لم يكن إعدام الصحفي السعودي تركي الجاسر في 15 يونيو/حزيران 2025 مجرد تنفيذ لحكم بالإعدام، بل كان إعدامًا رسميًا للحقيقة، ولما تبقى من أي ادعاء بالإصلاح في عهد محمد بن سلمان. تغريدة نشرها الجاسر عام 2014 كشفت كل شيء مبكرًا: “الكاتب العربي يمكن أن يُقتل بسهولة من قِبل حكومته بذريعة الأمن القومي.” بعد أحد عشر عامًا من تلك الكلمات، تم ذبحه فعليًا تحت نفس الذريعة.

تركي الجاسر، الصحفي الأربعيني الذي غيب في سجون بن سلمان لأكثر من سبع سنوات مليئة بالانتهاكات والتعذيب، أُعدم في سرية تامة، وعلى الأرجح قُطعت رأسه حيث أن هذه الطريقة التي يتم بها تنفيذ الإعدام في السعودية، والتهم كانت جاهزة: الخيانة العظمى، والتواصل مع جهات أجنبية، والتآمر ضد أمن المملكة. لكن كل ما فعله هذا الصحفي هو التغريد — باسمه أحيانًا وباسم مستعار أحيانًا أخرى — عن قضايا تمسّ الشعب، من الفساد إلى قمع الحريات. كان يدير مدونة إخبارية بعنوان “المشهد السعودي”، ويتحدث عن فلسطين وحقوق النساء والعدالة، لكنه كان أيضًا وراء حساب ساخر على تويتر فضح فساد العائلة الحاكمة، فصار هدفًا مباشرًا لآلة القمع.

اعتقال الجاسر في 2018 حدث بعد اختراق النظام السعودي لشركة تويتر، عبر عملاء جندتهم المملكة من داخل الشركة نفسها، ونجحوا في تسريب بيانات أصحاب الحسابات المجهولة، وكان هو بينهم، إذ كان يدير حساب “كشكول”. وزارة العدل الأمريكية أكدت حينها تورط موظفين اثنين من تويتر وسعودي ثالث فرّ إلى المملكة، من بين المتورطين في هذه الجريمة أحمد أبو عمو — أُدين بالتجسس، وتلقى المال مقابل تسليم بيانات المعارضين.

هذا الاختراق لم يكن مجرد حادث إلكتروني، بل عملية ممنهجة أدّت إلى اعتقال عدد من الناشطين، منهم عبد الرحمن السدحان، الذي عُذّب بشراسة بعد الكشف عن هويته بسبب تغريداته الساخرة. “كسروا يده، وسحقوا أصابعه، وقالوا له: هذه اليد التي كنت تغرد بها.” هكذا وصفت شقيقته ما جرى.

تقرير منظمة مراسلون بلا حدود أكد أن الجاسر هو أول صحفي يُنفذ فيه حكم الإعدام رسميًا في عهد ابن سلمان، ليُضاف إلى سجل ولي العهد الملطخ بدماء الصحفيين، بعد اغتيال جمال خاشقجي عام 2018، الذي أُعدم بوحشية في قنصلية بلاده في إسطنبول. جريمة خاشقجي وُصفت أمميًا بأنها جريمة قتل خارج نطاق القانون، بينما تقرير استخباراتي أمريكي أكّد أن محمد بن سلمان هو من وافق على تنفيذها.

ومع ذلك، ظل الجاسر، وغيره من المعتقلين، خارج دائرة الاهتمام الدولي. وحتى بعد إعدامه، التزمت الخارجية الأمريكية الصمت، وكأن الجريمة لا تستحق حتى بيان إدانة.

المفارقة أن ابن سلمان نفسه، حين سُئل العام الماضي عن حكم بالإعدام ضد ناشط آخر بسبب منشورات على تويتر ويوتيوب، اعترف أن “القوانين سيئة”، وأنه يحاول تغييرها. لكن القوانين لم تتغير، بل تم توظيفها لشرعنة القتل. خبراء قانونيون أشاروا بوضوح إلى أن ولي العهد نفسه هو من يملك صلاحية توقيع أو إلغاء أحكام الإعدام. وبما أن الجاسر أُعدم، فإن التوقيع جاء من القصر، لا من المحكمة.

سارة ليا ويتسون، المديرة التنفيذية لمنظمة DAWN، قالتها بلا مواربة: “محمد بن سلمان طاغية صغير حاقد يقتل من ينتقده. لقد سخّر القضاء السعودي ليكون سيفًا بيده يقطع به رؤوس المعارضين تحت قوانين مكافحة الإرهاب الزائفة. الغرب يزعم أنه أصبح رجل دولة محترمًا، لكن الحقيقة أنه ديكتاتور مريض بلا أي حواجز داخلية.”

قضية تركي الجاسر لم تكن مجرد مأساة فردية، بل دليل إضافي على كيف تحوّل القضاء إلى أداة للقتل، وكيف تحولت وسائل التواصل إلى مصيدة. السعودية ليست دولة قانون، بل دولة سيف، ومَن يغرّد يُقتل، ومَن يعبّر يُسجن، ومَن يصمت… ينتظر دوره.