ربى الطاهر

“الشكك ممنوع.. منعًا للإحراج”.. مَن منا ينسى تلك العبارة التي  قرأناها كثيرًا على أبواب محلات البقالة واللحوم والسلع الغذائية، وعند بائعي الخضروات والفاكهة؟!

والشكك هو الدفع بالآجِل على أن يوافق التاجر على بيع السلعة للزبون وتأجيل حصوله على كامل ثمنها أو جزء منه لحين توافُر المال لدى الزبائن الفقراء، أو الذين يعانون من ظروف اقتصادية صعبة تمنعهم من دفع ثمن مشترواتهم في الحال.

ومنذ عقود مضت، وخصوصًا في فترة الستينيات كان التجار يتعاملون بهذا النظام؛ نظرًا لضيق معيشة الناس، وقلة أموالهم، وما كانت تمرُّ به مصر في نهاية الستينيات من أزمات وحروب.

ومع تصاعد موجة الغلاء غير المسبوقة في تاريخ البلاد، وانحسار الإقبال من المستهلكين على الشراء، وبقاء السلع لدى التجار وتراكمها حتى كادت أن تفسد وتنتهي صلاحيتها- اضطرَّ التجار إلى العودة للتعامل بنظام الشكك، الذي يَكْرهونه، كبديلٍ أفضل من خسارتهم الكاملة في حال بوار السلع، وعدم بيعها لقلة المشترين والزبائن.

وشمل التعامل بالشكك تجار الفاكهة، والخضروات، واللحوم، والأسماك، وكل السلع الغذائية، ويؤكِّد التجار أنهم يكرهون الشكك، حيث يؤجِّل حصولهم على ثمن السلعة ويعطِّل شراءهم لسلع جديدة، إلا أنه البديل الأفضل من ركود السلع حتى لا تفسد. وأضافوا أنَّ عددًا من الزبائن لا يحترمون قواعد الشكك، ولا يدفعون ثمن السلعة ويماطلون في ذلك، مؤكدين أنهم حريصون على  التعامل بهذه الطريقة  مع الزيائن  الجادّين الذين يدفعون ثمن السلعة ولو بالآجل.

وبالنسبة لتجار الأسماك، فهم يتبعون نفس التعامل؛ فيقول أحدهم: إنَّ بعض الموظفين ومحدودي الدخل يتعاملون معي بشكل شهري، حيث يحصلون على كل احتياجاتهم الشهرية من السمك، ويقومون بالسداد في نهاية الشهر بعدما يتقاضون رواتبهم، مؤكدًا أنَّ هذا النظام أنسب بالنسبة له من فساد الأسماك وتعفُّنها مما يعرِّضه لخسائر يومية لا يمكنه تعويضها، ويضيف أنَّ عددًا كبيرًا من التجار الصغار أغلقوا محلاتهم، لقلة الزبائن وضعف الإقبال وفساد الأسماك لديهم، بل وعدم قدرتهم على سداد المديونيات المتأخرة عليهم لكبار التجار في سوق الجملة.

ونفس الحال يجري على تجار اللحوم التي تجاوز ثمنها 180 جنيهًا للكيلو، فقد عانى التجار من ضعف الإقبال، وقلة الشراء مما اضطرهم للبيع بنظام الشكك وبالتقسيط.

ويقول أحد صحاب محلات الجزارة: الكثير من الزبائن هم من أصحاب المعاشات والموظفين، ومع ارتفاع الأسعار انخفضت أعداد الزبائن بشكل واضح، وكذلك خفّض الكثيرون من استهلاكهم؛ فمن كان يشتري اللحمة مرتين في الأسبوع صار يشتري مرة واحدة كل أسبوع، ومن كان يشتري 2 كيلو لوجبة الغداء كأسرة كبيرة أصبح يكتفي بكيلو.. ولذلك أصبحنا نتعامل مع الزبائن بنظام الشكك والدفع بعد قبضهم للمعاش أو للراتب أو في حال توافر النقدية لديهم. ويضيف: إذا لم نفعل ذلك سنضطر لغلق محلاتنا في ظلّ حالة الكساد وقلة الشراء.

 

  تقسيط الأجهزة

وفي سياق متصل ومع ارتفاع أسعار الأجهزة الكهربائية، والذي فاق كلَّ الحدود، أصبح شراء ثلاجة أوغسالة أو أي جهاز كهربائي مشكلة كبيرة؛ فالثلاجة التي يصل ثمنها 7 آلاف جنيه أو أكثر، والتي كان ثمنها 1500 جنيه في الماضي يصعب على محدودي الدخل شراؤها ودفع ثمنها فوريًا..

إذن أصبح التعامل بالقسط مع الزبائن أمرًا طبيعيًا، وبدأت الأسر والشباب الراغب في الزواج وتأسيس منزل في البحث عن تلك المحلات التي تقبل التعامل بالتقسيط، كما أدَّى ارتفاع سعر الأدوات الكهربائية لتعطل الكثير من الزيجات وزيادة معدلات العنوسة، فالأجهزة الكهربائية اللازمة لتأسيس مسكن الزوجية والضرورية لأي بيت تحتاج لما يفوق العشرين ألف جنيه لشرائها، إلى جانب باقي النفقات والاحتياجات، وهو ما يضطر أصحاب المحلات للتعامل بالتقسيط مع أخذ الضمانات الكافية لضمان حصولهم على أموالهم من الزبائن عن طريق التعامل بالشيكات التي يُوقِّعها الزبون، أو أخذ كامل بياناته وصورة من بطاقته الشخصية لتسهيل الوصول إليه في حال امتناعه عن السداد.

وللأسف يتعرض الكثيرون للحبس بسبب عجزهم عن سداد الشيكات أو الأقساط في ظلّ جحيم الأسعار التي طالت كل شيء في مصر.

وجدير بالذكر أنَّ موجة الغلاء غير المسبوقة طالت كلَّ السلع الغذائية والاستهلاكية، وكل السلع المعمِّرة والأدوات الكهربائية، والتي تخطَّت نسبة الزيادة في أسعارها 50 %  كما يقول الخبراء. وقد انتهجت الحكومة سياسة رفع الأسعار ورفع الدعم عن البنزين والبوتاجاز والكهرباء والمواصلات والمترو وكل السلع بلا استثناء.

البنزين والبوتاجاز

وارتفع كذلك سعر أنبوبة البوتاجاز لتصل إلى 100 جنيه، لتكون نسبة ارتفاعها 100 %، وكذلك رفعت الحكومة أسعار شرائح استهلاك الغاز الطبيعي في المنازل.

وشهدت الكهرباء ارتفاعًا كبيرًا جدًا في أسعارها وفواتيرها منذ بداية عام 2014 ووصلت ذروة ارتفاعها هذا العام؛ حيث تنفذ الحكومة زيادة سنوية، وهو التوجُّه لرفع الدعم بالكامل عن الكهرباء بحلول عام 2022، ونفس الحال بالنسبة للمترو.

فتذكرة المترو التي كان يبلغ سعرها جنيهين بلغ سعرها الآن 7 جنيهات كاملة، مما يفوق قدرات المواطنين المادية.. ويظل السؤال الذي يدور بأذهان المصريين متى سينتهي جنون الغلاء، ومتى يتوقف ارتفاع الأسعار؟