كتب- باسم الشجاعي:

على ما يبدو أنَّ النجاحات الدبلوماسية التي تُحقِّقها الدوحة منذ الأزمة الخليجية التي دخلت عامها الثاني، مازالت تزعج دول الحصار وعلى رأسها مصر، التي حاولت من خلال أذرعها الإعلامية تشويه زيارة أمير قطر لدولة فرنسا مؤخرًا.

فقد أفردت صحيفةصوت الأمةالمصرية (خاصة)، تقريرًا لمهاجمة قطر وأميرها، تحت عنوان: (“رجال تميم” في المجتمع المدني يستبقون زيارته إلى فرنسا بتشويه صورة مصر).

وجاء تقرير الصحيفة المصرية- على ما يبدو- ردًا على  بيان المنظمات “غير حكومية” المهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان، والمؤلَّف من 64 صفحة، والذي اتهم فرنسا ببيع أسلحة وآلات ونظم مراقبة للقاهرة لمدة خمس سنوات ماضية استخدمها نظام قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي”، فيما أسمته بـ”سحق الشعب المصري”.

والبيان أصدره كل من “الاتحاد الدولي لرابطات حقوق الإنسان، ومعهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ورابطة حقوق الإنسان ومرصد الأسلحة”.

لماذا انزعجت مصر؟

والغريب في الأمر أنَّ الصحيفة حاولت ربط التقرير بزيارة أمير قطر؛ حيث زعمت أنه جاء استباقًا لزيارة “تميم بن حمد آل ثاني” للرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، بالرغم من أنّ التقرير الحقوقي صادر عن جمعيات مجتمع مدني مصرية وأجنبية، وليس لها علاقة بالدوحة من قريب أو بعيد.

ولكن يبدو أنَّ للصحيفة المصرية دوافع أخرى، وهو ما كشفته صحيفة “كورييه إنترناسيونال” الفرنسية، التي قالت إنَّ “شفافية وسيادة قطر، تسبّب في إزعاج جيرانها في الإمارات العربية المتحدة والسعودية والبحرين ومصر”.

ومصر ومعها دول الحصار يعانون من تآكل تدريجي في سمعتهم داخليًا وخارجيًا، على مستوى حقوق الإنسان، بالرغم حملات العلاقات العامة باهظة الثمن التي يقومون بها لتحسين صورتهم.

ولعلَّ التقرير الحقوقي الذي صدر مؤخرًا عن الوضع الحقوقي في القاهرة وتزامن مع زيارة أمير قطر لفرنسا “زاد من الطين بلة”، وهو ما قد يدفع الرئيس الفرنسي لإعادة النظر في الدعم الذي يُقدِّمه لمصر.

كما أنَّ مصر تخشى من عرقلة صفقات الأسلحة بينها وبين فرنسا، وهو ما بدا واضحًا في تأخير إتمام صفقة طائرات “رافال” بين باريس والقاهرة، حتى الآن، وهو ما نجحت فيه الدوحة من خلال زيارة أميرها لفرنسا على عكس مصر.

فقد أوضح الرئيس الفرنسي خلال الزيارة أنه لدى بلاده علاقة استراتيجية مع الدوحة، وأنها “تعززت برؤية وأهداف مشتركة”، مضيفًا أنَّ “هذه العلاقة الاستراتيجية ترجمت عمليًا من خلال صفقة طائرات رافال”.

وعلى ما يبدو أن فرنسا تتهرب من تزويد مصر بمزيد من الأسلحة، فبحسب صحيفة “لاتريبون” الاقتصادية الفرنسية، فإنّ باريس رمت الكرة في ملعب الولايات المتحدة اﻷمريكية، وقالت: إن “واشنطن ترفض تصدير أجزاء خاصة بصاروخ “SCALP EG” لفرنسا، لتركيبها على طائرات الرافال التي اقتنتها حديثًا”.

“خبطتين فى الراس توجع”

ويأتي ذلك أيضًا في الوقت الذي تعاني فيه مصر من توتر “مكتوم” في الأوضاع مع فرنسا.

فبالتزامن مع زيارة أمير قطر، كشف المحققون الفرنسيون عن سبب تحطم طائرة شركة مصر للطيران فوق البحر المتوسط في مايو 2016 أثناء رحلة من باريس إلى القاهرة، وهو الحادث الذي أوْدَى بحياة كل من كانوا على متن الطائرة وعددهم 66 شخصًا؛ حيث قالوا: إن “حريقًا في قمرة القيادة وراء الحادث”.

ويتناقض هذا التحليل مع تقييم كانت السلطات المصرية قد أشارت فيه إلى أن قنبلة ربما تسبَّبت في الحادث، وذهبت هيئة التحقيق في حوادث الطيران الفرنسية (بي.إي.إيه) إلى أبعد من ذلك، في تصرف نادر، عندما وجّهت انتقادات للتحقيق في حادث تحطم الطائرة الذي تجريه دولة أخرى؛ إذ قالت في بيان لها: إنَّ السلطات المصرية لم تبدِ تجاوبًا مع مطالب بمزيدٍ من التحقيقات.

