كما كان تعيين ريما بنت بندر سفيرة للمملكة العربية السعودية بواشنطن، مفاجـأة للبعض، كان الأمر متوقعا عند آخرين، ولكن كلا الفريقين وقف أمام القرار متسائلا بصوت واحد: هل يمكن أن تنجح بنت بندر في المهمة؟

أما المهمة التي يعنيها كلا الفريقين، فهي تبييض وجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لدى الرأي العام الأمريكي، فالأمير الشاب الطامح أراد بالقرار أن يصطاد أكثر من عصفور بحجر واحد، فهو يقدم للغرب أول سيدة سعودية تتولى هذا المنصب الهام، ليؤكد للجميع أنه منفتح على الجميع، وأنه يقود لواء تحرير المرأة السعودية، ونقلها لمكانة أخرى غير التي كانت عليها قبل سنوات قليلة.

أما الحجر الثاني الذي يريده ابن سلمان من هذا القرار، فهو متعلق بشخصية ريما نفسها، وإلى من تنتمي، فهي ابنة واحد من صناع السياسة السعودية لدى أمريكا لسنوات طويلة، كما أن والدها بندر بن سلطان، هو مهندس العلاقات الأمريكية السعودية، ومن خلاله وضعت أمريكا يدها على مفاصل الحكم بالجزيرة العربية، ومن خلاله أيضا اطمأن آل سعود على عروشهم نتيجة الحماية والرعاية الأمريكية، التي كان يديرها رجل الـ cia القوي في المنطقة العربية.

كما لا يخفى عن المتابعين أن بندر الأب، واحدا من أبرز القيادات السعودية التي فتحت خطوط اتصال مباشرة مع إسرائيل منذ سنوات بعيدة، وهو الذي صاغ فكرة مبادرة السلام العربية في عقل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.

ريما أبو ظبي أم الرياض؟

عدد من المتابعين لقرار تعيين ريما بنت بندر في هذا المنصب الهام بالولايات المتحدة، أكدوا أن يد ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ضالعة في هذا القرار، في إطار سيطرته على عقل ولي العهد السعودي، الذي أصدر القرار في غيبة أبيه الذي كان يشارك في القمة العربية الأوروبية بشرم الشيخ.

وحسب هؤلاء فإن القرار بتعيين ريما فكر فيه بن زايد قبل شهرين بأبو ظبي عندما التقى بالأميرة السعودية في ديسمبر 2018، وهو القرار الذي يأتي في ظل خطوات عديدة لمحاولة تجميل وجه ابن سلمان لدى الرأي العام الأمريكي، الذي يحمله مسؤولية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي قبل عدة أشهر بسفارة بلاده باستنابول.

ووفقا للقراءة السابقة فإن الهدف من تعيين ريما تحديدا ليس فقط لتحسين صورة بن سلمان في قضية خاشقجي، وإنما كذلك لتجميل وجهه بعد اتهامه بانتهاكات حقوقية في حق الناشطات السعوديات على شاكلة لجين الهذلول، وتزايد هروب الفتيات السعوديات الذي بدأته رهف القنون، نتيجة المعاملات الأسرية السيئة .

ووفقا لذلك فإن بن سلمان يريد كسر العزلة الدولية التي يعاني منها، ويستعيد الثقة مرة أخرى لدى الرأي العام الأمريكي والدولي، مستغلا في ذلك بنت بندر، التي تعد واحدة من الوجوه المقبولة أمريكيا، لآرائها المنفتحة في قضية ولاية الرجل، وحرية المرأة.

هل تنجح؟

رد فعل الرأي العام الأمريكي كان واضحا على القرار الأميري السعودي، حيث اعتبرت “كارين عطية” المحررة بصحيفة الواشنطن بوست أن ولي العهد بن سلمان يستخدم النساء بطريقة مثيرة للسخرية من أجل تبييض صورته في الغرب، مضيفة أنه كان من المفترض أن يطرد خالد بن سلمان شقيق ولي العهد وسفير السعودية السابق في واشنطن وذلك بسبب كذبه ونشره معلومات خاطئة حول مؤامرة اغتيال خاشقجي التي تم تنفيذها داخل قنصلية بلاده بإسطنبول في الثاني من أكتوبر 2018، وأكدت عطية في سلسلة تغريدات نشرتها على حسابها الرسمي بموقع تويتر على ضرورة استجواب ريما بنت بندر بن سلطان سفيرة السعودية الجديدة لدى واشنطن، حول النساء السعوديات المعتقلات في سجون المملكة .

