في تطور جديد على مسار التطبيع والخيانة، أعلنت مملكة البحرين مساء الجمعة عن تطبيعها الكامل والمعلن مع إسرائيل، في خطوة تمثل تطورا طبيعياً لممارسات المملكة التطبيعية وعلاقاتها السرية الممتدة مع إسرائيل التي زادت وتيرتها في الأعوام القليلة الماضية.

إعلان التطبيع

 وكما هو الحال في اتفاق العار الإماراتي، فقد جاء إعلان التطبيع أولا علي لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث أعلن التوصل إلى اتفاق رسمي بين واشنطن والمنامة وتل أبيب، لتطبيع العلاقات، قائلا “هذا الاتفاق جاء بعد مكالمة جماعية بينه وبين ملك البحرين ورئيس وزراء إسرائيل”.

وغرد ترامب عبر “تويتر” أن ما تم هو “اختراق تاريخي آخر”، مضيفا أن “صديقتانا العظيمتان إسرائيل والبحرين اتفقتا على السلام”، وتابع: “ثاني دولة عربية تصنع السلام مع إسرائيل في 30 يوما”.

وقال ترامب إن دولا أخرى “متحمسة بشكل هائل” للانضمام لاتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وبعد تصريحات ترامب، نقلت وكالة أنباء البحرين الرسمية عن ملك البلاد حمد بن عيسى، قوله إن هذا الاتفاق ضرورة نحو التوصل إلى سلام عادل وشامل، كخيار استراتيجي، وفقاً لحل الدولتين، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

وأشاد ملك البحرين بـ”الدور المحوري الذي تضطلع به الإدارة الأمريكية وجهودها الدؤوبة لدفع عملية السلام وإحلال الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتعزيز السلم الدولي”.

وأعلنت البحرين أن وزير خارجيتها عبداللطيف الزياني سيشارك في توقيع الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل في 15 سبتمبر/أيلول في واشنطن، وسيكون من أجل التوقيع كمندوب عن ملك البلاد.

فيما احتفى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو باتفاق التطبيع، قائلا: “اتفاق البحرين على تطبيع العلاقات مع إسرائيل عهد جديد للسلام”.

وتابع في بيان: “يسعدني أن أعلن للجمهور الإسرائيلي أننا سنتوصل الليلة إلى اتفاق سلام آخر مع دولة عربية أخرى، مع البحرين وبذلك تنضم إلى اتفاقية السلام التاريخية مع الإمارات، استغرقنا 26 عاما للتوقيع على اتفاق سلام ثالث مع دولة عربية و 29 يوما لاتفاق رابع”.

بدوره، قال مستشار ترامب وصهره، جاريد كوشنر لوكالة “رويترز”، إن ” اتفاق إسرائيل والبحرين سيشمل فتح سفارتين”.

كواليس الخيانة

وفي ذات السياق، كشف موقع “أكسيوس” الأمريكي عن ما قال إنها كواليس سبقت الإعلان عن تطبيع علاقات البحرين وإسرائيل، مؤكدا أن المنامة بادرت بنفسها وطلبت أن تكون التالية بعد الإمارات.

وقال تقرير نشره الموقع، أعده الصحفي الإسرائيلي “باراك رافيد”، إن كبار المسؤولين البحرينيين اتصلوا بجاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره، وكذلك بمبعوث البيت الأبيض، آفي بيركوفيتش، بعد ساعات من إعلان التطبيع الإماراتي، في 13 آب/ أغسطس الماضي.

 

وأكد التقرير، أن رسالة المنامة كان مفادها: “نريد أن نكون تاليا” في التطبيع.

وأشار “رافيد” إلى أن العلاقة بين البحرين وإسرائيل كانت سرية لأكثر من عقدين، ولم تستغرق المحادثات التي أدت إلى بيان التطبيع سوى 29 يوما فقط.

ونقل “رافيد” عن “مصادر مطلعة على المحادثات”، أن مناقشات مكثفة بدأت في 13 آب/ أغسطس بين الولايات المتحدة والبحرين والاحتلال، وشارك فيها، إلى جانب بيركوفيتش وكوشنر، العديد من المسؤولين الأمريكيين الآخرين، ومنهم مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، ومبعوث الملف الإيراني برايان هوك، ومدير مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط الجنرال ميغيل كوريا، والمسؤول في البيت الأبيض آدم بوهلر، والسفير لديفيد فريدمان.

وتحدث كوشنر وبيركوفيتش وفريقهما مع ولي العهد البحريني سلمان بن حمد آل خليفة والعديد من كبار مستشاريه وسفير المنامة لدى واشنطن، فيما ترأس المحادثات على الجانب الإسرائيلي السفير رون ديرمر في واشنطن، وشارك فيها أيضا رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عن كثب.

وأضاف “رافيد” أن كوشنر والوفد المرافق له في رحلة التطبيع من تل أبيب إلى أبو ظبي، الأسبوع الماضي، انتقلا من الإمارات إلى البحرين.

وقال: “أخبرني مصدر مطلع أنه قبل تلك الرحلة اشترى كوشنر نسخة من التوراة بماله الخاص؛ كهدية لملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة”.

وتابع بأن بيركوفيتش دخل الاجتماع مع الملك حاملا نسخة التوراة وقدمها له. وكاد الطرفان يتوصلان إلى اتفاق، لكن كوشنر “قرر منح المزيد من الوقت لتسوية التفاصيل”.

