توافق هذه الأيام الذكرى العاشرة لإضرام الشاب التونسي محمد البوعزيزي، النار في نفسه، وهي الحادثة التي تسببت لاحقا في اندلاع الثورة التونسية على نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وهروبه إلى السعودية وسقوط نظامه، حيث اعتبر هذا الحدث بمثابة الشرارة التي أشعلت ثورات الربيع العربي التي غيرت وجه المنطقة ككل، ولاتزال تداعياتها حاضرة في المشهد العالمي منذ ما يزيد عن عشر سنوات.

بداية الشرارة

وتعود أحداث قصة إحراق البوعزيزي لنفسه ل17 من شهر ديسمبر من العام 2010، بعد مصادرة شرطة البلدية، التي كانت تشرف عليها في ذلك اليوم الشرطية فايدة حمدي، وعدد من مساعديها، عربة الخضار التي يعمل عليها، بذريعة البيع في مكان ممنوع.

ولدى رفض البوعزيزي تسليم العربة، قامت فايدة بحجزها، وجرى تداول الكثير من الروايات بشأن ما تلا ذلك، وتردد أنها قامت بصفعه على وجهه، وتبادل موظفون آخرون ضربه، ما أثار غضبه وأحرق نفسه انتصارا لكرامته، لكن الشرطية قالت في لقاءات عديدة مصورة، إنها لم تضربه وحتى لم تقم بشتمه، وكل ما قامت به هو احتجاز العربة.

لكن البوعزيزي لم يحرق نفسه في مكان الحادثة في السوق، لحظة احتجاز عربته، لكن الروايات تشير إلى أنه توجه إلى مقر ولاية سيدي أبو زيد، لتقديم شكوى إثر مصادرة عربته، لكن المسؤول رفض استقباله وقام بطرده، ما أثار غضب الشاب وخرج ليسكب على نفسه البنزين ويشتعل جسده، لتلحق به تونس بمظاهرات شملت كافة الولايات.

وفي اليوم التالي 18 ديسمبر 2010، بدأت تظاهرات حاشدة تخرج ابتداء من سيدي بوزيد، ولحقتها الكثير من المدن، ضد الفساد والبطالة وتصاعدت المطالبات حتى وصلت إلى الشعار غير المسبوق في حينه “الشعب يريد إسقاط النظام”.

تصاعدت الاحتجاجات، بصورة يومية ابتداء من سيدي بوزيد والقصرين، ودخلت مدن جديدة كل يوم على خط الاحتجاجات، وصلت إلى المقار الحكومية.

وفي 28 من ديسمبر، خرج ابن علي للمرة الأولى، للحديث عن الاحتجاجات، التي امتدت لعشرة أيام عبر القناة الرسمية، ووصف ما يجري بأنه أعمال شغب وقال إنها تضرب بصورة تونس، وهدد بتطبيق القانون “بكل حزم ضد المتطرفين والمأجورين”.

وفي 30 من ديسمبر أجرى بن علي تعديلا وزاريا، على ثلاثة وزراء، ورفع القيود الإدارية على المواطنين الراغبين في السفر والعمل في ليبيا.

وعقب ذلك بأيام، بدأت قوات الأمن باستخدام الرصاص المطاطي وقنابل الغاز، ضد المتظاهرين في تالة، لكن ثلاثة متظاهرين قتلوا في مدينة رأس الجبل ببنزرت.

ثورة تونس

ومع تتابع الأحداث، وقع حدث مفصلي غير مجرى الأحداث، وأجج الأوضاع المشتعلة، وهو الإعلان عن وفاة البوعزيزي، متأثرا بحروقه، حيث خرجت الأوضاع عن السيطرة في تالة بعد إحراق مقر الحزب الحاكم ومخفر للشرطة.

وفي الـ8 من كانون ثاني/ يناير، قتل ستة تونسيين في تالة واثنان في القصرين خلال مظاهرات حاشدة، قمعتها قوات الأمن بعنف شديد.

لكن في الـ9 من كانون ثاني/ يناير، وصلت المظاهرات إلى العاصمة تونس، والتي قوبلت بعنف شديد من قبل الأمن، واستخدام الرصاص الحي، وبدأت حالة إضراب في أوساط المحامين الذين خرجوا برداء المحاكم في مظاهرات حاشدة، وأعلن عن مقتل العشرات في القصرين والرقاب وتالة.

ودخلت العاصمة على خط التظاهرات، وخرجت العديد منها في الأحياء الشعبية والضواحي، مثل: الانطلاقة وباب الجديد ووادي الليل والتضامن والكباريه والسيجومي وقصر السعيد.. شهدت إحراق مقار للشرطة، ومقار لحزب ابن علي، وقتل خلال أيام 35 متظاهرات.

وفي الـ13 من كانون ثاني/ يناير، خرج ابن علي ليقول للتونسيين، “أنا فهمتكم”، لكن خطابه الذي بدا فيه الكثير من التنازلات، أجج التظاهرات، وخاصة في العاصمة تونس. وطوق المتظاهرون الكثير من المقار الحكومية المهمة.

