” حلال ، حلال ، حلال ” كانت هذه هى الفتوى السريعة والواضحة من فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الازهر على سؤال مفاجىء من السيسى خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة عام 2015 التي طالب السيسى خلالها المصريين بتحديد النسل بحد أقصى 3 أولاد للأسرة، مستفتيًا شيخ الأزهرالدكتور أحمد الطيب، الجالس أمامه بجوار البابا تواضروس، بطريرك الكرازة المرقسية: «أنا أقدر أطلب من اللي عنده طفل يستني 3 أو 4 سنين على ما يخلف التاني.. واللى عنده طفلين يستنى 6 أو 7 سنين كمان على بال ما يجيب 3 أطفال.. واللي عنده 3 أطفال ما يجيبش أطفال تاني.. عشان تبقى الأمة واقفة على رجليها ومتعلمة وقادرة.. حلال ولا حرام يا فضيلة الإمام»، وكان الرد الفورى من فضيلة الشيخ (فيديو)، ولم نسمع يومها فتوى من  البابا تواضروس الثاني خلال اللقاء نفسه برأي المسيحية في تحديد النسل .

تحديد النسل فى مصر تاريخيا وتطور الفتاوى الدينية

وكان واضحا أن السيسى بدعوته لتحديد النسل بـ 3 أطفال فإنه يواصل  عزف نغمة الزيادة السكانية باعتبارها المتهم الأساسي في الأزمة الاقتصادية؛ تلك النغمة التي دأبت السلطة السياسية على ترديدها  منذ عبد الناصرفى منتصف الستينيات ، ومن بعده السادات ثم مبارك الذى شهدت فى عهده طفرة كبيرة من تنظيم حملات إعلامية وبرامج صحية مكثفة سعيًا لنشرها على أوسع نطاق. كما يسير السيسى ٍفي دعوته على درب سلفه بالاستعانة بالسلطة الدينية -الأزهر والكنيسة- التي طالما كان رأيها الشرعي ضد فكرة «التحديد» بينما تجيز عملية «تنظيم» النسل، على عكس ما أفتى به فضيلة شيخ الازهر ،

تحديد النسل فى مؤتمر رؤية مصر2030

وفكرة ” تحديد النسل ” كانت هى مضمون مداخلات السيسى خلال مشاركته في الجلسة الثانية بالمؤتمر الدوري الرابع للشباب  يوليو 2017 تحت شعار “رؤية مصر 2030″،  حيث قال :”أنا بسمع واحد مخلف 4 عيال ومش عارف يصرف عليهم منين، طب أنت مسئول أمام الله عن الاولاد اللى هتجبهم، انت بتضيع اولادك لانك مش قادر تنفق عليه ومينفعش تقول نجيبهم وبعدين يجى رزقهم ومتجيش تطالب الدولة بمصاريفهم إحنا عاوزين نقفز”. ، وجاءت الكلمة الصادمة للسيسى بأن مصر تواجه تحدى السكان والارهاب (مصدر) لتفتح المجال واسعا أمام الاعلام للحديث حول ” القنبلة السكانية ” وبالتالى عن ” الانفجار السكانى ” .

السيسى يطرح الايكولوجى بدلا من تحديد النسل فى مؤتمر الصين2017  

كانت كلمة السيسى المكتوبة والتى ألقاها فى جلسة خاصة نظمها منتدى أعمال تجمع «بريكس»  بالصين يوم 4سبتمبر 2017 تتخذ مضمونا مختلفا ؛ حيث ذكر بعض تجارب لدول ناجحة فقال : ” فأود الإشارة إلى أننا قمنا بدراسة أفضل النماذج المتبعة في الدول المشابهة لنا، وبعضها أعضاء بالبريكس، فدرسنا النموذج البرازيلي الذي كان من أنجح التجارب في التعامل مع التضخم عن طريق رفع إنتاجية وكفاءة الاقتصاد بشكل عام، من خلال خصخصة الشركات بالتوازي مع التوسع في الإنفاق العام على الخدمات والحماية الاجتماعية ” (مصدر) ، وفى جلسة خاصة فى اليوم التالى ؛ بدأ السيسى كلمته بأن قدم التحية لجميع الدول المشاركة ، ثم ذكر البرازيل مرة أخرى حيث قال  : ” والشعب البرازيلي الصديق، الذي أدرك مبكراً مفاهيم حماية البيئة والتنوع الايكولوجي، فأهدى العالم مبدأً صار عقيدة دولية، وهي التنمية المستدامة، التي ولدت في مدينة «ريو» البرازيلية عام 1992.” ، وبالطبع فإن الاشارة للبرازيل تحديدا تعيد الى الأذهان التذكرة بأن أهم مصادر قوة البرازيل هى  الموارد البشرية المتميزة بالوفرة والتحضر ، والتنوع الثقافى والعرقى والدينى ، والذى يشكل غنى المجتمع البرازيلى ، حيث سيادة التسامح والتعايش ، وتطبيق سياسات التنمية الاجتماعية وتحسين دخل الفرد وتقليص حجم التفاوتات الاجتماعية ، وذلك من خلال برامج تطوير الرعاية الصحية والاجتماعية والرياضية والترفيهية ، ودعم التعليم والبحث العلمى من خلال زيادة الانفاق الحكومى وفرض ضرائب للاستخدام فى هذا المجال ..(مصدر)

