“ينبغي القول للحكام في السعودية إن تقسيم العراق سيؤدي إلى تقسيم السعودية وهي أكثر دولة مؤهلة للتقسيم، مساحتها واسعة وخيراتها كثيرة. إذا قُسم العراق ستقسم السعودية.. هذا السيف سيصل إلى أعناقكم”، ما سبق كان تصريحا من حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، خلال كلمته بمناسبة الاحتفال بذكرى عاشوراء.

عادة، تكتسي تصريحات “نصر الله” السياسية، لا سيما خلال الاحتفالات والمناسبات الكبرى للحزب بغلاف من الاستعراض، فالأنصار والمستمعون له في هذه المناسبات يعدون بمئات الآلاف، إن لم يكن الملايين من المتعاطفين والمؤيدين داخل لبنان وخارجها.

لسان إيران

لكن لا أحد يستطيع أن يأخذ تصريحات “نصر الله” هذه المرة على محمل الاستعراض، فالرجل معروف أنه يتحدث باللسان والقلب الإيراني، بل إن تلك النوعية من التصريحات لا يجرؤ “نصر الله” على إخراجها إلا بعد تمريرها وفلترتها في طهران.

هل تهدد إيران بتقسيم السعودية، ردا على دعم الرياض لاستقلال كردستان وتقسيم العراق “الإيراني السيطرة والإدارة”؟ ما علاقة السعودية باستقلال الأكراد؟ الأمر فقط يؤثر على العراق، وفي المستقبل العاجل على تركيا وإيران وسوريا.

بالتالي لا يمكن فهم تصريحات “نصر الله” إلا على أساس التهديد، فإذا كانت السعودية فقط دعمت استقلال كردستان، فإن إيران ترى أنه بات لديها من القوة والنفوذ ما يجعلها تنفذ وتشرف على استقلال القطيف مثلا، أو الدمام شرقا، أو حتى جازان ونجران في الجنوب.

لدى إيران الآن قوة شيعية شعبية متعاظمة في القطيف ومناطق أخرى شرق المملكة، وإن كانت الرياض تقابلهم بالحديد والنار ولا تتسامح قيد أنملة مع تحركاتهم، إلا أن التطورات الإقليمية من جانب، وداخل البيت السعودي، من جانب آخر، لم تجعل لأحد سلطة التأكيد على أن الأوضاع ستظل تحت السيطرة.

التقسيم قريب

في الأساس، يرى مراقبون أن إرهاصات تقسيم السعودية قد بدأت، بعد ممارسات ولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان، والتي استعدى بها قطاعات واسعة من دائرة النفوذ والحكم والثروة هناك، ولا يبدو أنه قادر على لملمة الأمور مجددا بسهولة.

مضى زمن الملك عبدالله (أبو متعب) والذي كان محبوبا من الجميع، تقريبا، وجاء زمن سلمان، الذي استفز ابنه الكثيرين، وورط المملكة واستنزف ميزانيتها في شن حرب على الحوثيين باليمن، دون استعداد أو تخطيط، أصبحت نتيجتها الحالية استمرار للحوثيين في السيطرة على العاصمة صنعاء، بل وتنظيمهم هجمات على الحدود السعودية، وتوغلات داخل أراضي المملكة، وسط عمليات قتل وأسر للجنود السعوديين.

كان كلام “نصر الله” واضحا: “السعودية دولة واسعة، خيراتها كثيرة”، مضيفا بحزم: “إذا قسم العراق ستقسم السعودية”، المقايضة باتت واضحة إذن، وإيران لن تصمت على ما اعتبرته دعما سعوديا لاستقلال كردستان، وذلك رغم أن “نصر الله” تحدث عن  أن كل “المعطيات الضمنية” تشير إلى أن السعودية تدعّم تقسيم العراق من خلال دعمها استقلال إقليم كردستان العراق.

لا دليل واضح

كلام “نصر الله” يعني أن المملكة كانت حريصة على ألا تبرز أنيابها وهي تضحك على استقلال كردستان واقتطاع جزء مهم ملئ بالثروات من يد الحكومة العراقية ذات الهوى الإيراني، والتمهيد لإنشاء دولة كردستان الكبرى، التي ستقتطع مساحات من إيران نفسها أيضا، لكن كل ذلك لن يمنع إيران – على ما يبدو – من محاولة الانتقام.

