في تطور جديد يُنذر بتفاقم التوتر بين باريس وطهران، هدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باتخاذ “إجراءات انتقامية” في حال استمرت إيران في اتهام مواطنَين فرنسيين بالتجسس لصالح جهاز “الموساد” الإسرائيلي، واصفًا الأمر بأنه “استفزاز عدواني وغير مقبول” يمس سيادة فرنسا ويهدد أمن مواطنيها.

هذا التهديد العلني من قصر الإليزيه ليس مجرد رد فعل على احتجاز رعايا فرنسيين، بل يعكس أزمة سياسية وأمنية عميقة بين بلدين يتبادلان الاتهامات في ملفات حساسة تتجاوز قضية التجسس، لتشمل البرنامج النووي الإيراني، وضربات إسرائيلية، وتحركات استخباراتية إقليمية.

اتهامات بـ”الإفساد في الأرض” و”التجسس للموساد”

وفق تسريبات دبلوماسية نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية، وجهت السلطات الإيرانية للفرنسيَين سيسيل كولر (40 عامًا) وجاك باريس (72 عامًا) ثلاث تهم بالغة الخطورة:

  1. التجسس لصالح الموساد

     

  2. التآمر لقلب نظام الحكم

     

  3. الإفساد في الأرض (وهي تهمة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام)

هذه الاتهامات، التي لم تؤكدها طهران رسميًا بعد، تجاوزت سابقًا الغموض المتعمد الذي كانت إيران تلتزم به بشأن جهة التجسس، لتضع إسرائيل مباشرة في واجهة الاتهام، ومن خلفها فرنسا في موضع الاتهام غير المعلن.

باريس من جانبها تعتبر التهم بلا أساس قانوني، وتصف احتجاز مواطنيها منذ مايو 2022 بأنه ورقة ضغط سياسية تُستخدم في مفاوضات الظل، خاصة في ظل التصعيد الإقليمي الحالي.

 رسائل متعددة.. وسجال سياسي مفتوح

تهديد ماكرون العلني يحمل عدة رسائل:

  • أولاً: تحذير واضح لطهران من تجاوز “الخطوط الحمراء” الدبلوماسية، خاصة بعد مقتل العشرات في قصف إسرائيلي طال سجن إيفين الذي كان يُحتجز فيه الفرنسيان، وهو ما ترى فيه باريس تهديدًا مباشرًا لحياة مواطنيها.

  • ثانيًا: تأكيد أن فرنسا لن تقبل بتحويل مواطنيها إلى رهائن سياسية في صراعات إقليمية، وأن الرد قد يشمل إجراءات قانونية ودبلوماسية وحتى اقتصادية.

  • ثالثًا: دعوة مبطنة لحلفاء فرنسا الأوروبيين للضغط على إيران، خاصة أن العلاقات بين طهران والعواصم الأوروبية تمر بمرحلة شديدة الحساسية منذ استهداف مواقع إيرانية في الداخل.

رهائن سياسيون أم جواسيس حقيقيون؟ خلفيات الصراع الخفي

رغم ما تعلنه إيران من اتهامات، فإن سجلّها في استخدام الأجانب كورقة تفاوض ليس جديدًا. فقد سبق أن احتجزت رعايا من ألمانيا، بريطانيا، السويد، وأمريكا، في سياقات مشابهة، ثم أفرجت عنهم لاحقًا ضمن صفقات تبادل سجناء أو تخفيف عقوبات.

وفي ظل غياب أدلة معلنة، ترى باريس وحلفاؤها أن الفرنسيين المحتجزين هم “رهائن سياسيون”، لا جواسيس، وتؤكد أن استمرار احتجازهم يمس بمبادئ القانون الدولي، ويخالف الاتفاقيات الدبلوماسية المتعلقة بالحماية القنصلية، وهي النقطة التي دفعت فرنسا لرفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية في مايو الماضي.

 قنبلة دبلوماسية موقوتة.. هل تتفجّر قريبًا؟

توقيف الفرنسيَين، والتصعيد الإعلامي الأخير، يضع العلاقات الإيرانية–الفرنسية أمام منعطف خطير:

  • فباريس، التي تواجه تحديات داخلية واقتصادية، لا ترغب بالتصعيد، لكنها أيضًا ترفض الصمت أمام ما تعتبره احتجازًا تعسفيًا.

  • أما طهران، فهي في لحظة سياسية دقيقة، وتتعامل مع موجة ضغط غربي غير مسبوق، وتُراهن على التصعيد المدروس كورقة مقاومة في وجه العقوبات والعزلة.

اقرأ أيضا:  مهندس الصفقات القذرة: كيف غطّى منصور بن زايد حروب الإمارات بالاستثمار الرياضي؟