أيام قليلة تفصلنا عن الذكرى الثامنة عشر لوفاة الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، الذي وفاته المنية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 في باريس بعد صراع مع المرض وفي ظروف غامضة لا تزال محل تساؤلات حتى الآن، في حين يرى البعض أن وفاته جاءت طبيعية بسبب عوامل الشيخوخة، يؤكد آخرون أنه قُتل غدرًا بتواطؤ عدد من المحيطين به مع سلطات الاحتلال وحلفائهم في الغرب للتخلص من زعيم، اتفقنا معه أو اختلفنا، كانت حياته شوكة في حلق القائمين على المخطط الصهيوني الرافض لإقامة دولة فلسطينية حرة.

بعد ما يقرب من ست سنوات من وفاته، قررت اللجنة المركزية الجديدة لحركة فتح، وتحديدًا في 19 سبتمبر/أيلول 2010 تشكيل لجنة تحقيق في اغتيال الرئيس ياسر عرفات (أبو عمار)، عملًا بالتوصية التي صدرت قبل ذلك بعام أثناء المؤتمر العام السادس لحركة فتح لانتخاب قيادة جديدة للحركة.

في البداية، تشكلت اللجنة من اللواء توفيق الطيراوي كرئيس وعضوية كل من اللواء كمال الشيخ واللواء صائب العاجز والعميد نايف الجياوي، وبعد ذلك ضمت اللجنة شخصيات بارزة ومسؤولين سياسيين وأمنيين لمباشرة التحقيقات، ليصل العدد إلى 20 عضوًا، بالإضافة إلى أعضاء اللجان الفنية المنبثقة عن اللجنة الرئيسية: اللجنة الهندسية، اللجنة الطبية، اللجنة الإعلامية، اللجنة القانونية، وهي لجان فرعية متخصصة مهمتها مباشرة التحقيقات في هذه الجوانب الفنية للوقوف على نتائج دقيقة وتفصيلية.

وحسب قرار اللجنة المركزية لحركة فتح فإنه يحق للجنة التحقيق مساءلة كل من تجد الضرورة لمساءلته، وأن تستعين بمن تراه مناسباً من ذوي الكفاءة والخبرة لمساعدتها في التحقيق.

وعلى مدار السنوات الماضية، استدعت اللجنة المكلفة مئات الشخصيات السياسية والأمنية والحركية من العاملين والمحيطين بالأخ أبو عمار للتحقيق والاستماع وقد استغرقت هذه التحقيقات الاف الساعات من العمل والتحليل.

يستعرض هذا التحقيق أبرز ما جاء في تلك التحقيقات، وأهم الإفادات التي أدلى بها الأشخاص الذين استدعوا للتحقيق لسماع شهادتهم حول وفاة الراحل أبو عمار، والبحث فيما يعرفونه عن إمكانية تعرضه للاغتيال من عدمه.

الإفادات والتقارير والقرارات المتعلقة باللجنة سُربت عبر مجموعة من النشطاء على قناة خاصة على تطبيق “تليجرام” تُسمى “أيقونة الثورة”، الهدف منها كشف النقاب عن حقيقة ما تعرض إليه الراحل ياسر عرفات، ونشر الوثائق التي لا يُفهم لماذا لا تزال الجهات المختصة ترفض الإفصاح عنها.

الوفاة:

بتاريخ 04 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، نشرت وكالات الأنباء الغربية خبر موت الرئيس ياسر عرفات سريريًا (إكلينيكيًا) في فرنسا، لكن وسائل الإعلام الرسمية نفت ذلك، وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 أعلنت السلطة الفلسطينية رسميًا عن وفاته، وشُيع جثمانه في القاهرة ثم دفن في مقر المقاطعة في مدينة رام الله بعد الرفض الشديد من قبل حكومة الاحتلال لدفن عرفات في مدينة القدس كما كانت رغبة عرفات قبل وفاته.

الشبهات:

لم يتقبل المجتمع العربي والفلسطيني خبر وفاة ياسر عرفات بصورة طبيعية، بل أكدوا أنه بالتأكيد تعرض لعملية اغتيال، خاصة أنه لم يكن محبوبًا لدى الإسرائيليين الذين حاولوا بالفعل اغتياله في مناسبات سابقة، والذين حاصروه في الأشهر القليلة التي سبقت وفاته.

