العدسة – منصور عطية

ربما لم تصل مصر في قطار التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى المحطة التي وصلت لها الآن منذ التوقيع على اتفاقية السلام “كامب ديفيد” عام 1978.

لكن، وعلى الرغم من هذا المستوى غير المسبوق من التعاون العسكري والأمني والسياسي إلا أن الحديث يتردد بين الحين والآخر عن التطبيع الثقافي والأكاديمي، الذي يعده كثيرون أقل المجالات التي تشهد تعاونا بين الطرفين حتى الآن.

حكاية المركز الأكاديمي

مؤخرا، صدر كتاب “غصن الزيتون، قصة المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة” يوثق من خلاله الباحث الإسرائيلي “شمعون شامير” تاريخ العلاقات الأكاديمية الإسرائيلية المصرية وشبكة العلاقات المتداخلة بين الطرفين منذ سبعينيات القرن الماضي.

حيث قضت بنود معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل بالتبادل الثقافي بين البلدين، وعلى هذا الأساس، أقيم المركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة عام 1982، واستثمرته تل أبيب جيداً، فجعلت منه قبلة ونقطة انطلاق لباحثيها في الشأن العربي والإسلامي سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا.

ووفق تقارير إعلامية، فقد أتاح المركز للباحثين الإسرائيليين فرصة القيام بزيارات ميدانية برعايته، والقدرة على البحث والتحري والدراسة وإجراء جولات حرة لجمع وتحليل المعلومات فيما يخص مصر والشرق الأوسط.

المركز مزود بمكتبة ضخمة تكتظ بأحدث الكتب والدراسات العبرية والعربية وأقامت فيه الندوات واللقاءات الطلابية بين مصريين وإسرائيليين من المتخصصين والمهتمين بثقافة السلام، فقاطعته الجامعات المصرية، واستفاد من بقائه الباحثون الإسرائيليون.

يدير المركز حاليًا البروفسور الإسرائيلي “جبرائيل روزنباوم” وزوجته ميشال، ويتلقى تمويله من الحكومة الإسرائيلية، ويعامل المدير وزوجته معاملة الدبلوماسيين ضمن فريق عمل السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وتتحفظ إدارة المركز الأكاديمي على ذكر مقدار الميزانية المخصصة لأنشطته وبرامجه بشكل واضح.

وعلى مدار نحو 36 عاما يفتقد المركز الإقبال المناسب من المصريين المختصين، فضلاً عن غيرهم، على حضور ندواته وأنشطته، وهو ما يطرح التساؤل حول جدوى وجوده رغم مقاطعته من جانب الجامعات ومعظم الأكاديميين المصريين، وإصرار إسرائيل على بقائه رغم ما يعتبره البعض فشلاً في القيام بالدور المنوط به.

رغبة إسرائيلية معلنة

هذا الواقع الذي يجسده المركز الأكاديمي انسحب على رغبة إسرائيلية معلنة في تطبيع العلاقات بالمجالات الثقافية والفنية.

السفير الإسرائيلي السابق في مصر “إسحاق ليفانون” قال إن العديد من الإسرائيليين يثنون على التعاون الوثيق القائم القاهرة وتل أبيب في المجالين الأمني والعسكري، لكنهم يطالبون بتطبيع العلاقات في المجالات الثقافية والاقتصادية.

وأضاف في مقابلة مع صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية ترجع لفبراير 2016، أن هذا التعاون ربما يكون أقوى تعاون عرفه الجانبان حتى اليوم، مشيرا إلى أن السبب في ذلك يعود إلى الوضع المتهالك والخطير في الشرق الأوسط، بما في ذلك محاربة الجماعات الجهادية في شبه جزيرة سيناء.

أما الوجه الثاني للعلاقات المصرية الإسرائيلية، فيتمثل في الجوانب الاقتصادية والثقافية حيث إنها “لم تتحسن” بالرغم من مضي خمس سنوات على الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك، وغياب الإخوان المسلمين عن ساحة المشهد السياسي في مصر، بحسب ليفانون.

ويرى السفير السابق أن هذه العلاقات لم تتحسن “بل ساءت” حتى إن اتفاقية الكويز الاقتصادية الثلاثية بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة لم تنجح في تطوير هذه العلاقات.