وقال مسؤولون إسرائيليون؛ إن البيت الأبيض أراد أن رؤية الحكومة السعودية تمنح البحرينيين الضوء الأخضر للمضي بهذه الخطوة.

وخلال الأيام القليلة الماضية، واصل كوشنر وبيركوفيتش التحدث إلى ولي العهد البحريني ومستشاريه ومع ديرمر، كما نقل التقرير عن مصدر مطلع، لم يسمه، أن البيت الأبيض أراد تمرير الاتفاق مع البحرين قبل حفل توقيع الصفقة الإسرائيلية الإماراتية في 15 سبتمبر/ أيلول.

وقال المصدر؛ إن “الإمارات كسرت الجليد وقادت الطريق، ولكن كان للبحرينيين دور مهم للغاية في السنوات الثلاث الماضية، بشكل رئيسي عندما استضافوا مؤتمر المنامة الذي أطلق الجزء الاقتصادي من خطة ترامب (صفقة القرن)”.

إدانات واسعة

وقوبل اتفاق التطبيع البحريني بإدانات عربية وشعبية واسعة، حيث أدانت الفصائل الفلسطينية، إعلان البحرين رسميا، الجمعة، تطبيع علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي.

وقالت منظمة التحرير الفلسطينية إن اتفاق التطبيع البحريني مرفوض، ويعد “خيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية”.

وأوضحت في بيان لها أن هذا الاتفاق يعتبر “خطوة لدعم تشريع جرائم الاحتلال الإسرائيلي البشعة ضد أبناء شعبنا الفلسطيني، في الوقت الذي تواصل فيه دولة الاحتلال سيطرتها على الأراضي الفلسطينية وضمها بالقوة العسكرية”.

وأعلن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، أن محمود عباس أمر باستدعاء سفير السلطة الفلسطينية لدى المنامة “فورا”، فيما نقل بيان للخارجية الفلسطينية عن الوزير رياض المالكي تأكيده الاستدعاء الفوري للسفير “من أجل اتخاذ الخطوات الضرورية حيال قرار البحرين للتطبيع مع دولة الاحتلال”.

من جانبها اعتبرت حركة “حماس”، أن تطبيع البحرين “إصرار على تطبيق بنود صفقة القرن التي تصفي القضية الفلسطينية”.

وقال المتحدث باسم الحركة حازم قاسم، لوكالة الأناضول إن “انضمام هذه الدول لمسار التطبيع يجعلها شريكة في صفقة القرن (الأمريكية)، التي تشكل عدوانا على شعبنا”، وأضاف: “هذا المسار بالتأكيد يشكل ضررا بالغا على القضية الفلسطينية، ودعما للاحتلال والرواية الصهيونية”.

بدورها، اعتبرت حركة “الجهاد” أن “الاتفاق يعكس وصاية أمريكية على البحرين، وأن ملكها وحكومتها يتصرفون بأوامر أمريكية”.

 وأضافت في بيان لها أن “تهافت هذه الأنظمة على إقامة العلاقات مع العدو، سيزيد الارتهان للمحور الصهيوأمريكي المعادي للأمة. فالعلاقة بالكيان الصهيوني كانت وستبقى عنوانا للفشل واللاشرعية والارتهان للأعداء”.

 من جانبها، أدانت تركيا بشدة لحاق البحرين بمسار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي بدأته الإمارات مؤخرا، وأكد بيان لوزارة الخارجية التركية أن الخطوة تخالف تعهدات منظمة التعاون الإسلامي، وتشكل ضربة جديدة لمساعي الدفاع عن القضية الفلسطينية.

كما شدد على أن التطبيع البحريني من شأنه تشجيع “إسرائيل” على المضي في ممارساته غير القانونية ضد الشعب الفلسطيني، ومحاولاته ترسيخ حالة الاحتلال.

وأضافت: “كنتيجة للضغوط التي يمارسها لاعبون من خارج المنطقة، فإن التنازلات غير المسؤولة التي تم تقديمها لاعتبارات ضيقة، لا يمكن أن تزيل الحقائق أو تستبدلها”.

وفي ذات السياق، أدانت وزارة الخارجية اليمنية تطبيع البحرين، إذ قال الوزير محمد الحضرمي، إن “اليمن ستظل دائما إلى جانب أشقائنا في دولة فلسطين حتى نيل حقوقهم غير القابلة للتصرف، وعلى رأسها إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف”.

 كما شدد الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي محي الدين القره داغي، على أن التطبيع مع المحتل يمثل خيانة عظمى بكل المعايير الشرعية والوطنية والإنسانية.

وفي فيديو بثه القره داغي على حسابه بتويتر، قال: “كيف يتنازل الإنسان عن حقه، وحق الشعب الفلسطيني، وحق المسلمين جميعا في هذه الأرض المباركة، في مسجدنا، وقبلتنا الأولى، وفي مسرى رسول الله، وفي قضية بذل فيها المسلمون، وضحى فيها المجاهدون بدمائهم، حيث حررها عمر (بن الخطاب)، وطهرها صلاح الدين الأيوبي”.

وأضاف: “كل ذلك يقتضي بأن نقف مع هذه القضية بكل إمكانياتنا، وأن نصف كل من يخون هذه القضية باسمه الحقيقي (الخائن)”.