ويثير بيان الهيئة الفرنسية الاستغراب، لأنه من غير المعتاد أن يدلي محققون بتعليقات علنية على قضية يُشْرِف عليها نظراؤهم من دولة أخرى، وفي حالة أي اختلاف في الرأي لا يجري التعبير عنه عادة في العلن، وهذه التصريحات العلنية تكشف، بالتالي، عن خلافات حادّة.

انتصار جديد لقطر

من المؤكد أنَّ زيارة أمير قطر لفرنسا، جاءت مخيبة لآمال رباعي الحصار؛ حيث رأى الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، خلال لقائه بأمير قطر، الشيخ “تميم بن حمد”، أنَّ الدوحة شريك أساسي في مكافحة الإرهاب والتطرف في الشرق الأوسط”.

ما يعني أن باريس أرادت أن تؤكد موقفها السابق من الأزمة الخليجية والذي ارتأت أن تقف على مسافة واحدة من طرفيها رغم الجهود المبذولة، التي استخدمت كافة أنواع الضغط، لدفع العواصم الأوروبية إلى تبنّي وجهة نظر أحادية تخدم أهداف وأيديولوجيات دول الحصار على قطر.

كما شدَّد الرئيس الفرنسي على دعمه لوساطة الكويت بشأن الأزمة الخليجية، قائلًا: “لا بدَّ من حلها عبر الحوار..  فرنسا ستواصل الحديث إلى كل أطراف الأزمة الخليجية”.

كذلك أكّد “ماكرون” على أنّ “قطر شريك مهم لنا لتحقيق السلام في مناطق عدة من الشرق الأوسط وإفريقيا”، وأنها “رائدة في التدابير المتخذة لمكافحة التطرّف والإرهاب”.

وباعتراف الرئيس الفرنسي بشراكة قطر في مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، بات اعتماد دول الرباعي الحصار على عامل الوقت لإضعاف الموقف القطري دوليًا، وتشويه صورته إقليميًا، بإلصاق تهم الإرهاب ودعم التنظيمات المتطرفة -“خاسِرًا”.

في الوقت نفسه، اعتبر أمير قطر أنَّ “كثيرًا من المعلومات والأمور التي يتم تداولها ضد دولة قطر ليست صحيحة”، مطالبًا بـ”رؤية ما تقوم به قطر على أرض الواقع من أجل السلام العالمي والمنطقة”.

 

الحوار الحل

الرئيس الفرنسي، جدَّد دعم بلاده للمرة الثانية لوساطة أمير الكويت الشيخ “صباح الأحمد”، لحلّ الأزمة الخليجية، قائلًا: “لابدَّ من حلها– أزمة قطر- عبر الحوار”. كما وعد بمواصلة الحديث إلى كل أطراف الأزمة من أجل حلها، وهو ما يتّسق مع الخط العام لدولة قطر، على عكس رغبة الرباعي العربي، ويعتبر موقف “ماكرون” دليلًا على تقدير القيادة الفرنسية لحيوية دور قطر في المنطقة.

ولكن حتى يومنا هذا لم تنجح جهود إقليمية ودولية في التوصل إلى حل للأزمة الخليجية التي بدأت في 5 يونيو من العام الماضي 2017، عندما قطعت السعودية ومصر والإمارات والبحرين، علاقاتها مع قطر، وفرضت عليها حصارًا دبلوماسيًا واقتصاديًا بزعم دعمها للإرهاب، وهو ما نفته الدوحة بدورها، مؤكدة أنها تواجه حملة افتراءات وأكاذيب.

وتسعى دول الحصار وخاصة الإمارات إلى تقويض أي مبادرات لحل الأزمة عن طريق الحوار القائم على احترام السيادة، وتشويه سُمْعة قطر في مؤتمرات وندوات دولية مشبوهة.

مكاسب متبادلة رغم الحصار

العامل الاقتصادي لم يغِبْ عن الزيارة؛ فبرغم الحصار المفروض على قطر، فقد تمّ توقيع عقود تزيد قيمتها على 9.5 مليار يورو بينها طلب شراء الدوحة 12 طائرة مقاتلة فرنسية من طراز “رافال” لإكمال الأسطول الجوي القطري الذي يتضمن 24 أخرى تمّ شراؤها عام 2015.

كذلك، طلبت الدوحة شراء المئات من العربات المدرعة وبناء مترو للأنفاق، لتعتبر فرنسا رابع الوجهات المفضلة للاستثمارات القطرية النشيطة في الخارج، بعد بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة، ووصلت إلى ما يقرب من 25 مليار يورو عام 2016.

وتحظى فرنسا أيضًا بمشاريع كثيرة في قطر في مجال البنية التحتية ومشاريع لتحلية المياه، ومشاريع خاصة بمنشآت مونديال 2022 والتنسيق الأمني بين البلدين في التحضير لهذا المحفل الدولي الكبير.

لماذا تدعم فرنسا قطر؟

وعن أسباب دعم فرنسا لقطر، يرى صالح بن عفصان، رئيس تحرير جريدة الراية، أن كلمة السر في استمرار زخم العلاقات القطرية الفرنسية بذات وتيرتها التي بدأت بها منذ عشرات السنين، هي صدق المواقف والتوجهات، وسلامة السياسات، والوقوف إلى جانب الحق.