وكانت هذه هى المرة الأولى التى يذكر فيها السيسى أمام العالم  أهمية  الايكولوجى  والتنمية المستدامة دون التركيز على الزيادة السكانية كما هو الحال فى الخطاب الموجه للمصريين ، وهذا ليس بالأمر المستغرب لأن من كتب نص كلمة السيسى يعلم بالطبع ان ” التجربة الصينية ” – البلد المضيف للمؤتمر – هي تجربة متكاملة وتشمل بناء اقتصادي وسياسي وثقافي واجتماعي وبناء حضارة ايكولوجية وما إلى ذلك . وهي نموذج يجسد 30 سنة من سياسة الاصلاح والانفتاح والابداعات الجديدة، .وكوسيلة للتنمية والاصلاح التدريجي في مسار التنمية والاعتماد على تصنيع تكنولوجيا المعلومات والتوسع الحضاري والتسويق والتدويل لتحقيق التنمية. والهدف الرئيسي والمهمة الاولى في للتنمية هو الارتقاء بالشعب ،  وفى عام 1979 طُرِحت سياسة أو إستراتيجية تحديد النسل فى الصين كإجراء مؤقت يهدف الى كبح الزيادة السكانية وقد أنهت الصين رسميا سياسة إنجاب الطفل الواحد، عام 2014 ؛ واستبدلت الصين بتلك السياسة سياسة أخرى: تسمح للزوجين إنجاب ما لا يزيد عن طفلين؛”لتحقيق نمو سكاني متوازن، ومواجهة تزايد نسبة الشيخوخة:”بحسب البيان الرسمي الذي أعلنه الحزب الشيوعي ، ويقف وراء هذا البيان إحصاءات وأرقام لأهم شقين ركز عليهما البيان وهما: مواجهة الشيخوخة ، وتحقيق نمو سكاني “متوازن”،

المشكلة السكانية فى مصر  لها أبعاد ثلاثة:

من تتبع الاتجاهات السكانية فى مصر خلال العقود القليلة الماضية وماواكبها من سياسات سكانية للدولة، یمكن بلورة المشكلة السكانية فى ثلاثة أبعاد رئيسية متداخلة ومترابطة، وهى :البعد الأول : العلاقة يين النمو السكانى (2.6% ) والنمو الاقتصادى ( 4.9% )   ، والبعد الثانى: التوزيع الجغرافى غير المتوازن للسكان وزيادة الكثافة السكانية فى المساحة المأهولة (مصدر)،….أما البعد الثالث فهو تدنى الخصائص السكانية ويشمل : 1) اختلال التركيب العمرى للسكان وارتفاع نسبة الأطفال  : إجمالى عدد سكان مصر 51.6%، مقابل 48.4% نسبة الإناث، فيما بلغت نسبة النوع 106 ذكر لكل 100 أنثى، الفئة العمرية الأقل من 15 سنة تبلغ نحو ثلث السكان بنسبة 34.2 % . ،2) ارتفاع نسبة الأمية : بلغ  العدد  18.4 مليون نسمة، بنسبة 25.8 % ، 3) انهيار منظومة التعليم : بلغت نسبة الذين لم يلتحقوا بالتعليم مطلقًا 26.8%، وهي نسبة لا يُستهان بها فأكثر من ربع المصريين لم يلتحقوا بالتعليم من الأساس. 4) انخفاض نسبة مساهمة الإناث فى القوى العاملة : بلغت 22.5% فقط (فى الفئة العمریة 15 / 64 سنة) ، .5) ارتفاع معدل البطالة : بلغ 27.3% من إجمالى قوة العمل بين الشباب ، 6) ارتفاع معدل وفيات الأطفال الرضع : بلغ معدل الوفيات الخام 6.5 فى الألف عام 2015 مقـــابل 6.1 فى الألـــف عام 2014.. 7) ارتفاع معدل الخصوبة : حيث وصل إلي ٣.٥  طفل/ سيدة  خلال  عام 2015 . 8) انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي : تتزايد معدلات الفقر وأصبحت 27,8 %  . 10) عمالة الأطفال : حوالي ٢٦% أي أكثر من خمس الأطفال في الشريحة العمرية من ١٦:١٤ سنة. ..11) تدنى مؤشرات الخدمات بالريف المصري  : تقريرالجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء عن مسح ميدانى بعنوان «أهم الخدمات التى تحتاجها القرى»، ذكر التقرير أن  عدد القرى فى مصر4655 قرية ، تبين  إن نحو 60% من القرى تحتاج إلى إنشاء مدارس و37% يحتاج إلى مركز ثقافى.. وأظهر المسح أن 74.3% من قرى مصر لا يوجد بها صرف صحى، فى حين أن 21% من القرى بها صرف صحى متصل لمعظم المنازل. ورغم ضآلة النسبة التى يوجد بها صرف صحى فى قرى مصر، فإن 52.6% من القرى التى يوجد بها صرف تعانى من انسداد فى شبكاتها.  (تعداد مصر 2017)

