لم يكن المواطن البولندي أرتور ليغسكا يتوقع أن تذكرة سفره إلى “مدينة الأحلام” دبي ستتحول إلى تذكرة إلى العالم الآخر، وأنه بحجز تلك التذكرة إنما حجز لنفسه مكانا في غرفة عزل انفرادي لمدة تزيد عن 8 أشهر تعرض خلالها لكافة صنوف التعذيب النفسي والجسدي، والتي وصلت إلى حد الاغتصاب.

 

وبعد أسابيع قليلة من إطلاق سراحه، عُثر على ليغسكا، بعد أن فارق الحياة بشقته في أمستردام بهولندا عن عمر لم يتجاوز 40 عاما، تحدث خلالها على نطاق واسع عن التعذيب وسوء المعاملة في السجون الإماراتية بعدما ذاق بنفسه بعض ويلاتها.

 

وفاة ليغسكا التي تم اكتشافها بتاريخ 26 مايو/أيار 2021، أعادت للأذهان الحقوقية ما تعرض له السجين السابق بالسجون الإماراتية، من انتهاكات واسعة، دفعت ليغسكا بعد إطلاق سراحه من سجن الصدر الإماراتي إلى تكريس نفسه للسعي نحو تحقيق العدالة في الانتهاكات التي تعرض لها هو وسجناء آخرون في السجن، وخاصة أحمد منصور، المدافع عن حقوق الإنسان الحائز على جوائز وعضو المجالس الاستشارية لمركز الخليج لحقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش.

 

وبسبب نشاط ليغسكا الحقوقي المحموم، أصبح مصدراً قيماً وفريداً للمعلومات حول ظروف السجون في الإمارات، وكان ناشطاً ومؤلفاً وخبير لياقة بدنية، وقد احتفل مؤخراً بالذكرى السنوية الثانية لبراءته في 09 مايو/أيار الماضي بعدما كان قد حُكم عليه في الإمارات بالسجن مدى الحياة بعد محاكمة شديدة العوار بتهم تتعلق بالمخدرات على الرغم من عدم وجود أي أدلة على ذلك.

 

ولم ينس أحمد رفقاء المحنة الذين شاركوه لحظات التعذيب والتنكيل في سجن الصدر، وخص منهم أحمد منصور، الذي يتعرض لتنكيل واسع في محسبه، كشف عن جانب منه ليغسكا في محادثة حقوقية جاء فيها: “أمنيتي الرئيسية في عيد مولدي الجديد الذي احتفل فيه بهذه الحياة الجديدة هي الحرية لأحمد منصور. آمل حقاً أن يكون هذا العام عاماً خاصاً بالنسبة له. كنت أفكر فيه طوال اليوم. أتذكر حديثنا الأخير، وكنت أفكر في زوجته وأولاده. في الأيام الأخيرة قال لي أحمد، لا تنسوني”.

 

كان ليغسكا يخطط لتنظيم وقفة احتجاجية في لاهاي قريباً للمطالبة بالإفراج عن أحمد منصور، لتكون واحدة من بين الأعمال العديدة التي قام بها ليغسكا لمساعدة منصور، والتي كان أبرزها مناصرة قضيته مع المسؤولين البولنديين والأوروبيين، وتزويد جماعات حقوق الإنسان بالمعلومات، والمشاركة في فعاليات حقوق الإنسان، والأفلام الوثائقية والظهور في الإعلام، والكتابة عن أحمد منصور في كتابيه الذين ألفهما حول تجربته المريرة في سجون الإمارات.

 

وقال ليغسكا إن أحمد منصور قد يموت في أي لحظة بسبب تدهور صحته بشكل كبير، لا سيما وأنه محتجز في “ظروف مروعة” بزنزانة بلا سرير ولا ماء ولا مكان للاستحمام، ولا يزال أحمد منصور حتى اليوم بحسب شهادة ليغسكا في زنزانة عزل مساحتها 2×2 متر بدون سرير أو فراش، ويقضي عقوبة بالسجن لمدة 10 سنوات بسبب أنشطته في مجال حقوق الإنسان.

 

وبعد الإفراج عنه، وصف ليغسكا “ظروف سجن كما في العصور الوسطى” في سجن الصدر، بما في ذلك الفترات التي لم تكن فيها مياه جارية على الرغم من شدة ارتفاع درجات الحرارة، حيث أمضى ليغسكا 8 أشهر في سجن الصدر بالحبس الانفرادي في زنزانة بجوار أحمد منصور. 

 

وفي لقاء مطول نشرته هيومن رايتس ووتش في يناير/كانون الثاني 2020، وصف أرتور كيف أصبح هو وأحمد “نزيلان في جحيم السجن الإماراتي”، حيث أكد ليغسكا أن صديقه أحمد منصور عانى من تعذيب نفسي نتيجة للحرمان شبه الكلي من التواصل الإنساني ومن الوصول إلى المكتبة.

 

وبعد مغادرته الإمارات، قام ليغسكا بإجراء عملية جراحية وكان يتلقى العلاج النفسي لمعالجة الأذى الذي سببه الاغتصاب والتعذيب النفسي الذي قال إنه تعرض لهما، لكنه كان يتعافى ويتلقى دروساً ليصبح صحفياً ومدافعاً مهنياً عن حقوق الإنسان، إلى أن وافته المنية فجأة عن عمر يناهز 40 عاما.

 

ذكر أن 17 عضواً من أعضاء “البرلمان الأوروبي” كتبوا رسالة بتاريخ 13 أبريل/نيسان الماضي إلى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل للإعراب عن “قلقهم البالغ تجاه الانتهاكات المستمرة ضد حقوق الإنسان في الإمارات العربية المتحدة، خاصة فيما يتعلق بالقمع الممنهج لحرية الرأي والتعبير وما يليها من أعمال الانتقام أثناء الاحتجاز”، موضحة أن “استخدام التعذيب لم يقتصر على المواطنين الإماراتيين، حيث كانت هناك أيضاً وقائع تخص مواطنين من الاتحاد الأوروبي أبلغوا عن تعرضهم للتعذيب الوحشي على أيدي سلطات السجن”.

 

وقالت الرسالة أيضا إن هذه الانتهاكات لم تقتصر على الداخل الإماراتي فقط، بل استشهدت الرسالة بما نشرته صحيفة غارديان البريطانية عن حجم الانتهاكات التي يتعرض لها اليمنيون في مراكز الاحتجاز والسجون غير الرسمية، ولا سيما تلك التي تديرها جماعات مسلحة مدعومة من دولة الإمارات، حيث يُظهر التقرير الذي أعدته منظمة “مواطَنة” اليمنية كيف ارتفعت وتيرة الاعتقالات والقتل خارج نطاق القانون خلال النزاع المستمر منذ أكثر من خمس سنوات.

 

ووثقت المنظمة في الفترة بين مايو/أيار 2016 وأبريل/نيسان 2020 أكثر من 1600 اعتقال تعسفي، و770 اختفاء قسريا، و344 حالة تعذيب، منسوبة لجميع الأطراف المتحاربة في اليمن، حيث وجد التقرير أن القوات الإماراتية والجماعات المسلحة الموالية لها مسؤولة عن أكثر حالات المعاملة الوحشية للسجناء، بما فيها تعليقهم رأسا على عقب لساعات، والانتهاكات الجنسية.

 

اقرأ أيضاً: في مهب الريح.. ماذا جنت الإمارات من الهرولة نحو التطبيع؟