العدسة – أحمد عبد العزيز

انتقدت صحيفة “تليجراف” البريطانية، أساليب فرق كرة القدم الإنجليزية في تعيين المدراء الفنيين، والعشوائية التي تصاحب هذه العملية، بالنظر إلى منافسيهم في الدوري الألماني، الذين يلتزمون باستراتيجية واضحة لتوظيف المدراء، عبر ما يعرفون بـ”الكشافة”.

“كشافو المدربين” بحسب التليجراف، هي ليست وظيفة مستحدثة، بل يلجأ إليها العديد من الأندية الكبيرة حول العالم، وبالرغم من ذلك، تغيب هذه الوظيفة عن كثير من الأندية الإنجليزية التي تشارك في واحد من أهم الدوريات في العالم وأكثرها متابعة.

فلا يوجد نادٍ يقوم بالتعاقد مع لاعبين دون مشاهدتهم أولا والتعرف على مهاراتهم، والاطلاع على كل الإحصائيات المتعلقة بإنجازاتهم داخل الملاعب، ولياقتهم البدنية والصحية، ومن ثم إجراء العديد من الفحوصات والاختبارات قبل اتخاذ قرار نهائي بالتعاقد مع اللاعب، وذلك كله بواسطة “كشافة اللاعبين”.

إلا أن الأسلوب ذاته غير متبع بالنسبة للمدراء الفنيين للفرق، حيث يتم التعاقد مع المدربين بشكل عشوائي، ويؤكد مسؤول كبير في أحد الأندية الإنجليزية، أن هناك أندية كبيرة تتعاقد مع مدربيها بالرغم من عدم اطلاعها على طبيعة عمله أو إنجازاته، “هم فقط يتوجهون إلى الأسماء اللامعة والشهيرة، الشبيهة بالعلامات التجارية، دون النظر إلى الجودة”.

وترى “تليجراف”، أن السبب في ذلك يرجع إلى تصور البعض أن توظيف مدير فني مسألة أصعب بكثير من اختيار اللاعب، نظرا لأنه من الصعب قياس المهارات الفعلية التي يتمتع بها المدير الفني لتحديد مستواه الحقيقي، ولكن كل هذا تصور خاطئ، حيث إن هناك بعض الأندية الكبيرة التي تمتلك نظاما إداريا خاصا بها يمكنها من اختيار المدربين الأفضل دون الاندفاع وراء الشهرة الزائفة.

وتنقل الصحيفة عن متخصصين في شأن التعاقدات الرياضية، أن كثيرا من الأندية تفضل الذهاب إلى المشاهير أصحاب السجلات الكبيرة، دون النظر إلى ما إذا كان أسلوب هذا المدرب أو ذاك يناسب اللعب مع الفريق من عدمه، وهو ما يجعل انتقال المدربين بين الأندية أشبه بعملية “تدوير”، فمن يدرب الفريق “أ” سيدرب غدا الفريق “ب” بينما من كان يدرب الفريق “ب” سيتوجه لتدريب الفريق “أ”، وهكذا دون أي تخطيط مدروس.

وتضيف أن من بين الأسباب الأخرى التي تجعل إدارات الأندية غير متحمسة لبذل مجهود كبير للبحث عن المدير الفني القادم للفريق، هو خوفها من مواجهة اتهام “خيانة المدرب الحالي” الذي توجهه بعض الجماهير عادة، عندما تكتشف أن إدارة ناديها تبحث عن مدير فني بديل.

وهو ما يدفع الأندية لتجنب هذا الاتهام، بعدم الشروع في البحث عن المدرب المناسب قبل إنهاء التعاقد مع المدرب الحالي، وهو ما يجعلها في عجلة من أمرها للتعاقد مع أي مدرب جديد لضيق الوقت، حتى لا يتم ترك الفريق بلا قيادة، خاصة إذا كانت عملية الإقالة قد تمت في وقت حساس بالدوري أو البطولات الكبرى.

وضربت مثالا بنادي إيفرتون الإنجليزي، الذي أقال مدربه رونالد كومان قبل خمسة أسابيع، وبات عليه البحث عن مدرب بديل خلال أسبوع من الآن على الأكثر حتى يتمكن الفريق من استكمال مبارياته في الدوري دون هزائم كبرى.

وهو ما دفع إدارة النادي لطرح عدد من الأسماء بينها ماركو سيلفا، وألارديس، وشون ديش، وجميعهم مدربون يختلفون في كثير من الجوانب ولا يوجد أي رابط حقيقي بينهم، ما يعني أن عملية البحث التي تقوم بها إدارة النادي عملية عشوائية، ولا تعتمد على أية استراتيجية واضحة ومتماسكة.

وترى “تليجراف” أن مثل هذه الأساليب تهدد الاستثمارات الضخمة للأندية الإنجليزية، فعندما تتخذ قرارا بإقالة المدير الفني، يجب عليك أن تكون قد استعددت لهذا القرار جيدا، وبحثت عن البديل قبل الإقالة بوقت كاف، وإلا فإن النادي يضع بهذه الطريقة مستقبل فريقه في مهب الريح.

وشبهت الصحيفة ممارسات الأندية في هذا الشأن، بجامعِي سيارات “الفورمولا 1″، حيث يقومون بتجميع قطع السيارة غالية الثمن من عدة أماكن، مثل اللاعبين بالضبط، وبعد الانتهاء من تجميعها، يكتشفون أنهم يحتاجون لسائق ماهر لقيادتها، إلا أنهم للأسف لا يمتلكون موظفا مختصا بالبحث عن السائق المناسب لتعيينه!.

وبالتالي، فإن الأندية الكبيرة التي تعرف كيف تدير فرقها، تقوم أولا بتوظيف “كشافة المدراء” الذين يتولون البحث عن المديرين الفنيين المميزين الذين يتناسبون مع طريقة لعب فرقهم، لذا تجد إدارات هذه الأندية نفسها وقد امتلكت قائمة طويلة  من المديرين المرشحين قبل اتخاذها أي قرار لإقالة المدير الفني الحالي.

ويبدو الأمر في ألمانيا أكثر تنظيما إلى حد بعيد؛ حيث تظهر هذه الاستراتيجية في عملية البحث عن المواهب الشابة التي تمتلك قدرات تدريبية، والتي يتم السماح لهم بتدريب فرق الناشئين أولا، وعند التأكد من مهاراتهم، يتم التعاقد معهم كمدراء فنيين للفرق الأولى، مثل جوليان ناجلسمان الذي تولى تدريب “هوفنهايم” وهو لم يتجاوز الـ28 من عمره، ودومينيكو تيديسكو اللذين تم التعاقد معهما لتدريب “شالكه” الصيف الماضي وهو في الـ31 من عمره.

وترى “التليجراف” في نهاية تقريرها، أن الأندية الإنجليزية مؤهلة لاستخدام هذه الاستراتيجية التي سترفع من مستوى الفرق، ومن ثم تحافظ على المكانة التي أحرزها الدوري الإنجليزي عالميا حتى الآن، مؤكدة أن هناك الكثير من العوامل التي تساعد على تنفيذ هذه الإستراتيجية، مثل استعداد الأندية لتبادل المعلومات بخصوص المدربين وإنجازاتهم ومهاراتهم، بالإضافة إلى مسألة تعيين “كشافة المدربين” الذين سيتولون المهمة الأكبر في هذا الشأن.