نموالسكان ونموالاقتصاد : هل بينهما  توافق أم تنافر ؟

وكانت العلاقة بين النمو السكانى والنمو الاقصادى قد شهدت تفاوتا فى الرؤية العالمية فمن الأمور الملفتة للنظر أنه حينما عقد المؤتمر العالمي للسكان في بوخارست عام 1974، أنتهي المؤتمر الى خطة عمل تدعو الدول المتقدمة الى أعطاء أولوية أساسية لبرامج تنظيم الاسرة للسيطرة على الخطر الاكبر الذي يهدد التنمية الاقتصادية فى هذه الدول وهو النمو السكاني. ولكن في عام 1984 حينما عقد في المكسيك المؤتمر العالمي للسكان خرجت الولايات المتحدة بفكرة جديدة مخالفة لتلك التي تبنتها في مؤتمر بوخارست عام 1974.  فقد رأت الولايات المتحدة أن النمو السكاني ليس بالضرورة أمرا سيئا، وأن المناخ الاقتصادي الحر هو المكون السحري لكل من التنمية الاقتصادية والتحكم في الخصوبة. فبالرغم من أن العالم كان متفقا على وجهه النظر القائلة بأن النمو السكاني يعد عاملا مقيدا للتنمية الاقتصادية عام 1974، فانه في عام 1984 كان هناك شبه انفاق حول وجهه النظر الامريكية بأن القضيتان (التنمية والسكان) ليستا متناقضتان بهذه الصورة.

إن تحقيق التنمية الاقتصادية يحتاج الى زيادة النمو الاقتصادي بما يعادل ثلاثة امثال النمو السكانى ، ولكن هذا النمو لابد وان يكون مرتبطا بإحداث تغيرات نحو الأفضل في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة مع التنسيق فيما بينها وأبرزها التعليم والصحة والتوظيف. واصبح تسريع عملية النمو الاقتصادي وظيفة أساسية للاقتصاديين ورجال التخطيط والسياسيين في البلدان النامية والمتخلفة خلال العقود الخمسة الماضية، لأن الاعتقاد السائد هو أن تحقيق النمو الاقتصادي هو العامل الأساسي الذي يحدد مستويات المعيشة. غير أن ثمة عامل آخر يحدد مستويات المعيشة وهو عدم المساواة في الدخول وسوء توزيع الثروة في المجتمع، فزيادة النمو الاقتصادي لا يعني بالضرورة تحسن مستويات المعيشة، لأن ثمار النمو لا تتوزع بصورة عادلة وغالبا ما تستأثر القلة بمعظم منافع النمو.

وفى مصر ومنذ بداية الستينيات من القرن الماضى كانت خطط التنمية واردة على الساحة ولكن  وفق رؤية قاصرة على جانب واحد وهو تقليص عدد السكان دون السعى نحو تناول المشكلة من جوانبها المختلفة الاخرى مثل التوزيع السكانى و الارتقاء بالخصائص البشرية وتنميتها باعتبار السكان ثروة بشرية واعدة وليست مشكلة تجب مواجهتها بنفس الاسلوب القمعى فى مواجهة فزاعة أسموها الارهاب.