عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة الأحد لمناقشة تداعيات الضربات الأميركية المفاجئة على المنشآت النووية الإيرانية، وسط سجال عنيف بين القوى الكبرى داخل المجلس. المشهد أعاد إلى الأذهان خطاب كولن باول الشهير عام 2003 قبيل غزو العراق، لكن هذه المرة بنسخة جديدة تُهدد بإشعال نزاع إقليمي شامل في الشرق الأوسط.
بينما تدفع روسيا والصين وباكستان نحو قرار بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، تصر واشنطن على الدفاع عن “حقها في الردع الاستباقي”، وتتبادل الأطراف الاتهامات بتدمير آخر ما تبقى من القنوات الدبلوماسية.
الضربات الأميركية تشعل الجلسة: “تحول خطير” ومطالب بوقف النار
في بداية الجلسة، وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش القصف الأميركي بأنه “تحول خطير في مسار الأزمة”، محذرًا من أن استمرار التصعيد قد يؤدي إلى تداعيات غير قابلة للاحتواء. ودعا غوتيريش إلى “تحرك فوري وحاسم” لإيقاف القتال واستئناف المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني.
روسيا والصين، ومعهما باكستان، تقدمت بمشروع قرار إلى مجلس الأمن يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في الشرق الأوسط، مشددين على أن القوة لن تُحقق الاستقرار. وأكد المندوب الصيني فو كونغ أن “الوسائل الدبلوماسية لم تُستنفد بعد، ولا يزال هناك أمل في حل سلمي”.
إلا أن المندوبة الأميركية بالوكالة دوروثي شيا ردت بعنف، معتبرة أن ما قامت به واشنطن هو “رد مشروع لردع طموحات إيران النووية”. ووجهت دعوة للمجلس للضغط على طهران كي توقف ما وصفته بـ”السعي لمحو إسرائيل”، مشيرة إلى أن أي رد إيراني مباشر أو غير مباشر على القوات الأميركية سيقابل بـ”رد مدمر”.
إيران: “العدوان الأميركي دمر الدبلوماسية وأمّن غطاء لنتنياهو”
كانت إيران قد طلبت عقد الاجتماع، حيث استغل مندوبها لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني الجلسة لشن هجوم دبلوماسي مضاد على الولايات المتحدة وإسرائيل. واتهم إيرواني البلدين بـ”تدمير مسار الدبلوماسية”، مشيرًا إلى أن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) “تحولت إلى أداة سياسية تُستعمل للاعتداءات”.
ولم يتردد المندوب الإيراني في توجيه اتهام مباشر إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، معتبرًا أنه “مجرم حرب جرّ واشنطن مجددًا إلى مغامرة عسكرية باهظة التكاليف”، وأن الإدارة الأميركية “اختارت التضحية بأمنها لخدمة طموحات نتنياهو الشخصية”.
وأكد إيرواني أن إيران “ستحدد توقيت وطبيعة الرد المناسب”، محذرًا من أن عدم تحرك مجلس الأمن لإدانة العدوان “سيعني تواطؤه المباشر”.
عودة شبح العراق: روسيا تذكّر بباول وتصف المزاعم الأميركية بـ”الخيالية”
من جانبه، هاجم المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا السياسة الأميركية بشدة، مذكّرًا العالم بمداخلة وزير الخارجية الأسبق كولن باول التي مهدت لغزو العراق عام 2003. وقال نيبينزيا: “مرة أخرى يُطلب منا تصديق القصص الخيالية الأميركية… هذا دليل على أن واشنطن لم تتعلم شيئًا من دروس التاريخ”.
واتهم نيبينزيا الولايات المتحدة بـ”تدمير الاستقرار في الشرق الأوسط عبر عدوان غير مبرر”، وطالب مجلس الأمن باتخاذ موقف حاسم ضد ما وصفه بـ”خرق فاضح للقانون الدولي”.
انقسام داخل المجلس وتعقيد تمرير القرار
رغم المقترح الروسي-الصيني-الباكستاني، لا يبدو أن مشروع القرار سيمر بسهولة. إذ يحتاج أي قرار إلى موافقة 9 أعضاء على الأقل دون استخدام الفيتو من قبل الدول الخمس دائمة العضوية. وتشير مصادر دبلوماسية -وفق ما نقلته وكالة رويترز– إلى أن الولايات المتحدة تعارض المشروع بشدة، خاصة أنه يدين الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية دون أن يذكر واشنطن أو تل أبيب صراحة.
ومن المتوقع أن تقدم الدول الأعضاء ملاحظاتها على مسودة القرار بحلول مساء الإثنين، وسط انقسام واضح بين جبهة غربية تؤيد حق إسرائيل والولايات المتحدة في “الدفاع الوقائي”، وجبهة شرقية تدعو للتهدئة ورفض عسكرة الملف النووي الإيراني.
رسائل متبادلة: مناورات إعلامية أم تمهيد لتصعيد أكبر؟
الجلسة، وإن كانت مسرحًا للسجال الدبلوماسي، كشفت حجم الغليان الدولي بعد الضربات الأميركية. تصريحات ترامب التي تباهى فيها بـ”تدمير منشآت فوردو ونطنز وأصفهان” لم تمر دون ردود نارية من طهران التي توعدت بـ”الرد في الوقت والمكان المناسبين”.
وفي المقابل، رحب المندوب الإسرائيلي داني دانون بالضربة الأميركية، معتبرًا أنها “وضعت حداً للابتزاز الإيراني باسم المفاوضات”. وزعم أن طهران “استغلت الحوار النووي لشراء الوقت وتطوير ترسانتها”.
خاتمة: مجلس الأمن أمام اختبار وجودي
تكشف جلسة مجلس الأمن الأخيرة عن أزمة حقيقية في النظام الدولي، حيث باتت شرعية استخدام القوة محل جدل، والمواقف منقسمة بشكل حاد بين شرق وغرب. السؤال المطروح الآن: هل يستطيع مجلس الأمن إنتاج موقف موحد في ظل عودة سياسات المحاور؟
أمام هذا المشهد، تبدو فرص التهدئة مرتبطة أكثر بقرار إيراني بعدم التصعيد الفوري، في انتظار ما إذا كانت العواصم الكبرى قادرة على إعادة الدبلوماسية إلى الواجهة، أو أن العالم على أعتاب نزاع إقليمي سيقلب موازين القوة في الشرق الأوسط لسنوات قادمة.
اقرأ أيضًا : الاحتلال يهدم عشرات المباني بجنين والمستوطنون يصعّدون بالخليل.. وأبو مازن يواصل الصمت
اضف تعليقا