العدسة_ موسى العتيبي

عقب كل هجوم مسلح أو تفجير يستهدف قوات الجيش المصري في سيناء، أو يطال أحد الكنائس المصرية، يخرج  رأس السلطة في مصر”عبد الفتاح السيسي” في خطاب إعلامي سريع، يعزي فيه القتلى ويتوعد بالثأر لدمائهم، ويؤكد عزيمة وقوة الأجهزة الأمنية في التصدي للإرهاب.

لكن أمرا غريبا وتصرفات مثيرة للجدل شهدتها مصر عقب عملية قتل واستهداف ضباط الشرطة في الواحات بالقرب من محافظة الجيزة، فلم يخرج السيسي ليعزي ضحايا الشرطة، ولم تعلن الدولة الحداد، ولم ينكس العلم المصري، ولم يعزِ وزير الدفاع الضحايا، ولم تقم جنازة عسكرية مهيبة لضحايا الشرطة.

مازاد من التباس الأمر هذه المرة، أن أعداد الشرطة الذين قتلوا في هجوم الواحات كان كبيرا للغاية مقارنة بأعداد القتلى السابقين في هجمات سابقة، حيث وصل عددهم إلى 58 ضابطا وجنديا وفقا لوكالات وصحف أجنبية، و16 ضابطا وجنديا، وفقا لبيان وزارة الداخلية.

ضخامة العدد، ورتب القتلى، كانت تستدعي من الدولة أن تتعامل على قدر الحدث، وهو مالم يحدث؟ الأمر الذي عزز من وجود علامات استفهام حول الحادث وطرح تساؤلات واسعة تبحث عن إجابة.

الموقف الرسمي الغامض

الأسئلة الأولى المنطقية والمشروعة في هذا الحادث تتعلق بموقف الدولة بشكل عام وموقف السيسي بشكل خاص، حيث بدا السيسي متجاهلا الحادث بشكل غريب، والأغرب أنه حرص على إظهار هذا التجاهل.

فعلى سبيل المثال ترك السيسي الأحداث مشتعلة في الواحات وضباط الشرطة يتساقطون ضابطا تلو الآخر وذهب، بكامل أعضاء حكومته، ليحتفل بالذكرى الـ 75 لمعركة العلمين الثانية، التي دارت أحداثها عام 1942.

وزير الدفاع كان برفقة السيسي ولم يقطع الزيارة لمتابعة الأحداث، لكنهما ظهرا في أكثر من مشهد والابتسامة تعلو وجوههما.

” محمود حجازي ” و ” السيسي ” و ” صدقي صبحي “

أما رئيس الأركان محمود حجازي، فكان مشغولا بالتجهيز للسفر إلى واشنطن، لحضور مؤتمر دولي عن محاربة الإرهاب، دون أن يعلق بكلمة واحدة عن الحادث.

ماسبق جعل باب التساؤل مفتوحا: فلماذا كل هذا التجاهل من السلطة؟ ولماذا لم يخرج السيسي ببيان حماسي كما اعتاد عقب كل حادثة؟ ولماذا لم تعلن الدولة الحداد كما أعلنت في مواقف مشابهة؟ ولماذا لم تصدر الرئاسة حتى الآن بيانا يدين الحادث أو يؤكد دعمها للشرطة؟!

مراقبون قالوا إن كل هذا التجاهل، كان متعمدا لإيصال رسالة شديدة اللهجة إلى الداخلية بأن الدولة بقواتها المسلحة التي هي على رأس السلطة، قادرة على ترك جهاز الشرطة فريسة للعمليات الإرهابية، وأنه حال اتخاذ بعض قيادات الشرطة قرارا أن يسيروا على خلاف هوى الدولة، فيمكن أن يكون مصيرهم مصير من قتلوا في حادثة الواحات.

الرسالة وإن كانت شديدة الصعوبة، إلا أن مراقبين يؤكدون أن الخلاف القديم المتجدد بين الشرطة والجيش، يمكن أن يكون هو اللاعب الأساسي في تلك العملية، خصوصا وأن من يدير الأجهزة الأمنية في مصر بعد تولي السيسي هو جهاز المخابرات الحربية الذي يدين بالولاء والتبعية للسيسي، في حين أن هناك من يتحدث أن بعض قيادات الداخلية لاتزال تدين بالولاء لمبارك ومن بعده نجله “جمال” الذي يفكر في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وفقا لمقربين.

” وائل الإبراشي “

 

” عمرو أديب “

 

” لميس الحديدي “

 

” أحمد موسى “

الموقف الإعلامي المرتبك

تساؤلات أخرى مشروعة تتعلق بموقف الإعلام المصري المرتبك من تلك الحادثة، حيث باتت وسائل الإعلام الرسمية والفضايئات الخاصة، في حالة إرتباك شديد.

ومن خلال متابعة وسائل الإعلام على مدار اليومين الماضيين، بدى واضحا أن الارتباك هو من ساد الأوساط الإعلامية المصرية، فقد اختلفت تلك الوسائل حول طبيعة ما جرى وأعداد قتلى الشرطة، كما اختلفت في تحديد المسؤول المحتمل عن الاشتباكات التي وقعت بمنطقة الواحات ما بين تنظيمات “المرابطون” و”ولاية سيناء” و”حسم”.

وبينما كانت وسائل الإعلام غير المصرية كـ “رويترز، والبي بي سي، وسكاي نيوز” تتحدث عن ارتفاع أعداد القتلى إلى 58، كانت القنوات المصرية تتجاهل الحادث، وتنتظر بيانات رسمية لم ترسل إليها إلا متأخرا.

