يتداول في الأوساط التونسية حديث عن احتمالية عودة الرئيس، قيس سعيد عن قراراته الاستثنائية المتخذة مؤخرًا، وذلك في ظل تأخر واضح من الرئيس في إعلان الحكومة الجديدة التي وعد بتشكيلها، وفي ظل بيانات دولية تشير إلى أهمية عودة تونس إلى المسار الديمقراطي، الذي بدأت فيه منذ العام 2011، بعد الثورة.

وكانت قرارات الرئيس قد تضمنت تجميد اختصاصات البرلمان، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، من مهامه، على أن يتولى سعيد بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية. كما قرر إعفاء وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي، ووزيرة العدل بالنيابة، حسناء بن سليمان، من مناصبهم.

وبالتأكيد فإن تأخر تشكيل الحكومة أو حتى الإعلان عن اسم رئيسها، بعد نحو أسبوع من إجراءات 25 يوليو/ تموز، أصبح يطرح عدة تساؤلات في اتجاهات غير مطمئنة، خصوصًا وأن تونس في وقت تحتاج فيه لإدارة ملفات وطنية عديدة ومتراكمة، وعلى رأسها الملف الاقتصادي. وقد يكون ذلك التأخر بسبب عدم وجود خارطة طريق واضحة ومتفق عليها من قيس سعيد والأطراف والشخصيات التي تعمل معه، وبالأخص الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي هو أكبر مؤسسة نقابية في البلاد، والمشارك الفعال في الساحة السياسية التونسية.

ويرى مراقبون أن سبب هذا التأخر هو أن “الأسماء المعتبرة التي تحمل مشروعية مهنية أو تاريخية كثير منها لن ينخرط في حكومة لسعيد بمفرده، لأنها ستعتبر حكومة انقلاب، ويجد سعيد نفسه مجبرًا على الإتيان بشخصيات مجهولة سياسية بحجة أنه ينوي تشكيل حكومة تكنوقراط”.

تأخر لترتيب الإجراءات وليس للإلغاء

وعلى هذا، فإن تأخر تشكيل الحكومة في نظر البعض ليس دلالة على نية سعيد التراجع عن القرارات، حيث يرون أنه من الصعب العودة عن قرارات 25 يوليو، بل إن السبب ربما يرجع لتفاصيل اختيار الحكومة الجديدة.

ويبدو أن هناك اتفاقًا بين المراقبين للشأن التونسي أن الإجراءات التي اتخذها سعيد قبل نحو أسبوع من الصعب جدًا العدول عنها. لكن الخلاف حول كون الحكومة الجديدة متفق عليها بين الرئيس والبرلمان أم لا. وفي هذا، يرى البعض أن قيس سعيد مُجبر بفعل ضغوط داخلية وإقليمية على أن يختار حكومة وفق خريطة الطريق التي سيعلنها الاتحاد العام التونسي للشغل، لأنه في حال عدم التنسيق مع الاتحاد والمجتمع المدني والمجتمع السياسي.. ستصطدم هذه الحكومة بالبرلمان.

حيث إنه بمجرد إغلاق باب تفعيل الفصل 80 من الدستور، ستجد الحكومة نفسها أمام البرلمان الذي يطعن فيها، لذلك فإن الحل الذي يرجوه كثيرون هو أن تجد الحكومة قبولًا أو عدم رفض لتصبح الحكومة شرعية من وجهة نظر البرلمان.

وحول هذه الفكرة التي تتحدث عن الاتفاق مع البرلمان حول الحكومة المقبلة، عبر رئيس مجلس النواب التونسي، ورئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، عن استعداد حزبه لأي تنازلات من أجل إعادة الديمقراطية، مشيرًا إلى أن الدستور أهم من تمسك حزبه بالسلطة. ونبّه الغنوشي في الوقت ذاته إلى أنه إن لم يكن هناك اتفاق بشأن الحكومة المقبلة، فإنه سيدعو الشارع للدفاع عن ديمقراطيته، وفرض رفع الأقفال عن البرلمان.

كما كشف الغنوشي عن أنه لم يُجرِ أي حديث مع الرئيس سعيّد أو مع أعوانه منذ صدور قرارات الرئيس، لكنه أضاف أنه ينبغي أن يكون هناك حوار وطني، وأن هناك محاولات لتحميل سلبيات المرحلة لحركة النهضة.

بيانات دولية قلقة من القرارات

وهناك عامل آخر مهم غير احتمالية أن يعطل مجلس النواب عمل الحكومة بعد رفع الحالة الاستثنائية في البلاد، وهو القلق الخارجي المتنامي من قرارات سعيد، حيث الإعلامي محمد اليوسفي عن مصادر حزبية تونسية قلق فرنسا من عدم إعلان سعيد عن خريطة الطريق.

وحسب تدوينة كتبها اليوسفي على “فيسبوك”، فإن السفير الفرنسي لدى تونس التقى، مساء الأربعاء الماضي، مع الأمين العام لحزب سياسي مقرّب من قصر قرطاج، وقال له صراحة إن فرنسا لن تتعامل مع أي حكومة في تونس مستقبلًا في حال لم يغلق الرئيس سعيد قوس التدابير الاستثنائية في غضون شهر، ما يعني إعادة البرلمان إلى وضعه الطبيعي. الأمر الذي اعتبره اليوسفي في تدوينته “تطورًا لافتًا للانتباه، إذ يعكس رسالة تحذير غير مباشرة موجهة لرئيس الجمهورية”.

كذلك، فإن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن كان أكثر وضوحًا في المطالبة بتشكيل حكومة وعودة البرلمان. حيث قال في مقابلة له مع قناة الجزيرة: “لدينا بواعث قلق حول انحراف ذلك المسار (الديمقراطي)، واتخاذ قرارات متناقضة مع الدستور، مثل إيقاف البرلمان”، مضيفًا أنه “حث الرئيس على العودة إلى المسار الديمقراطي في أسرع وقت”.

وحسب تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، فإنه يجب “تفعيل البرلمان، وأن تكون هناك حكومة تستطيع الاستجابة لمتطلبات الشعب”. وتابع بلينكن أن “سعيّد أعطى تفسيرًا طويلًا للإجراءات والتدابير التي اتخذها، وكذلك نواياه في المستقبل. وهي العودة بتونس إلى المسار الديمقراطي والتصرف بشكل يتسق مع الدستور”. كذلك أكد الوزير الأمريكي على ضرورة أن يُقرن الرئيس التونسي أقواله بالأفعال.

وتعليقًا على إغلاق مكتب الجزيرة في تونس، قال الوزير الأميركي “قلقون من استهداف حرية الصحافة ونقف مع حريتها”. وعبر بلينكن عن مخاوفه من إمكانية قمع أي شكل من أشكال حرية التعبير في تونس ولا سيما حرية الصحافة، وشدد على وقوف واشنطن بحزم مع حرية الصحافة في كل مكان وفي تونس بطبيعة الحال.

وفي ظل هذا الضغط أو الرفض الدولي، فإن العامل الخارجي ضروري في المعادلة، بجانب وجود العامل الداخلي المتمثل في البرلمان التونسي، ومؤسسات المجتمع المدني. وعلى هذا، فإن رجوع سعيد عن قراراته كلها مستبعد بشكل أو بآخر، إلا أن إشراك البرلمان في تحديد الحكومة القادمة يظل خيارًا متاحًا، لكن ليس مؤكدًا.