وأشارت كارين إلى أن السعودية تعيش حالة يأس بعد جريمة خاشقجي، وأن الأميرة ريم ستحاول الظهور أمام الجمهور لتخفيف الضغط وتحسين صورة السعودية، وعلى الرغم من أنها متحدثة جيدة إلا أن جرائم السعودية من قبيل اغتيال خاشقجي والانتهاكات التي شهدتها حرب اليمن وسجن الناشطات الإصلاحيات السعوديات، فهذه جرائم لا يمكن غسلها.

ورأت وسائل إعلام غربية أخرى أن تغيير السعودية لسفيرها في واشنطن جاء بعد توتر في علاقاتها مع الولايات المتحدة منذ مقتل خاشقجي، ما دفع عدد من نواب وأعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي لاتخاذ تدابير صارمة ضد السعودية، بسبب عملية القتل الوحشية، خاصة بعد اتهامات لولي العهد بأنه مسؤول شخصيا عن الحادثة، وحسب هذه التقارير فإن الأميرة ريما سوف تسير على خطى والدها الذي شغل منصب سفير السعودية في واشنطن من عام 1983 إلى عام 2005، وعاشت فترة كبيرة من طفولتها في الولايات المتحدة بسبب وظيفة والدها، كما حصلت على شهادة البكالوريوس في جامعة جورج تاون تخصص دراسات المتاحف.

لماذا هذه الأميرة

المحللون الذين تابعوا قرار تعيين الأميرة ريما بنت بندر، أكدوا أن اختيارها لم يكن فقط بسبب مواقفها من قضايا المرأة، أو لحضورها الدولي بآرائها وتصريحاتها التي تدعو للانفتاح على العالم الخارجي، وإنما لأن هذا التعيين يرسل بالعديد من الرسائل الداخلية والخارجية.

أما الرسائل الداخلية التي يريدها ابن سلمان من هذا القرار فهو التأكيد على أن جيل الأمراء الشيوخ، قد انتهى في المملكة، سواء بأشخاصه أو أفكاره، وأن مع محافظة البعض على الأفكار الوهابية المتحفظة، لم يعد لها وجود في منظومة الحكم الجديدة التي يديرها ابن سلمان.

وتأتي الرسالة الثانية لولي العهد من توقيعه على قرار تعيين الأميرة، بناء على تفويض والده الملك لإدارة شؤون المملكة في ظل غيابه للمشاركة في القمة العربية السعودية، وبن سلمان يريد بذلك أن يقول لمخالفيه ومعارضيه، أن القرار بيده وأنه الملك الفعلي في البلاد وليس والده الذي أصابه ألزهايمر، واصبح غائبا عن شؤون الحكم بشكل فعلي.

أما الرسالة الخارجية من هذا القرار، فهي متعلقة بالغرب، حيث يريد بن سلمان أن يستغل علاقات والد ريما الأمير بندر بن سلطان بمراكز وجهات اتخاذ القرار في الولايات المتحدة.

وحسب هذا الرأي فإن ريما ابنة ديبلوماسي محنك تولى المنصب نفسه طوال أكثر من 22 سنة، وأقام لنفسه موقعاً نافذاً في أروقة البيت الأبيض والكونجرس، ولذلك فإن تعيينها رئيسة للدبلوماسية السعودية في واشنطن، محاولة لاستعادة خطى والداها الذي استمر سفيراً في الولايات المتحدة من 1983 إلى 2005.

ولذلك فإن تعيينها في هذا المنصب الهام بواشنطن، سوف يفتح آفاقا جديدة، لشكل علاقة النظام السعودي الجديد، مع مراكز التأثير الأمريكية، خاصة وأن الأميرة عضوا أصيلا في رسم ملامح خطة بن سلمان التي أطلقها تحت شعار “رؤية 2030″، ومن هنا فإن هذا التعيين يعكس مسعى الرياض لفتح صفحة جديدة في العلاقات بعد التوتر السائد منذ مقتل خاشقجي، مع تأكيدها المضي في إصلاحاتها الاجتماعية.

وهو الدور الذي اعتبره المراقبون مرسوما على ابنة الأمير بندر بن سلطان، الذي يعد أحد الشخصيات البارزة في الدبلوماسية السعودية، وكان له تأثير وحضور في نسج شبكة علاقات نافذة مع مواقع القوّة والنفوذ والمراكز العليا في واشنطن، كما أقام علاقة خاصة جداً مع وسائل الإعلام الأميركية.