العدسة – جلال إدريس

لم يعد خفيا على أحد أن الدب الروسي “فلاديمير بوتين” بات يتلاعب بـ”عبد الفتاح السيسي” بصورة تدعو للسخرية والجدل، وذلك فيما يتعلق باستئناف رحلات الطيران بين موسكو والقاهرة.

فمنذ كارثة تفجير طائرة “كوفاليم آفيا” الروسية فوق أجواء شبه جزيرة سيناء في نوفمبر 2015، وتتوقف حركة الطيران بين مصر وروسيا، وتفرض الأخيرة بين الحين والآخر شروطا صارمة لعودة حركة الطيران الروسي إلى مصر.

وبرغم خضوع مصر وتنفيذها كافة الاشتراطات الروسية، تتلاعب موسكو القاهرة عن طريق تأجيلات متكررة لاستئناف حركة الطيران، بعضها يكون مسببا والآخر بدون سبب،  لتكشف وكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك” أن مصر وافقت على وجود دائم لخبراء أمن روس في مطار القاهرة، لتأمين الرحلات المتوجهة من القاهرة إلى روسيا.

المصدر أكد أنه تم التوصل لاتفاق على تسليم شركة الأمن الروسية “شيريميتيفو” الروسية مهمة توفير أمن الرحلات الروسية في مطار القاهرة، من خلال تفتيش الركاب والحقائب والطعام، ومراقبة عمليات تزويد الطائرات بالوقود.

ورغم أن الاتفاقية تعد انتهاكا واضحا للسيادة المصرية وافقت حكومة السيسي في مصر، تحت ضغط الحاجة لعودة الطيران الروسي الذي بدوره سيعيد حركة السياحة المتوقفة منذ ثلاثة أعوام، الأمر الذي تسبب في خسائر واسعة وأضرار كبيرة للاقتصاد المصري.

لكن يبقى السؤال قائما، هل حقا ستعيد روسيا حركة الطيران بين القاهرة وموسكو بعد تلك الخطوة؟ أم أنها ستعلن عن تأجيل جديد لاستئناف حركة الطيران؟ وهل ستواصل روسيا ابتزازها لمصر من أجل عودة حركة الطيران؟ وما هي أبرز المحطات المتعلقة بحركة الطيران بين مصر ورسيا.

6 محطات من التأجيل

على مدار عامين ونصف تواصل روسيا تأجيل عودة حركة الطيران بين موسكو والقاهرة، رغم الوعود المتكررة بعودتها إلى طبيعتها ودفعت مصر الثمن غاليا مقابل تلك الوعود.

في ديسمبر 2016، كانت أول الوعود من روسيا بعودة حركة الطيران بين موسكو والقاهرة، إلا أنها سرعان ما عادت وأجلت بدء الرحلات، وقالت: إن استئناف الرحلات سيكون في بداية يناير 2017.

جاء الموعد المقرر لعودة حركة الطيران بين روسيا ومصر في يناير 2017، لكن روسيا لم تعد حركة الطيران بحجة أن إجراءات تأمين المطار ليست كافية، وقررت تأجيل استئناف حركة الطيران لموعد آخر.

وفي سبتمبر 2017، أعلن سوكولوف عن استئناف شركات الطيران الروسية لرحلاتها الجوية إلى مصر في غضون شهر، لكن العودة تم تأجيلها أيضا لأسباب مجهولة.

وفي يناير الماضي، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسومًا لاستئناف الرحلات الجوية المنتظمة بين موسكو والقاهرة، في شهر يناير 2018 أي بعد زيارته إلى مصر بشهر، وما يُقارب من العامين منذ المفاوضات بين البلدين في فبراير 2016.

وفي حين توصلت المباحثات إلى استئناف عودة الطيران المنتظم بين القاهرة وموسكو، ظل التفاوض حول استئناف «العارض» مؤجلًا، ولم تعد حركة الطيران.

وفي الأول من فبراير الماضي كان من المقرر أن تُستأنف الرحلات بين مصر وروسيا، قبل أن يتمّ تأجيلها مرة أخرى لمطلع أبريل المقبل.

وكان إيهاب نصر، السفير المصري لدى روسيا، قد أكد أن المحادثات حول استئناف رحلات «العارض» من روسيا إلى مطارات شرم الشيخ والغردقة سوف تبدأ في شهر أبريل المقبل، وذلك عقب وصول خبراء روس إلى مصر، بحسب جريدة  «اليوم السابع».

اشتراطات صارمة لعودة الطيران

ولأن القاهرة لا تطيق تحمل وقف حركة الملاحة الجوية بينها وبين موسكو أكثر من ذلك، فقد أنفقت مصر بالفعل خلال العامين الماضيين عشرات الملايين من الدولارات لتحسين الأداء الأمني في مطارات منذ سقوط الطائرة.

لكن وعلى ما يبدو أن “روسيا” لاتزال تشك بإجراءات الأمن تلك في مصر، فقامت بإرسال عدد من الوفود الأمنية لتقييم إجراءات تأمين المطارات المصرية، خلال الفترة الماضية، خاصة مطارات القاهرة وشرم الشيخ والغردقة.