وحسب ما تُداول في وسائل الإعلام العربية وبين الخبراء والمحللين العرب والفلسطينيين، فإن وفاته كانت نتيجة لعملية اغتيال بالتسميم، أو بإدخال مادة مجهولة إلى جسمه، وعلى أبعد تقدير فإنه توفي نتيجة الإصابة بنوع من السم الطويل الأجل، أي أنه كان يُحقن به أو يتناوله (ربما في طعامه أو شرابه) قبل وفاته بفترة حتى تهاوت أجهزته فجأة وفارق الحياة.

تضاربت الأقوال كثيرا في وفاة ياسر عرفات، إذ يعتقد بعض الفلسطينيين والعرب بأن وفاته كانت نتيجة لعملية اغتيال بالتسميم، أو بإدخال مادة مجهولة إلى جسمه، فيقول طبيبه الخاص الدكتور أشرف الكردي إن وفاة عرفات نتجت عن تسميمه، وطالب بتشريح الجثة، مؤكدًا أن تحليل عينات الدم لا يكفي وحده للكشف عن الإصابة بالتسمم، مشيرا إلى أن الأمر في حاجة إلى تشريح للجثة وتحليل عينات الأنسجة، للتأكد من السبب الحقيقي على وجه اليقين.

وتعليقا على تفاقم النزيف الدماغي لدى أبو عمار، قال أشرف الكردي -طبيب عرفات- إن هذا النوع من النزيف ينتج عما يعرف بتكسر الصفائح الدموية، الذي يسببه التسمم، أو الإصابة بالسرطان، أو الاستخدام الطويل والمتكرر للأدوية.

 الحصار:

كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يؤمن بعملية السلام، ويطمح إلى تحقيقها، لكنه رُغم ذلك، كان يؤمن بحق شعبه وبلاده في الحرية والاستقلال، وكان -أحيانًا- لا يجد أي ضير من مقاومة الاحتلال، بل ويعتبره حق مشروع لكل فلسطيني.

عاصر ياسر عرفات رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل آريل شارون، وكانت بينهما عداوة مريرة وعدم توافق واضح، تفاقم بعد استفزاز شارون للعرب والمسلمين وتدنيسه للمسجد الأقصى، والذي على إثره اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي فجرت الصراع العلني بين الإسرائيليين وبين أبو عمار، وسعوا منذ ذلك الحين لعزله وإبعاده عن السلطة.

منعت إسرائيل أبو عمار من مغادرة رام الله، وعليه لم يحضر عرفات مؤتمر القمة العربية في بيروت في 26 مارس 2002 خشية ألا يسمح له بالعودة إذا غادر الأراضي الفلسطينية، ولم تمض سوى أيام قليلة، تحديدًا في 29 مارس/آذار، وحاصرته القوات الإسرائيلية داخل مقره في المقاطعة مع 480 من مرافقيه ورجال الشرطة الفلسطينية.

خلال فترة الحصار، اقتحم جيش الاحتلال المقاطعة عدة مرات وأطلق النار بصورة عشوائية، كما مُورست ضغوطات على الرئيس أبو عمار ليتنازل عن مواقفه الداعمة للانتفاضة والرافضة للاحتلال، لكنه أبدًا لم يتراجع عن مبادئه، حتى عند خذلان القادة العرب له وتوقف اتصالاتهم معه، لم يشجعه ذلك إلا على مزيد من التمسك بقراراته.

شنت الإدارة الأمريكية -بقيادة بوش الابن- وسلطات الاحتلال حملة شرسة لإقصاء أبو عمار عن السلطة أو إبعاده عن مركز القرار فيها بدعوى تحميله مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في أراضي السلطة الفلسطينية من تدهور، وبالفعل في 24 مايو/أيار 2002 طلب الرئيس الأمريكي جورج بوش تشكيل قيادة فلسطينية جديدة، ومع تزايد الضغط الدولي وانسداد الأفق السياسي اضطر عرفات للتنازل عن بعض صلاحياته لرئيس الوزراء محمود عباس، الذي شكل توليه المنصب بداية لسقوط ياسر عرفات، بخاصة مع تزايد اجتماعات ما يُسمى بـ “عمارة العار” التي خُطط بداخلها لأبشع مؤامرة ضد أبو عمار.

