في الدقائق الأولى من صباح الأربعاء بأن “يحكم هذه المدينة كنموذج للحزب الديمقراطي، حزب يدافع بلا مواراة عن الطبقة العاملة”.

وبتركيزه المستمر على تكلفة المعيشة، وحضوره الإلكتروني المحبب، وجيش متطوعيه الذي بلغ عشرات الآلاف، نجح ممداني – الذي قد يصبح أول عمدة مسلم في تاريخ نيويورك – في دحض كل التوقعات التي اعتبرت أن كومو، الرجل البالغ 67 عامًا والمنحدر من عائلة سياسية مرموقة في نيويورك، لا يُهزم. والأهم أنه فعل ذلك بطريقة يرى فيها الكثير من الديمقراطيين، باختلاف أطيافهم الأيديولوجية، نموذجًا يمكن أن يُحتذى لاستعادة شرائح من الناخبين فقدها الحزب، في أول انتخابات تمهيدية كبرى تُجرى منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

يقول أميت سينغ باجا، الاستراتيجي الديمقراطي والمسؤول السابق في إدارة مدينة نيويورك: “المؤسسة السياسية تتشبث بشكل انتحاري بنمط من السلطة لم تعد تملكه أصلًا. لقد اتخذنا خيارًا بعدم التطور، وإذا لم نتطور، سنقود حزبنا – وربما ديمقراطيتنا كلها – إلى حافة الفناء.”

وتُظهر البيانات الأولية أن حملة ممداني، التي كانت مدفوعة بشبابها، استطاعت أن تنسج تحالفًا متعدد الأعراق، نجحت من خلاله في إعادة إشعال حماس الناخبين في الأحياء الخمسة للمدينة، لا سيما في المناطق ذات الأغلبية الآسيوية واللاتينية. وقد حقق فوزًا كاسحًا في ريدج وود بكوينز (بنسبة 80%)، وكذلك في بوشويك القريبة في بروكلين (79%)، وهما من الأحياء التي تتعرض للتمدين السريع، والتي يتركز فيها جمهوره الشباب. حتى سكان الحي المالي – قلب الرأسمالية الأمريكية – منحوا أصواتهم للاشتراكي الديمقراطي.

في مداخلة لها داخل أحد مراكز الأبحاث في واشنطن يوم الخميس، قالت السيناتورة الديمقراطية إليسا سلوتكين، وهي شخصية معتدلة نسبيًا تمثل ولاية ميشيغان وتُعتبر من النجوم الصاعدة داخل الحزب، إن رسالة الناخبين في نيويورك كانت واضحة: “الناس، تمامًا كما في نوفمبر الماضي، ما زالوا منشغلين بتكاليف المعيشة، والاقتصاد، ومعادلات ميزانية بيوتهم اليومية – وهم يطالبون بجيل جديد من القيادة.” وعن حملة ممداني، أضافت: “رغم أننا قد نختلف حول بعض القضايا الجوهرية، إلا أن إدراك أن الناس قلقون بشأن مصاريف أسرهم – هو أمر يوحد ائتلافنا.”

لكن في الوقت ذاته، تعالت أصوات داخل الحزب تحذر من أن سياسات ممداني الاقتصادية الشعبوية ومواقفه المؤيدة لفلسطين تضعه خارج ما يُعتبر مقبولًا بالنسبة لمعايير الناخب المتأرجح في قراره. وقالت كيت ديغرويتر، مديرة الاتصالات في مركز الأبحاث الديمقراطي الوسطي “ثِرد واي”: “ما قد ينجح في بروكلين ليس بالضرورة طريق الفوز في الولايات المتأرجحة، ويجب أن نكون واضحين تمامًا بشأن ذلك.”

الموقف الذي سيتخذه جناح المؤسسة في الحزب تجاه ممداني مع اقتراب الانتخابات العامة في نوفمبر قد يعكس إلى أين يتجه الحزب الديمقراطي مستقبلًا.

تشير استطلاعات الرأي ومجموعات التركيز إلى أن الناخبين يعتبرون الديمقراطيين منفصلين عن واقعهم ونخبويين. وفي عام 2024، رأى كثيرون أن كامالا هاريس بدت مصطنعة في حملتها الرئاسية، خاصة إذا قورنت بأسلوب ترامب العفوي والصادم.

تقول ديبي ساسلو، المؤسسة المشاركة لشركة “Melted Solids” في بروكلين، التي أخرجت بعض الفيديوهات الشهيرة لحملة ممداني: “عليك أن تترك المرشح يكون على طبيعته”، مضيفة أن عملهم كان يهدف إلى إبراز أصالة ممداني.

