العدسة – إبراهيم سمعان

رأى أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي يونس بلفلاح، أنه في الوقت الذي جعل فيه حصار الدول الأربعة، قطر أكثر مرونة مما كان متوقعا، كانت العواقب على دول اللجنة الرباعية، وخاصة السعودية والإمارات العربية المتحدة، قوية جدا.

منذ مطلع يناير الجاري، أعلنت قطر أن الأجانب يمكنهم الآن تملك 100٪ من أسهم الشركات بجميع القطاعات تقريبا، وفي الوقت الذي تتعرض فيه الإمارة لضغوط من الحصار الاقتصادي والدبلوماسي، كان هذا الإجراء جزءا من عدد لا يحصى من القرارات التي تدل على حاجة إمارة الغاز لتنويع اقتصادها وإصلاحه بسرعة، كما ذكرت صحيفة “شالونج” الفرنسية.

مع بداية الأزمة، أصبحت الدوحة مضطرة لإعادة تحديث نموذجها الاقتصادي من خلال القيام بعمليات مذهلة كاستيراد 4000 بقرة عن طريق الجو، “هذه الأزمة أيقظت القطريين”، وفقا للمدير الأيرلندي لـ(بلدنا) شركة الألبان المسؤولة عن تطوير إنتاج الحليب في البلاد “لم تعد الدوحة تريد الاعتماد على جيرانها، الاكتفاء الذاتي أصبح كلمة جديدة للنظام”.

وفي الوقت الذي كانت فيه قطر أكثر مرونة مما كان متوقعا من آثار الحصار، قلة فقط من المحللين ركزوا على الآثار المترتبة على بلدان اللجنة الرباعية، ولا سيما الإمارات والسعودية التي تشهد ثورة إصلاحات يقودها الأمير محمد بن سلمان، من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية.

حملة التطهير التي شنها محمد بن سلمان أكدت الهرم العمودي للسلطة في بلد يتم فيه استخدام العشائر المختلفة للتشاور ولا أحد يعرف ما هي المشاكل التي يمكن أن تتعرض لها المملكة مع كل هذه التغييرات.

من ناحية أخرى هناك منافسة قديمة بين دولة الإمارات وقطر؛ إذ يحاول كل منهما بطريقته الخاصة الظهور على الساحة الدولية في ظل الأخ السعودي الكبير، لكن القوة الناعمة القطرية قد بنيت بكفاءة أكبر، من خلال تأثير “الجزيرة” على وسائل الإعلام والدبلوماسية الرياضية، كما يتضح من خلال الاستحواذ على فريق باريس سان جيرمان والفوز باستضافة كأس العالم 2022.

أكثر من 300 شركة سعودية تقع في قطر

بالنسبة للرياض، أكثر من 300 شركة سعودية تقع في قطر كانت ضحية للتدفق الهائل للمنافسين الجدد، وخاصة الأتراك، وعلى سبيل المثال في صناعة المواد الغذائية، إذ تراجعت خسائر الدوحة التي لم تكن في الواقع بحاجة إلى الاقتصاد السعودي بسبب انخفاض أسعار النفط.

وحتى الآن، فإن “رؤية 2030” لا تزال مشوشة بينما مشروع مدينة المستقبل “نيوم” تجتاحه رمال الصحراء، كما أن التشويش حول إدراج أرامكو في سوق الأسهم من خلال بيع 5٪ من أسهم رأس مال الشركة دليل على التحول الصعب لاقتصاد مفتوح وشفاف للمملكة السعودية.

العجز بنسبة 17.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي عام 2016، جعل السعودية في حالة ركود عام 2017، وإذا كانت المبالغ المستردة من الأمراء المسجونين قادرة على تقديم الدعم للميزانية السعودية، فهذا التطهير لن يطمئن المستثمرين والشركات الأجنبية.
طموح المملكة بأن تصبح مركزا يربط القارات المختلفة وبؤرة تجارية، لا يمكن أن يؤخذ إلا على محمل الجد عندما تسهم السعودية في استقرار السياق الإقليمي وليس إلى إشعاله، كما يوضح كبير الاقتصاديين في كوفاس، جوليان جارسيلي  “ولي العهد يمكن أيضا أن يميل إلى العمل على نسيان تلك المشاكل الداخلية من خلال خلق حالة عدم يقين جيوسياسية، كما حدث عام 2017 تجاه قطر واليمن ولبنان”.

أزمة تعصف بالخليج

وعلى جانب الإمارات العربية المتحدة، تأثرت العديد من الشركات أيضا بالحصار، فقدت الشركات الرائدة في دبي مثل دريك آند سكول 10٪ من حصتها في السوق، وهي مهددة في الأسواق الرئيسية مثل مترو الدوحة، وفي القطاع المالي، تعاني البنوك مثل بنك أبوظبي الأول وبنك الإمارات دبي الوطني بسبب تأخر التمويل والصورة السلبية للأزمة التي تؤثر على مصداقية هذه المؤسسات وثقة المستثمرين.

أبو ظبي، عاصمة دولة الإمارات، تفرض خطّها الدبلوماسي والأمني ​​على جميع الإمارات وأحيانا على حسابها. في الواقع، إذا كانت أبوظبي تراهن على كل ما يميزها، فإن إمارة دبي تراهن على جميع الأعمال، البعض لا يتردد في الإطلاق على دبي “العاصمة الاقتصادية لإيران”، فالإمارة هي النقطة الرئيسية للتحايل على تدابير العقوبات المفروضة على طهران.

وحتى اليوم، تظل الإمارات أكبر شريك تجاري لإيران في الشرق الأوسط، بقيمة بلغت 7.4 مليار دولار في التجارة عام 2016-2017، ولهذا ترى الباحثة كليمنت ثيرم أن “السياسة الخارجية لإمارة أبوظبي قد تعرض نموذج دبي الاقتصادي للخطر”.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تضررت منطقة الخليج من هذه الأزمة، إذ يقدر صندوق النقد الدولي أن آثار الأزمة ظلت محدودة حتى الوقت الحالي، ولكن سجلها الطويل الأجل سيضعف النمو المتوسط ​​الأجل لجميع بلدان الخليج، وبينما تحتاج الدول الخليجية البترولية إلى تسريع تحويل نموذجها الاقتصادي إلى اقتصاد متنوع، فإن حصار قطر لا يخدم المصالح الاقتصادية للمنطقة.

بل على العكس من ذلك، هذه الخسائر الاقتصادية أصبحت خسائر سياسية منذ أن أفلس مجلس التعاون الخليجي بشكل واضح في هذه الأزمة.

تحقيق تكامل سياسي واقتصادي أفضل بين هذه البلدان يتواءم تماما مع “رؤية 2030” للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، لكن بالنظر للواقع، كيف يمكن أن تسعى الرياض أن تصبح مركزا بين قارات مختلفة ومركزا جديدا للتجارة العالمية إذا كانت جارتها لا تستطيع أن تتاجر معها؟ فمن المؤكد أن هذا الحصار لا يخدم أحدا، ناهيك عن بلدان اللجنة الرباعية.