 قطعة لحم:

بدأت حالة الراحل أبو عمار في التدهور بصورة لم يُشفى بعدها قبل وفاته بأكثر من شهر ونصف، وحسب المقربين ممن استجوبتهم اللجنة، كما قال أكرم هنية -مستشار أبو عمار- إذ قال إن الرئيس عرفات أخبر المحيطين به -في أكتوبر/تشرين الأول 2004 أنه “أكل قطعة لحمة (أو يمكن دجاج ) أمس على العشاء وبعدها تعب وشعر بألم بمعدته ، وبعدها بدأت قصة مرض أبو عمار”.

أكثر من شخص تحدث في الإفادات عن تناول طعام فاسد، لكن لم يجزم أحد بأن هذا كان السبب وراء موته، بخاصة وأن الراحل كان يعيش في غرفة غير صحية بالمرة وفي ظروف صعبة بسبب الحصار، لكنهم تقريبًا تحدثوا عن وجود شبهة تسمم.

التسمم:

في إفادته، قال روحي فتوح – رئيس المجلس التشريعي في عهد ياسر عرفات- “لا يوجد تقرير حاسم في الموضوع، ولكن الأطباء الفرنسيين قالوا إنهم لم يكتشفوا أي من السموم المعروفة لدينا، ولكن أعضاء ابو عمار فتية، وهذه كانت شكوك عندهم والتقرير الفرنسي كان مسيس”.

أما أكرم هنية- مستشار ياسر عرفات- قال: “أنا لو لم يكن عندي معلومات عن السم لاعتبرت أن موته طبيعيًا بسبب أنه كان عمره77 سنه ممكن أنه يموت طبيعي، ولأن الغرفة التي كان يعيش بها لم تكن صحية ولا أحد يستطيع العيش بها، وأيضا لم يكن يرى نور الشمس… وهذا سبب يؤدي للوفاة لولا المعلومات حول قضية تسميم ياسر عرفات”.

نبيل عودة أبو ردينة مستشار الرئيس – وناطق رسمي باسم الرئاسة- حول هذا الأمر قال: “قبل شهرين ثلاثة من استشهاده جاء آمنون كابليوك – صحفي صديق لأبو عمار- وقال له في إسرائيل يبحثوا موضوع هل من المصلحة قتل عرفات أم لا.. فجميعهم قالوا نعم..  لكن أحدهم قال على ألا نترك أية بصمات”. وهو

وعند سؤاله: ما هو المبرر لدى إسرائيل بأن يسمموا أبو عمار وهو وصل عمره 75 سنة ومحاصر من قبلهم؟، أجاب أحمد عبد الرحمن -الأمين العام لمجلس الوزراء آنذاك-: “شالوم قالها سنتركه 6 أشهر يتعفن ويموت بالمقاطعة، وهو بعد 6 أشهر مات، وهذا يؤكد التسمم”.

حنان عشراوي، الوزيرة والمستشارة في عهد عرفات، قالت إنها ترجح أن وفاته حدثت لثلاثة أسباب معًا: الضغط النفسي والاكتئاب والسم، مؤكدة أن الأمريكان والإسرائيليين كانوا قد اتخذوا قرارًا بقتله منذ فترة طويلة وكانت مسألة وقت للتنفيذ.

 فيما قال إسماعيل أبو جبر- قائد الأمن الوطني في عهد عرفات “أرجح أنه قتل مسموماً من خلال أحد الأشخاص المقربين منه”.

 عمارة العار:

“أستطيع أن أؤكد لك أنه حتى اللحظة الأخيرة شكلت عمارة العار كابوس لأبو عمار وأحدثت فجوة كبيرة بينه وبين أبو مازن، هناك كثير من الأمور لا أستطيع البوح بها، في خط أحمر عند القيادة الفلسطينية”، كان هذا جواب نبيل أبو ردينة حين سُئل عن عمارة العار وأثرها على ياسر عرفات.