وخلص إلى القول إن الروابط الإستراتيجية القائمة بين مصر وإسرائيل جيدة في الفترة الحالية، لكنها غير كافية على ما يبدو لتقوية العلاقات في باقي الجوانب الاقتصادية والثقافية والفنية.

أما محرر الشؤون العربية بإذاعة الجيش الإسرائيلي “جاكي خوجي” فطالب السيسي برفع الحظر الثقافي عن إسرائيل.

و”خوجي” هو مؤلف كتاب “ألف ليلة” الذي ترجم ووزع في القاهرة مما أثار ضجة كبيرة في مصر حول مدى شرعية ترجمة كتب عبرية إلى اللغة العربية.

السيسي وخصوصية العلاقة

نقطة البداية الحقيقية في الحديث عن العلاقات بين الرئيس عبدالفتاح السيسي وإسرائيل تعود إلى يوليو 2013 عندما أطاح الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي، وتصدر بطل هذه الإطاحة المشهد، وأصبح لدى كثيرين بطلًا قوميًا، وصولًا إلى أقصى درجات التطبيع السياسي بلقاء معلن هو الأول من نوعه بين السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في سبتمبر الماضي، بعد تسريبات عدة عن لقاءات سرية على استحياء.

هذه النظرة ليست لدى القطاع المؤيد للسيسي داخل مصر فقط، بل في قلب دولة الاحتلال التي رأى أحد قادتها بعد شهرين من عزل مرسي، فيها أن السيسي “زعيم سوف يتذكره التاريخ”.

المدير السياسي والعسكري لوزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد قال في تصريحات صحفية إن السيسي، وزير الدفاع حينها، “زعيم جديد سوف يتذكره التاريخ”، وإنه “أنقذ مصر من السقوط في الهاوية”.

تقارير إعلامية، نقلت العديد من تعليقات الحاخامات اليهود في السيسي وقراراته وسياساته، وصلت إلى حد أن رأوه “معجزة”.

وبطبيعة الحال لم تكن تلك التصريحات من جانب واحد، بل بادله الجانب الآخر ذات التصريحات الودية، لعل أحدثها تلك التي شهدتها منصة الأمم المتحدة قبل يومين وأكد فيها حرصه “على أمن المواطن الإسرائيلي”.

وفي مايو 2016، ألقى السيسي خطابًا شهيرًا دعا فيه الفلسطينيين إلى الاستفادة من التجربة المصرية في إقامة السلام مع إسرائيل، الأمر الذي قابله الاحتلال بترحاب شديد وأبرزت عقبه الصحافة العبرية كمًا هائلًا من الود والعلاقة الحميمية المتبادلة بين السيسي ونتنياهو، منها ما كُشف بشأن المكالمة الهاتفية الأسبوعية بينهما.

تعاون أمني استخباراتي

التعاون الأمني والإستخباراتي بين البلدين، وصل لمستويات كبيرة، ففي آخر يناير الماضي، كشفت صحيفة “معاريف” العبرية أن إسرائيل تقدم دعمًا للجيش المصري في سيناء يتمثل في الصواريخ الاعتراضية والمعلومات الأمنية عن المسلحين هناك.

وفي فبراير قال وزير البنى التحتية والطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس إن السيسي غمر الأنفاق على حدود بلاده مع قطاع غزة بالمياه “بناءً على طلب من إسرائيل”، وأن “التنسيق الأمني بين إسرائيل ومصر أفضل من أي وقت مضى”.

تقرير حديث لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، تحدت عن “تفاصيل العلاقة الاستثنائية” بين مصر والاحتلال، في أعقاب إطاحة الجيش بمرسي.

مدير برنامج السياسة العربية بالمعهد، ديفيد شينكر، قال إن الدينامية بين مصر وإسرائيل تغيرت منذ ذلك التاريخ، حيث ساهم التعاون في سيناء إلى حد كبير في تحسين العلاقات بين البلدين.

الكاتب أكد أن مصر منحت إسرائيل تفويضًا مطلقًا لنشر طائرات بدون طيار فوق سيناء، وأذنت لها باستهداف المقاتلين وفق استنسابها، ولأسباب واضحة.

كما أن التعاون الإستخباراتي بشأن التهديدات القائمة في سيناء قوي أيضًا، حيث وصفه نائب رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، اللواء يائير جولان، في عام 2016 بأنه “غير مسبوق”.