خلال حملته، تحدث ممداني عن ” الارتفاع الحاد في أسعار الوجبات الحلال في شوارع نيويورك” أمام عربات الطعام، وصوّر مقاطع للحملة بالإنجليزية والإسبانية، وفي أخرى شرح نظام التصويت التفضيلي بالهندية والأردية، وقارن كومو بشخصية شريرة من أفلام بوليوود. تقول ساسلو: “ممداني تحدث بلغة كل سكان نيويورك، لأن الناس لا يريدون أن يُخاطَبوا بلغة متكلفة.” وأضافت: “الميمات (الصور الساخرة) لا تخاطب إلا من هم غارقون في الإنترنت، أما نحن فحرصنا على الخروج في أرجاء نيويورك والتحدث مع المئات حول القضايا الحقيقية.”

في المقابل، أنفقت حملة هاريس في 2024 نحو مليار دولار، لكن كثيرًا من الديمقراطيين اليوم يعتقدون أن استراتيجية إعلامية مفرطة في الحذر كلّفتها كثيرًا.

أما ممداني – الذي سبق أن حاول دخول عالم موسيقى الراب باسم Mr. Cardamom – فلم يتردد في الظهور على أي منصة إعلامية يُدعى إليها، من برامج تيك توك الشعبية مثل “Subway Takes” و”Gaydar”، إلى المنصات التلفزيونية الكلاسيكية مثل “The Late Show with Stephen Colbert” والمواقع المحافظة المناهضة لترامب مثل “The Bulwark”.

تقول أميليا مونتوث، المديرة التنفيذية لشركة “Mutuals Media” ومنتجة برنامج “Gaydar”: “كنت مندهشة من أنهم وافقوا مباشرة على الظهور في البرنامج دون محاولة تغيير أي شيء فيه أو فرض رقابة عليه.”

وقد أثبتت استراتيجية “الظهور في كل مكان” فعاليتها، خاصة عندما تعلق الأمر بالأسئلة والانتقادات التي وُجهت لممداني بشأن مواقفه من إسرائيل، وهو موضوع ظل لعقود يُعد عاملًا حاسمًا في انتخاب أي سياسي في نيويورك. فقد حاول كل من كومو والمحافظين تصوير خطاب ممداني، بما في ذلك استخدامه لعبارة “عولمة الانتفاضة”، على أنه معادٍ للسامية.

ومع ذلك، فإن هذه المواقف المؤيدة لفلسطين لم تمنعه من تحقيق فوز حاسم، بل لم تكن محورًا مركزيًا في حملته الانتخابية. فقد ركزت الحملة على قضايا المعيشة، مثل تجميد الإيجارات، والنقل المجاني، ورعاية الأطفال الشاملة.

رغم ذلك، تسبب فوز ممداني في صدمة داخل المؤسسة الديمقراطية، وسط مخاوف من أن تؤدي سياساته إلى نفور الناخبين الذين يحتاجهم الحزب لاستعادة السيطرة في 2026 و2028.

ومع استمرار فرز الأصوات، بدأ قادة الأعمال وبعض كبار المتبرعين الديمقراطيين في مناقشة ما إذا كان عليهم دعم حملة مستقلة بقيادة كومو، أو الالتفاف خلف العمدة الحالي غير المحبوب، إريك آدامز، الذي يخوض الانتخابات أيضًا كمرشح مستقل.

ليس سميث، وهي استراتيجية ديمقراطية مخضرمة عملت سابقًا مع أندرو كومو لكنها باتت الآن من أبرز منتقديه، إن كثيرًا من كبار الديمقراطيين الذين أصيبوا بالهلع من فوز ممداني ليس لديهم أحد يلومونه سوى أنفسهم.

وأضافت، في تعليق على منصة  X(تويتر سابقًا)، مشيرة إلى ترشيح الحزب لكومو الذي استقال من منصب الحاكم قبل أربع سنوات بعد اتهامات متعددة بالتحرش الجنسي: “نظروا حولهم في مدينة يزيد عدد سكانها عن 8 ملايين نسمة، ثم قالوا: ‘تعرفون ماذا؟ دعونا نرشّح الرجل الذي أُجبر على مغادرة منصبه قبل 4 سنوات'”.

وقد سارع ممداني إلى التحول نحو الاستعداد للانتخابات العامة، ساعيًا إلى البناء على الزخم الكبير الذي اكتسبه خلال الانتخابات التمهيدية. لكنه يواجه مسارًا غير تقليدي نحو قاعة البلدية، في مدينة يفوق فيها عدد الديمقراطيين عدد الجمهوريين بستة أضعاف. فقد يجتمع الوسطيون حول كومو أو آدامز، خاصة بعد إسقاط تهم الفساد عن الأخير من قبل إدارة ترامب، كما تعهّد رجال أعمال أثرياء مثل بيل أكمان بتوفير التمويل الكامل لأي منافس وسطي قوي.