عمارة العار، أو هكذا كما كان يُطلق عليها الراحل أبو عمار، هي العمارة التي كان يُعقد فيها اجتماعات فريق محمود عباس، الذي فرضه الأمريكان على عرفات بعد الانتفاضة الثانية بطلب مباشر من جورج بوش الذي طلب بضرورة استبدال القيادة الفلسطينية الحالية بأخرى جديدة، وعليه توصل المعنيون إلى تشكيل مجلس وزراء برئاسة شخص تُمنح له صلاحيات الرئيس أو جزء كبير منها، واستقر الخيار على محمود عباس.

وفي تصريحات سابقة لحسن عصفور الوزير السابق ومنسق دائرة المفاوضات سابقا بمنظمة التحرير، فإن فصول المؤامرة بدأت منذ قدوم عباس وما سمي آنذاك بـ “فريق عمارة العار”، في إشارة إلى فريق رئيس السلطة محمود عباس في مقدمتهم عزام الأحمد.

وحول هذه المؤامرة قال حكم عمر بلعاوي- أمين سر اللجنة المركزية- حين سُئل من لجنة التحقيق: هل تعتقد أن الرسالة التي حملها أبو مازن إلى أبو عمار مما أطلق عليه “اجتماع عمارة العار” أثناء الحصار.. هل هو محاولة لإنقاذ أبو عمار من الحصار أم هو جزء من المؤامرة على أبو عمار؟

” لا ليس محاولة إنقاذ على الإطلاق، وإنما تنفيذ للمؤامرة على أبو عمار ولتهميشه وسحب البساط من تحت قدميه”.

أحمد قريع أبو علاء- تولى منصب رئيس الوزراء في عهد ياسر عرفات، قال عن اجتماعات عمارة العار: “هؤلاء مجموعة من قيادات فتح من ضمنهم أبو مازن كان لهم خط سياسي معروف عرضوا أفكارهم على أبو عمار وهو غضب بشدة واعتبر ذلك خيانة له، وأنا حسب وجهة نظري وحسب أدبيات فتح أعتبر أن هذا عيب وهو خطأ تاريخي يتحمله من شارك في هذه الاجتماعات”.

الضغط الأمريكي والخذلان العربي:

سُئل أكرم هنية عن ماهية طلبات كولن بأول -وزير خارجية إدارة جورج بوش- لياسر عرفات، والتي شكلًا ضغطًا كبيرًا عليه، وكانت وقت الحصار، وجاء الرد:

“طلبات سياسية وأمنية، طُلب منه عدة قضايا.. أولًا تؤدي إلى وقف الإنتفاضة، ثم تؤدي إلى تسليم كل المطاردين، ثم إلى إتخاذ إجراءات عسكرية وأمنية… لكن الحقيقة التاريخية أنه رجل كان للتاريخ.. لن يتنازل ولن يوقف الإنتفاضة ولن يقدم أي تنازل، كان لا شك عنده قدره على المناورة السياسية لكن هو اختار أن يترك إرثًا اسمه الصمود، يجب أن يصمد الفلسطيني لأنه بدليل الآن بعد ثمانية سنين لم يحصل شيء، هو قناعته عندما قُتل اربين أنها قُتلت عملية السلام، وقد أكون أنا الوحيد الذي حضر كل اجتماعات كامب ديفيد الحقيقية الكبرى، خرج أبو عمار من ذلك الإجتماع وهو يعلم أن المؤامرة قادمة والمعركة قادمة ولا يجوز للقائد الفلسطيني أن يهرب.. عليه أن يقاتل حتى يحافظ على الفكرة.. الصمود أولًا حتى تحين الساعة للحفاظ على المواقف الوطنية الفلسطينية”.

مع تزايد الضغط الأمريكي، وتشديد الحصار الإسرائيلي، تزايد خذلان القادة العرب للرئيس الراحل ياسر عرفات، حسبما أوضحت الإفادات، وهو الأمر الذي ساهم سلبًا في تدهور حالته النفسية، إذ أكد أكرم هنية ” ما كان أحد يتصل به وكان ذلك يسبب جرح كبير للأخ ابو عمار وكان أكثر لومه على حسني مبارك وعلى مصر لأنه كان يحب مصر”.

وأرجع هنية ضعف موقف أبو عمار دوليًا إلى تخاذل العرب في الدفاع عنه، إذ قال “لا شك أن هذا رفع الغطاء عنه بدليل آخر ستة شهور أو ثلاث أو أربع شهور لم يجرؤ رئيس عربي على الاتصال به… وآخر رئيس عربي اتصل به هو الرئيس مبارك قبل ثلاث أو أربع أشهر وقال له بالحرف الواحد وقد يكون هذا مسجلاً: أنصحك أن تسّلم السلطة وأنا أعرف عن ماذا أتكّلم”.