لكن الـ14 من كانون ثاني/ يناير، كان يوما مفصليا في ثورة التونسيين، حيث احتشدوا بالآلاف في شارع الحبيب بورقيبة، من كافة مناطق العاصمة وضواحيها، بالإضافة إلى الخروج في وقت واحد بكافة المناطق، وطوق المتظاهرون وزارة الداخلية، وبدأوا يلوحون بالتوجه إلى قصر قرطاج مقر الحكم.

طوى ليل ذلك اليوم صفحة نظام ابن علي، بعد توجه موكب أمني كبير إلى مطار العاصمة، وخروج الرئيس المخلوع، في طائرة إلى مدينة جدة السعودية مع زوجته ليلى الطرابلسي، وأعقب ذلك حملة اعتقالات بحق العشرات من أقاربه.

بعد ذلك بأيام بث التلفزيون التونسي، مشاهد من داخل قصور ابن علي، تضمنت صورا لكميات من المجوهرات والحلي، ومبالغ مالية كبيرة داخل خزائن خاصة، ومقتنيات ثمينة، تم التحرز عليها من الجهات الرقابية والمالية.

وبلغت حصيلة ضحايا الثورة التونسية، وفقا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، 2019، ما بين متظاهرين قتلوا خلال الاحتجاجات على طول البلاد وعرضها، وبين معتقلين لقوا حتفهم نتيجة عنف الأمن في احتجاجات اشتعلت بالسجون.

لا شيء للاحتفال

في سياق متصل، قيّمت مجلة “إيكونوميست” في افتتاحيتها للعدد الجديد، الربيع العربي في ذكراه العاشرة بالقول: “لا شيء للاحتفال.. الربيع العربي في العاشرة”. وتساءلت عن سبب عدم تحسن أوضاع الشعوب العربية التي ثارت قبل عقد من الزمان، وهي مناسبة لا أحد يريد الاحتفال بها كما تقول المجلة.

وأشارت إلى ما قالته شقيقة بائع الفواكه محمد البوعزيزي، الذي حرق نفسه في بلدته سيدي بوزيد: “أي نوع من القهر تتخيل أنه يدفع شخصا لعمل هذا؟”. حيث أشعل النار في جسده أمام مقر الحاكم. وتردد صدى ما عمله في كل أنحاء المنطقة حيث وصلت الملايين فيها إلى نقطة اللاعودة. وتحول غضبهم ضد الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة إلى ما أطلق عليه الربيع العربي.

وأدت الانتفاضات الشعبية إلى الإطاحة بأربعة حكام عرب “تونس ومصر وليبيا واليمن”. وبدا لوهلة أن الحرية وصلت أخيرا إلى العالم العربي. وبعد عقد من الزمان فلا أحد يحتفل بها.

ولم تثمر إلا تجربة واحدة عن نتائج مستمرة، في بلد بوعزيزي، تونس. وفشلت بشكل بائس في مصر وانتهت بانقلاب عسكري. أما في اليمن وليبيا والأسوأ في سوريا فقد انزلقت نحو حروب أهلية لا نهاية لها وتدخلات أجنبية.

وتحول الربيع العربي بشكل سريع إلى شتاء قاس، لدرجة أن هناك الكثير من سكان المنطقة في حالة يأس. وتغير الكثير في المنطقة، ولكن ليس للأحسن. ولكن الطغاة العرب لم يعودوا آمنين، فأسعار النفط منهارة بدرجة لم يعد فيها حتى فيها ملوك “البترو دولار” قادرين على شراء مواطنيهم بالدعم والوظائف الحكومية المريحة.

وأصبح العديد من الحكام يعانون من الرهاب والخوف وزاد قمعهم. فمحمد بن سلمان يسجن في السعودية أقاربه، وقمع عبد الفتاح السيسي في مصر المجتمع المدني. ولكن الدرس الوحيد الذي تعلمه المستبدون العرب هو أن عليهم سحق أي ومضة للمعارضة وإلا انتشرت. وباتت المنطقة أقل حرية مما كانت عليه قبل عام 2010، وربما أصبحت أكثر غضبا. وهزتها الحروب والجهاد واللاجئون وكوفيد-19.

ويقول الناشطون العرب إن شعلة الربيع العربي لم تنطفئ بالكامل، وهم واثقون بقدرتهم على إحداث التغيير. ويشيرون إلى أن احتجاجات عام 2019 التي لم يطلق عليها أسماء محبوبة أطاحت بمثل ما أطاح به الربيع العربي عام 2011. ولسوء الحظ فالدول التي اهتزت في 2019 وهي الجزائر والسودان ولبنان والعراق ليست في وضع أفضل من تلك التي تشنجت أثناء الربيع العربي.

وتختم الصحيفة بالقول: “لكن التاريخ لا يسير بخط مستقيم. تفشل الثورات ويعود الأشرار أحيانا، ولا يوجد سبب يجعلنا تنوقع أن الربيع العربي المقبل سيعطي نتائج أفضل من سابقه، كما لا يوجد سبب يجعلنا نؤمن بما يقوله الطغاة  وأنهم قادرون على منعه”.