من جهة أخرى، بدأ اليمين حملة مضادة مبكرًا ضد ممداني، في محاولة لوضعه كوجه جديد للحزب الديمقراطي، مع تصاعد خطاب الكراهية والإسلاموفوبيا. وقد وصفه ترامب بعبارات مسيئة، قائلًا إنه “شيوعي مجنون بنسبة 100%”، وإن مظهره “فظيع”، وصوته “مزعج”، وإنه “ليس ذكيًا جدًا”.

رسالة متضاربة من الديمقراطيين

كما حدث في عام 2018 عندما أطاحت ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز بأحد كبار أعضاء مجلس النواب، فقد اهتزت أوساط الحزب الديموقراطي بفعل زلزال ممداني السياسي. وكانت أوكاسيو-كورتيز، ابنة حي كوينز أيضًا، من أبرز داعمي ممداني، إلى جانب السيناتور بيرني ساندرز.

لكن ردود الفعل من الديمقراطيين في نيويورك وعلى المستوى الوطني كانت متباينة، فبينما يحتفي التقدميون بفوزه، يشعر كثير من الوسطيين بالقلق إزاء صعود اشتراكي ديمقراطي دعا سابقًا إلى خفض تمويل الشرطة ويُجاهر بدعمه لفلسطين.

وقد أيد النائب جيري نادلر، أحد أبرز القادة اليهود في نيويورك، ممداني بعد أن كان يدعم مرشحًا آخر، أما السيناتور تشاك شومر والنائب حكيم جيفريز – وهما من كبار قادة الديمقراطيين في مجلسي الشيوخ والنواب – فقد اكتفيا بتهنئته دون إعلان تأييد رسمي، في حين التزم آخرون الصمت أو اختاروا الابتعاد.

وقالت النائبة الديمقراطية لورا جيلين، التي فازت بمقعد في لونغ آيلاند العام الماضي، إن ممداني “الخيار الأسوأ الممكن لمدينة نيويورك”، كما عبّر النائب الديمقراطي توم سوزي عن “قلقه الشديد” من ممداني، مؤكدًا أن تلك المخاوف “لا تزال قائمة”.

وأثار هذا التباين في المواقف غضب التقدميين، فقد قال الناشط ديفيد هوغ من فلوريدا، الذي استقال مؤخرًا من منصبه بالحزب بعد خلاف مع القيادة بسبب دعمه لمرشحين من خارج المؤسسة: “قولوا لهم ما يحبون أن يردّدوه علينا: صوّتوا للديمقراطي أيًّا كان.”

بدوره، دعا أميت سينغ باجا قادة الحزب إلى احتضان المواهب الشابة مثل ممداني – أولئك الذين ينجحون في الوصول إلى الناخبين الشباب والطبقة العاملة الذين هجروا الحزب العام الماضي. وقال: “علينا أن نتوقف عن التهام أنفسنا سياسيًا، لأنه إن لم نفعل، فسوف يلتهمنا اليمين التسلّطي الذي يقوده ماغا.”

ووسط هذا الزخم، استلهمت موجة من الديمقراطيين الشباب الشجاعة لخوض الانتخابات، معتبرين أن تجربة ممداني دليل على أن الحملات المعتمدة على تيك توك، وزيارات الأحياء، والتركيز على القضايا اليومية قادرة على زعزعة أقوى الآلات السياسية.

في أريزونا الجنوبية، تخوض ديجا فوكس (25 عامًا) انتخابات خاصة لشغل مقعد ظل بيد النائب راؤول جريهالفا طوال حياتها تقريبًا، قبل أن يتوفى في مارس الماضي. فوكس، وهي ناشطة في مجال حقوق الإنجاب ومستشارة رقمية، تأمل أن تستثمر روح التغيير التي فجّرتها حملة ممداني.

تخوض فوكس السباق ضد منافسين أقوياء بينهم ابنة جريهالفا، لكنها تراهن على تجربتها الشخصية – فهي ابنة لأم وحيدة عانت من الإدمان، وكانت طالبة تعتمد على دعم الغذاء العام، وتعمل منذ مراهقتها من أجل قضايا العدالة. وتقول: “نحن بحاجة إلى أن نكون واضحين بشأن من نرسلهم إلى مواقع السلطة. لا يكفي أن نملأ الاستمارات ونضع علامات صح. نحن بحاجة إلى قادة حقيقيين.”