خذلان العرب لأبو عمار لم يكن وقت الحصار وحسب، بل قبل ذلك أيضًا، إذ سألت اللجنة أحمد عبد الرحمن: أريد منك أن تصف لي حالة ابو عمار النفسية عندما الغيت كلمته في مؤتمر القمة بلبنان؟

وأجاب: “لم يشعر في حياته بخذلان بأن العرب ضده كما شعر بذلك اليوم العرب لم يحضروا له اذن لكي يخرج لحضور القمة وكلمته منعت فطبعاً فمن وقت الاجتماع من الصباح الى حوالي الساعة 2 وهم يقولوا الكلمة ستنقل بالقمة وأجروا عدة اتصالات وبدأوا يتحججوا بأن هناك أمور فنية والكلام الفارغ إلى حين انتهت الجلسة وعرفنا أنهم لا يريدوان كلمة أبو عمار ومن ثم ألقاها بقناة الجزيرة، ولكن أصيب باحباط ليس له مثيل في ذلك الوقت”.

طعنة بروتس:

“هل تخلي القيادات الفلسطينية عن ياسر عرفات ساهم في رفع الغطاء عن أبو عمار؟”… وُجه هذا السؤال بأكثر من طريقة لمن استجوبتهم لجنة التحقيق، حول ذلك قال حكم البلعاوي: “بالطبع ساهموا، وكانوا يعتقدوا أنهم بمساهمتهم سيحققوا طموحاتهم الذاتية، وفعلاً جميع من تآمر على أبو عمار أصبحوا في مناصب سيادية وقاموا بتوزيع الكعكة على مريديهم”.

أما أكرم هنية رجح أنه يوجد شخصية سياسية شاركت في اغتيال أبو عمار، مشيرًا أنه “أي شخص سياسي شارك سيستفيد بالمستقبل… أي سياسي سيساهم بقتل ياسر عرفات سيكون له استفادة مباشرة، فابحثوا عن أي سياسي استفاد بشكل مباشر بعد وفاة أبو عمار”، مضيفًا ” أعتقد أن هناك عدد من الشخصيات السياسية الكبيرة قالت عن ياسر عرفات أنه عائق أمام عملية السلام…. من الممكن أن تكون الخلافات السياسية بين ياسر عرفات وبين القيادات الفلسطينية خلال السنوات الأخير قد وظفت في هذا السياق التسهيل لقتل عرفات”.

أما روحي فتوح فتحدث عن تأثر ياسر عرفات بخذلان القيادات الفلسطينية له، إذ قال: “لقد عتب كثيار على أنه من كان يدخل بالحصار ويخرج منهم لم يقوموا بالاتصال به وكانوا من أعضاء اللجنة المركزية وقال بأن اخوانك الموجودين خارجًا لم يتصلوا بي للإطمئنان علي وخاصة بالحصار، وكنا محاصرين بالعريش كنا نقوم بالاتصال به في كل لحظه وكان يقوم بالإجابة علينا وعندما يحتاجوا شيء اما يقوموا بالاتصال بي او إرسال شخص ما وكان يقصد الاخوان الموجودين خارجاً مثل ابو ماهر ومحمد جهاد وابو اللطف وأبو الأديب”.

“هل ممكن أن يصل التآمر في بعض القيادات الفلسطينية إلى درجة التحالف مع الغير”، وُجه هذا السؤال لحنان عشرواي، وأجابت: “بالطبع، وأنا اكتشفت أن المصالح الفردية والذاتية تطغى على المصلحة الوطنية”.

أما قائد قوات الأمن الوطني في الضفة الغربية، ومدير الأمن العام في عهد ياسر عرفات- إسماعيل أبو جبر، أكد أن عدد من القيادات الفلسطينية ساهموا في تفخيخ الأجواء بالنسبة لياسر عرفات، إذ سُئل: هل تعتقد انه يمكن ان يُرفع الغطاء الدولي دون رفع الغطاء العربي عن الموضوع؟، وأجاب: “الدليل على ذلك أنه لم يتكلم مع الرئيس اي أحد من الزعماء العرب، وهذا نتاج التحريض الفلسطيني ضد أبو عمار من قبل بعض الشخصيات وايحائهم للمجتمع الدولي أنهم بديل مناسب”.