ومع مرور 24 ساعة على الحادث والارتباك لازال سيد الموقف بالنسبة للإعلام المصري، اضطرت الهيئة العامة للاستعلامات الحكومية، إلى توجيه احتجاج شديد اللهجة إلى كل من وكالة “رويترز” وشبكة “بي بي سي” حول حادث الواحات، وقالت الهيئة إن “إعلان تلك الوسائل الإعلامية أن عدد القتلى من قوات الشرطة قد بلغ 52 شهيدا منهم 23 ضابطا استنادا إلى مصادر أمنية لم تحددها لا يليق من الناحية المهنية باثنتين من كبرى وسائل الإعلام في العالم”.

لكن الإعلامي المقرب للنظام أحمد موسى، زاد موقف الإعلام غموضا وارتباكا، حين  أذاع خلال برنامجه “على مسئوليتي”، تسجيل صوتيا لطبيب بمستشفى العجوزة، ينقل من خلاله شهادات مصابي هجوم الواحات.

لكن الغريب في الأمر أن التسجيل كان بمثابة “إحراج شديد  لوزارة الداخلية وفقا لمراقبين” حيث كشف التسجيل عن خيانة جرت في صفوف أفراد الشرطة، وأنهم وقعوا ضحية كمين تم تنفيذه بكفاءه عالية، وأن أفراد الشرطة ليسوا مدربين على القتال وأن بعضهم بكى وآخرون سلموا سلاحهم، وأن مقاومتهم كانت ضعيفة للغاية.

التسجيل أكد أيضا أن نحو 10 إلى 12 مسلحا فقط نجحوا في السيطرة على القوة الشرطية التي كانت مكونة من نحو سبعين ضابطا وجنديا، وأنهم كانوا يقتلون الضباط ويكتفون بإصابة الجنود.

تسجيلات أحمد موسى تزامن معها تلميحات بشأن  خيانة جرت في صفوف الشرطة، لمح بها الإعلاميون المقربون من السلطة وائل الإبرشي، وعمرو أديب.

“الداخلية” وجدت نفسها كأنها الجاني والضحية في آن واحد، ما اضطرها لإصدار بيان  نفت فيه صحة التسجيل الذي أذاعة أحمد موسى، معتبرة أن نشر مثل تلك التسجيلات على هذا النحو يهدف لإحداث حالة من البلبلة والإحباط في أوساط وقطاعات الرأي العام ويعكس عدم مسؤولية مهنية.

في المقابل تحرك مجلس نقابة الإعلاميين للدعوة إلى عقد اجتماع طارئ لمناقشة ما أسماها التجاوزات والخروقات التي حدثت خلال برنامج موسى في حلقته بشأن حادث الواحات وسط توقعات بإيقاف بث البرنامج.

فمن أعطى التسجيلات لـ”أحمد موسى” كي يبثها لإحراج الداخلية؟ ومن قرر محاكمته لأنه أحرج الداخلية؟ ومن المسؤول عن تجاهل الإعلامي المصري للحادث، ثم معاودة الحديث عنه بعد 48 ساعة من وقوعه؟!

” سامي عنان ” و ” أحمد شفيق “

الخيانة.. شفيق وعنان

الارتباك السياسي والأمني والإعلامي، تزامن معه ظهور شخصيات عسكرية، تحسب على أنها في طرف معاد للسيسي، تنتقد حادث الواحات، وتسأل عن غياب دور الدولة، وتتطرح تساؤلات متنوعة عن الحادث.

أحمد شفيق، المرشح المحتمل للرئاسة الجمهورية، والمقيم في الإمارات استنكر الحادث متسائلًا: “ما هذا الذي يحدث لأبنائنا؟، هم على أعلى مستويات الكفاءة، هل ظلمتهم الخيانة، أم ضعف التخطيط لهم، أم كل الأسباب مجتمعة؟”

حديث شفيق عن خيانة حدثت، دون أن يشير تحديدا إلى من هو الخائن، كان مثيرا للجدل، خصوصا وأن شفيق اعتاد في الفترة الأخيرة على انتقاد نظام السيسي بشكل مستتر.

وتساءل في تغريدة نسبت له عبر حسابه الشخصي بالفيس بوك،  حدث بالأمس للقوة الأمنية التي كانت بصدد تنفيذ مهمة في المنطقة المتاخمة للكيلو 135 طريق الواحات هل ظلمتهم الخيانة أم ضعف التخطيط أم كل الأسباب مجتمعة وأستكمل كلامه أن ما حدث كان عملية عسكرية كاملة الأركان .

اللافت أن معنى الخيانة ذاته، تحدث عنه أيضا الفريق سامي عنان، المرشح المحتمل أيضا للرئاسة الجمهورية، حيث طالب “عنان” بالبحث عن الدوافع والأسباب من وراء الحادث، ووضعهما في سياقهما الصحيح كما تساءل هو أيضاً فى تغريدة نسبت له هل أبناؤنا ضحية الخيانة؟.

وبالعودة للتسجيل الصوتي الذي أذاعة أحمد موسى، يتضح أن “شهادات الجنود الناجين التي نقلها الطبيب المعالج لهم” تؤكد تأخر إسعافهم من قبل قوات الجيش، وتباطؤها بشكل كبير…

وهو ما يضع أيضا الكثير من علامات الاستفهام حول من خان من؟ وهل تم التضحية بالشرطة لصالح أهداف معينة؟ ومن قرر التضحية بهم؟ وكيف يتم الدفع بكل هؤلاء القيادات الشرطية في عملية وعرة دون أن تكون بصحبتهم قوات عسكرية تابعة للجيش، في حين أن الجيش يصحب الشرطة إن أرادت اقتحام قرية للقبض على بعض المعارضين فيها؟