في مشهد بات متكرراً ويعكس انحداراً أخلاقياً متزايداً في سلوك الاحتلال الإسرائيلي، اتهمت السلطة الفلسطينية جيش الاحتلال بارتكاب جرائم سرقة منظمة لمنازل المواطنين في محافظة طولكرم شمالي الضفة الغربية المحتلة، وسط استمرار لحملات المداهمة والاعتقال التي طالت عشرات الفلسطينيين في الساعات الماضية. 

لكن المثير للدهشة والغضب هو الصمت الرسمي والتخاذل الذي تمارسه قيادة السلطة، ممثلة في الرئيس محمود عباس، في وجه هذه الانتهاكات، مما يطرح تساؤلات ملحة عن جدوى بقائها ودورها في هذا الظرف التاريخي الحرج.

السطو على المنازل.. سرقة بزي عسكري

اتهم محافظ طولكرم، عبد الله كميل، قوات الاحتلال الإسرائيلي بسرقة أموال ومقتنيات ثمينة من منازل المواطنين خلال عمليات الاقتحام الليلية، واصفاً ما يجري بأنه “انحدار خطير في ممارسات الاحتلال، تجاوز القتل والاعتقال إلى السطو والنهب العلني”.

وأضاف كميل في بيان رسمي أن “هذه الانتهاكات لم تعد تقتصر على التدمير أو التخريب، بل باتت تشمل سرقات منظمة وإذلالاً متعمداً، في خرق واضح للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني”.

وتثير هذه السرقات تساؤلات حول تعليمات تصدر من المستويات العسكرية الإسرائيلية، أو على الأقل تجاهل متعمد للجرائم الفردية التي يرتكبها الجنود، حيث تتكرر الشهادات الفلسطينية حول نهب الذهب والمجوهرات والنقود من المنازل المستهدفة.

ومع أن المجتمع الدولي يغض الطرف عن مثل هذه الانتهاكات، إلا أن توثيقها المستمر يشكل مادة دامغة في ملفات المحاكم الدولية التي تحقق في جرائم الحرب والاحتلال. ويبقى السؤال: من يحاسب الجنود الذين ينهبون البيوت؟ ومن يوقف آلة الإذلال المتعمد التي يديرها الاحتلال يومياً بحق المدنيين الفلسطينيين؟

حملة مداهمات واعتقالات.. الانتقام بلا توقف

ترافقت عمليات السطو مع حملة اعتقالات غير مسبوقة، شملت ما لا يقل عن 38 فلسطينياً خلال 24 ساعة، بينهم أطفال وأسرى محررون، في مختلف مدن وبلدات الضفة الغربية والقدس.

ففي محافظة رام الله والبيرة، اعتقلت قوات الاحتلال 16 مواطناً من قرى المزرعة الغربية وأبو شخيدم وبرقا، ضمن اقتحام واسع النطاق، ترافق مع تخريب المنازل واستفزاز السكان.

أما في بيت لحم، فداهمت قوات الاحتلال قرية حوسان، واعتقلت 12 مواطناً بعد احتجاز العشرات والتحقيق معهم ميدانياً، فيما اعتقلت 4 آخرين من بلدة الزاوية في سلفيت، و3 من مدن الخليل، وطفلين من بلدة عناتا في القدس المحتلة.

وفي مدينة نابلس، اقتحم الجنود حي رفيديا وبلدة بيت إيبا، وفتشوا المنازل بشكل وحشي. وذكرت مصادر محلية أن الجنود عبثوا بمحتويات المنازل وأتلفوا الأثاث، في استعراض واضح للقوة، يستهدف إخضاع السكان وإرهابهم.

وتأتي هذه الهجمة في ظل تصعيد خطير تشهده الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر 2023، بالتوازي مع الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، حيث ارتفعت حصيلة شهداء الضفة إلى ما لا يقل عن 981 شهيداً، بينما تجاوز عدد المعتقلين 17,500، في واحدة من أعنف موجات القمع منذ احتلال 1967.

محمود عباس.. غياب كامل في لحظة المواجهة

ورغم تصاعد الاعتداءات اليومية على المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، يُسجَّل غياب شبه تام للرئيس محمود عباس وسلطته، التي يفترض بها أن تكون المدافع الأول عن كرامة وحقوق الشعب الفلسطيني.

فبينما تُنهب منازل الفلسطينيين وتُكسر أبوابها، وتُعتقل نساؤهم ورجالهم وأطفالهم، تلتزم السلطة الصمت، وتستمر في التنسيق الأمني مع الاحتلال، في مشهد لا يليق بقيادة شعب يقاوم أحد أطول احتلالات التاريخ الحديث.

بل إن الشارع الفلسطيني يرى اليوم أن سلطة عباس تحولت من مظلة تمثل الفلسطينيين إلى عبء سياسي يخدم مصالح الاحتلال أكثر مما يخدم قضية التحرر الوطني.

ومع غياب أي فعل سياسي أو تحرك دبلوماسي جاد، يتحول سلوك السلطة إلى صورة أخرى من صور الخيانة الوطنية، وهو ما يفسر الغضب الشعبي المتزايد ضدها، والدعوات المتكررة لإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جديدة تنبثق من قلب المقاومة لا من هامش التفاوض العقيم.

خاتمة: سرقة الحلم الفلسطيني واستباحة الكرامة

إن ما يجري في طولكرم والضفة الغربية ليس مجرد حملة عسكرية عابرة، بل هو انعكاس لسياسة إسرائيلية متعمدة تسعى لإخماد روح المقاومة بالنهب والإذلال والترويع، بينما تجد في التنسيق الأمني مع سلطة رام الله غطاءً لجرائمها.

والأخطر من ذلك أن الاحتلال لا يواجه أي ضغط دولي جاد، ولا أي مقاومة سياسية منظمة من قبل القيادة الفلسطينية الرسمية، ما يترك المواطن الفلسطيني وحيداً في مواجهة آلة القمع والسرقة والاستعمار.

في ظل هذا الواقع، فإن استمرار السكوت عن تلك الانتهاكات، سواء من القيادة أو من المجتمع الدولي، لا يعني سوى التواطؤ في الجريمة. وإنّ الشعب الفلسطيني الذي صمد لعقود، لن يقبل بأن يُستباح بيته وتُسرق كرامته وتُغلق الأبواب عليه وهو صامت.

المعادلة تتغير، والصبر ينفد، وتخاذل السلطة لن يغفره التاريخ.

اقرأ أيضًا : الاحتلال يقصف خيام النازحين في خان يونس ويقتل منتظري المساعدات.. وصمت عربي مطبق