نبيل عمرو – السفير لدى الاتحاد السوفيتي في عهد عرفات قال إن التآمر من الداخل الفلسطيني ضد أبو عمار بدأ قبل وفاته بسنوات، مشيرًا إلى أنه “كان عند الرئيس شعور بخذلان من حوله من قيادات فلسطينية بمعنى انهم لا يستجيبوا لأبو عمار كما كان يستجيب ابو حسن في بيروت وكان هذا الكلام قبل وفاة أبو عمار بثلاث سنوات”.

وعن تباين وجهات النظر بين أبو عمار وبين أبو مازن، قال أحمد قريع: “أبو مازن كان يستند للدعم الإسرائيلي والأمريكي ويعتبر نفسه أقوى شخصية حتى أن وكان يطمح للرئاسة مبكراً وكل اتصالاته مع الأمريكان والإسرائيليين كانت تصب في هذا الاتجاه”.

أما كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات قال عن لجوء الأمريكان والإسرائيليين للتفاوض مع غيره في أواخر فترة أبو عمار: “الأمريكان والإسرائيليين يتكلموا مع أكثر من شخص فالشخص الذي يقول لهم نعم أستطيع أن أُمشيّها يطلبوه، فالمفاوض الامريكي والاسرائيلي عندما يجلس مع المفاوض الفلسطيني يُكّبر فيه بالكلام وينفخ فيه حتى اذا طلب شيء يخجل الفلسطيني إن يقول له لأ، رابين مع ياسر عرفات كان يقول له نريد أن نفتح طريق العوجا يقول له أريد أن أفحص المفاوض لا يجب أن يكون صانع قرار ما تبعث زعيم أو صانع قرار”.

محمد دحلان:

كعادته، شكل محمد دحلان لغزًا في التحقيقات المحيطة باغتيال الراحل ياسر عرفات، إذ بدأ حديثه بأنه كان على خلاف مع أبو عمار، ولم ينكر ذلك البتة، لكنه استمر طوال الجلسة في التأكيد على أنه كان مقربًا من الراحل ومحل ثقته، وفي المقابل كان جميع المحيطين به أشبه بالذئاب والثعالب الذين لا يؤتمنون وساهموا في اغتياله بمن فيهم أبو مازن شخصيًا.

 لم يتردد دحلان لحظة في التأكيد على أن أبو مازن هو المستفيد الأول والرئيس من وفاة ياسر عرفات حين سئل عن ذلك، إذ قال: “أبو مازن هو أول شخص مستفيد من موت ياسر عرفات وأبو علاء ثاني شخص ونبيل شعث ثالث شخص والذين سرقوا أموال من أبو عمار كانوا أيضاً من المستفيدين وكذلك الذين ملّوا من أبو عمار كانوا مستفيدين من موته”.

وأكد دحلان في إفادته التي أدلى بها عام 2013 أن الإسرائيليين يريدون أبو مازن ” للحفاظ على ما هو قائم ليبقى قائماً وأبو مازن يلبي الشروط بشكل صحيح فهو لا يريد انتفاضة ولا يريد مفاوضات ولا يريد حكومة وحدة وطنية وبالتالي يُرضي اسرائيل بأنه لا يريد حكومة وطنية ويرضي حماس بأنه لم يأت من أجل أن يقاطعهم في غزة لأنهم لا يريدون غزة”.

وحول الاغتيال بالسم، لم يجزم دحلان هذا الأمر، لكنه أكد أن “أبو عمار قُتل بسبب العمليات العسكرية ولا شيء غير العمليات العسكرية”.