وصاغت تلك الوفود عددًا من التقارير التي أشارت إلى ضعف إجراءات التأمين، كما أوصت بتطبيق عدد من الإجراءات،  الأمر الذي أرادت موسكو إلزام القاهرة به من خلال اتفاقية أمنية، غير أن تفاصيل تلك الاتفاقية لا تزال غير معلنة.

وبحسب تقارير إعلامية  فأن الملاحظات الروسية ركزّت على انعدام كفاءة إجراءات التأمين المتعلقة باﻷطقم التي تعمل في الطائرات، وتلك التي تعمل على النظافة وإمدادات الطعام وباقي الخدمات الأرضية، حيث لا يخضع أفراد تلك الأطقم للتفتيش الواجب، ولا يلتزمون بارتداء زي موحد، يميزهم عن بعضهم البعض. بالإضافة إلى أن إجراءات تأمين المطارات المصرية لا تشمل تأمين المساحات خارجها.

كما شملت الملاحظات انتقادًا لإجراءات التأمين في المطارات، خاصة أنه لا يشمل المساحات خارج أسوار المطارات، ما أدى للشعور بالقلق حيال احتمالية استهداف المطارات من المناطق المتاخمة لها.

فيما اشتملت الاشتراطات الروسية، بحسب تقرير سابق لموقع روسيا اليوم، على نشر أجهزة البصمة البيومترية، بالإضافة إلى «نشر المراقبة بالفيديو حول محيط المطار ومحطات المسافرين الجوية وتنظيم مناطق خاصة للتفتيش قبل الصعود إلى الطائرة وتدابير السلامة مباشرة عند الخروج من البوابات للوصول إلى متن الطائرات»، كما طالبت السلطات الروسية بتأمين المنتجعات والمرافق السياحية بما يضمن سلامة السائحين.

وأجرت الحكومة المصرية عددًا من الزيارات والمحاولات مع الجانب الروسي للتأكيد على أمان المطارات المصرية في محاولة استئناف رحلات الطيران إلى مصر، خصوصًا بعد الانهيار الذي تعرض له قطاع السياحة المصري منذ الحادث.

القاهرة دفعت الكثير وموسكو تطمع في المزيد

وبالرغم من أن القاهرة دفعت ثمن تفجير الطائرة الروسية على الأراضي المصرية غاليا، إلا أن استمرار تأجيل استئناف الرحلات بين مصر وروسيا يؤكد أن روسيا لاتزال تطمع في المزيد الذي ستدفعه مصر بهدف عودة حركة الطيران ومن ثم عودة حركة السياحة.

ووفقا لمراقبين فإن الروس يجيدون عقد الصفقات، ولا يبدو أنهم سيقدمون عودة حركة الطيران مجانًا أو على طبق من ذهب، بل سيحصلون في المقابل على ما يمكن اعتباره الجزء الآخر من الصفقة بين البلدين.

فقبل عدة أشهر أعلنت شركة “روس نفط” الروسية للطاقة، إتمام صفقة شراء 30% من مشروع “ظهر” المصري للغاز، من شركة “إيني” الإيطالية.

قيمة الصفقة في الحقل الواعد بلغت مليارا و125 مليون دولار، لتصبح الشركة الروسية شريكًا في تطوير أكبر حقل للغاز في البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب شركتين عالميتين أخريين، وهما “إيني” التي تمتلك حصة نسبتها 60% من المشروع، و”بي بي” (بريتيش بتروليوم) البريطانية التي تملتك حصة نسبتها 10% من المشروع.

وامتدادًا لصفقات التسليح التي أبرمتها مصر مع روسيا خلال السنوات الثلاث الماضية، اقتنصت موسكو، مع القاهرة صفقة تاريخية، تعد من أكبر الصفقات منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.

موقع قناة “لايف” الروسية أكد أن مصر تعد العميل الوحيد الذي سيحصل على أكبر صفقة من مقاتلات “ميج-29” منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث ستحصل بموجب الصفقة على 50 طائرة من طرز (ميج-29/إم 2).

وربما يمتد الحديث عن المقابل الذي تجنيه روسيا من عودة  طيرانها وسياحتها إلى مصر، إلى مشروع بناء محطة الطاقة النووية الروسية “الضبعة” وأعلن السيسي في سبتمبر الماضي أن مصر أكملت الاتفاق المتعلق بعقد بناء المحطة.

ارتباطًا بهذا الملف أيضًا، فإن أحاديث الصفقة أثيرت في الافتتاح الرسمي لقاعدة “محمد نجيب” العسكرية قرب الحدود الليبية، يوليو الماضي، متزامنًا مع جدل متصاعد بشأن التواجد العسكري الروسي فيها.

كما أرست الحكومة المصرية في يناير الماضي مزايدة لاستخراج الذهب من 4 مناطق بالصحراء الشرقية، بالإضافة إلى موقع بمدينة دهب بمحافظة جنوب سيناء، لصالح شركة “سينتيز” المملوكة للحكومة الروسية.

الأيام القادمة هي من ستحدد إذا كان يتوجب على القاهرة أن تدفع المزيد لروسيا من أجل عودة الطيران بينها وبين موسكو، أم أن الدب الروسي اكتفى بما حصل عليه، وأطمأن قلبه على أمان طائراته الروسية إن هبطت على الأراضي المصرية مرة أخرى.