الساحة الداخلية للسعودية مغرية بالانتقام، فهي غير موحدة خلف سلمان أو نجله الأهوج، الذي يصر على كسب الليبراليين والعلمانيين فقط، واستعدى في مواجهتهم تيار الإسلام الوسطي المحسوب على الإخوان والذي يمتلك جماهيرية كبيرة بالمملكة، باعتقالات سبتمبر، وأتبعه باستعداء تيار الوهابية الذي تقاسم النفوذ مع آل سعود، بقرار السماح للمرأة بقيادة السيارة.

إيران تقترب

تعودت إيران أن تصل لأهدافها بصبر، وإن كانت طهران قد وضعت تقسيم السعودية كهدف، فإنه ليس وليد تصريحات “نصر الله”، ولا ردا على دعم الرياض لاستقلال كردستان العراق، وإنما هو هدف شديد الأهمية كانت إيران تتحين الفرص لتحقيقه، ويبدو أن غضبها من استقلال الأكراد بدعم “ضمني” سعودي قد يدفعها لاستعجال الانتقام، ورغم أن التعجل ليس من سمات إيران، بدليل تحركاتها بالمنطقة خلال السنوات الماضية، إلا أن السعودية لها إغراء خاص في عيون حكام طهران، وهي هدفهم الأعلى منذ البداية.

شيعة الشرق والجنوب

التعداد الشيعي داخل المملكة يتراوح بين 2 مليون، بحسب المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات (ICG)، وهو تعداد أصدرته المجموعة عام 2005، لكن كتاب شيعة يؤكدون أن العدد حاليا يناهز 5 ملايين شيعي، من بين 20 مليون مواطن سعودي، أي ربع عدد المواطنين تقريبا.

ويتركز الشيعة بالمنطقة الشرقية، لكن لهم تواجد أيضا في المنطقة الجنوبية، فـ”نجران” بها شيعة إسماعيلية، وهناك بعض المناطق في الوسط التي يقطنها شيعة، لكن بأعداد قليلة.

ومثلت “معركة العوامية”، والتي وقعت بين القوات السعودية، منذ شهور قليلة، ومسلحين شيعة، شرق المملكة، دليلا إضافيا على شوكة محتملة للشيعة هناك، فالمسلحين أتعبوا القوات السعودية، والتي لم تستطع اقتحام المدينة لأسابيع، سقط خلالها العديد من القتلى والجرحي في صفوف السعوديين.

هناك أيضا انتعاش للنشاط الحوثي على الحدود اليمنية السعودية، ويتحدث مراقبون عن عمليات إغارة متكررة للحوثيين في العمق السعودي، تسبب في سقوط قتلى وجرحى في صفوف الجنود السعوديين المرابطين بالحد الجنوبي، وأدت مؤخرا إلى توقف الدراسة في بعض مناطق جازان، بسبب اشتداد المعارك وتوالي المقذوفات الحوثية.

تثوير جبهتين

بالفعل تستطيع إيران الآن تثوير جبهتين مشتعلتين داخل المملكة، إن أرادت، مستغلة عدم الاصطفاف الداخلي السعودي، بسبب معركة “بن سلمان” الداخلية مع الأمراء ومشايخ الوهابية، وحتى رموز الإسلام السياسي ودعاة الوسط.

الآن على “بن سلمان” أن يعلم جيدا أن إيران تهدد صراحة بالنفاذ إلى السعودية من مسام الاختلافات التي تتسع يوما بعد يوم بسبب سياساته، وأن هناك تحد جديد قد أضيف أمامه، وأن المملكة باتت أحوج هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى، لتحقيق حالة اصطفاف داخلي، وأن تعويله الكامل على دعم الولايات المتحدة والغرب وحمايته من إيران ليس مضمونا، وأن إدخال تركيا كخصم للمملكة بجوار إيران، هو خسارة وليس مكسب، فحتى وقت قريب كانت العلاقات التركية الإيرانية متوترة، والآن يبدو الأتراك متقاربين مع الإيرانيين.. فهل يفهم الفتى “الأهوج” الحالم بعرش مملكة “مهددة” بسبب أفعاله؟