ولفت دحلان أن أبو مازن كان على خلاف مع أبو عمار في الفترة التي سبقت تنازله عن صلاحياته له، مضيفًا “ذهبت في حينها لأبو مازن قبل ذهابي إلى مصر وقلت له أنني ذاهب إلى مصر من أجل موضوع رئيس الوزراء وقلت له أنك أنت وأبو علاء مرشحين من وجهة نظري لرئاسة الوزراء… فقال لي أبو مازن أنه أحقّ بها من أبو علاء، فعدت إلى أبو عمار وأخبرته أنني مررت على أبو مازن قبل ذهابي وقال لي أنه يطمح لأن يكون رئيساً للوزراء فقال لي أبو عمار أنه لا يوافق لأن أبو مازن غير مؤتمن، فقلت له هل تريد أبو علاء؟ فقال لي لا، فسألته من تريد؟ وقال لي أنا حر وأختار متى أريد، والخلاصة أصبحت نقاشات طويلة بيني وبينه عن الأشخاص المؤتمنين والغير مؤتمنين، وبعدها قال لي أبو عمار أنه ممكن أن يوافق إذا أنا عملت مع أبو مازن، مع العلم أنني لم أكن متفقاً مع أبو مازن أن أعمل معه في الحكومة نهائيًا”.

وعند سؤاله عن وجود أشخاص محيطين بياسر عرفات يقومون بتسريب وفتش أسراره، أجاب دحلان: ” جميع الموجودين في مكتب أبو عمار وأبرزهم الطيب عبد الرحيم، وبالمناسبة الطيب لا يفعل ذلك من باب التجسس إنما من باب الإدمان”، مضيفًا أن الرئيس الراحل أبو عمار كان ينقل له باستمرار تخوفه وقلقه من أبو مازن وأبو علاء بلا انقطاع”.

عدم تعاون الأجهزة الأمنية العربية والفلسطينية:

الوثائق المسربة كشفت أيضًا عن سيل من المراسلات من لجنة التحقيق إلى المخابرات المصرية والأردنية، وكذلك الأجهزة الأمنية المختلفة لدى السلطة الفلسطينية والنيابة الفلسطينية، للتعاون في سير التحقيقات، وطلبت منهم تسهيل التحقيق مع شخصيات بعينها -تم ذكر أسمائها في الوثائق- للوقوف على حقيقة تفاصيل ما حدث مع الراحل ياسر عرفات في الفترة الأخيرة، لكن أي من تلك الأجهزة لم تتعاون، وتجاهلت كافة المراسلات.

الوضع الأمني حول الرئيس:

في أغسطس/آب 2016، أصدرت اللجنة الوطنية للتحقيق تقريرها حول الوضع الأمني حول الرئيس من واقع الإفادات والشهادات التي جمعتها طوال السنوات التي سبقت ذلك، وجاء في خلاصة النتائج:

“جميع العاملين في الرئاسة اعتادوا على الاستهتار ولم يضعوا أي خطط أمنية تستند على حماية الرئيس تحافظ عليه وعلى الميزات التي أحبه الشعب والجميع عليها، بل أصبحوا جزء من الحالة واندمجوا بها دون أن يراعوا إغلاق الثغرات التي اشتمل عليها عملهم الروتيني اليومي.

ومع المزيد من الأسف أنهم لم يكونوا يتمتعوا بالحصانة والنزاهة والمصداقية التي تليق بمكانة السيد الرئيس ولا بمكانتهم ومواقعهم التي يتمنى أي فلسطيني أن ينال شرف العمل بها إلى جوار الرئيس الذي لم يبخل في الإغداق عليهم بالمال والمكانة والهيبة التي لم يصونوها وفقدوا عزتهم وشموخهم ومدوا أياديهم لغيره للمزيد من الطمع، وانشغلوا عنه فأفقدوه أهم أمانة وشعها في أعناقهم وهي أمانة حمايته، وأصبحوا جزء من الثغرات، بل أهمها في الجدار الأمني الذي انهار بكامله باستشهاد السيد الرئيس الذي أحب الجميع والجميع أحبه.

وفي خلاصة هذا التقرير توقفت اللجنة أمام الكثير من المواضيع والعناوين التي استمعت إليها من العشرات ولا نبالغ إذا قُلنا المئات والتي أثارت الشبهات، وأطالت البحث والتدقيق فيها وهي على درجة عالية من الأهمية وتشكل توقفات لابد من متابعتها وإخضاعها إلى التحقيق الخاص، وهي ترقى وتقترب من حدود الإتهام”.

للاطلاع على كافة الوثائق والإفادات وتقارير اللجان الفنية المختصة يُرجى الضغط على الرابط التالي