مع دخول وقف إطلاق النار بين إيران والاحتلال الإسرائيلي حيز التنفيذ صباح الثلاثاء، كانت آخر لحظات الحرب دامية ومشحونة بالتوتر.
فقد أطلقت إيران سلسلة من الهجمات الصاروخية وصفت بأنها “الأخيرة” قبل سريان الاتفاق، وأسفرت عن مقتل 6 إسرائيليين وإصابة العشرات، لتغلق صفحة 12 يوماً من التصعيد الدموي بلحظة صادمة ومربكة لتل أبيب.
ضربات قاتلة قبيل السكون.. لحظات الرعب الأخيرة في بئر السبع
في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، وبينما كانت عقارب الساعة تقترب من موعد وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، انهالت دفعة صواريخ إيرانية على مدن مختلفة في الداخل الإسرائيلي، أبرزها مدينة بئر السبع.
ووفقاً لتقديرات عسكرية إسرائيلية نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت، فقد أطلقت إيران 15 صاروخاً خلال سلسلة من 6 هجمات متتالية، صاروخ واحد كان كفيلاً بتحويل مبنى سكني في بئر السبع إلى كومة أنقاض، مخلّفاً 6 قتلى إسرائيليين بحسب الإسعاف الإسرائيلي، قبل أن تتراجع بعض المصادر وتؤكد مقتل 4 فقط، فيما نقل 26 مصاباً إلى مستشفى سوروكا، بعضهم في حالات حرجة.
في محيط الانفجار، رُصدت أضرار كبيرة في دائرة قطرها مئات الأمتار، تضررت خلالها عشرات المباني والمتاجر، في مشهد وصفته الإذاعة الإسرائيلية بأنه “لم يُشاهد منذ سنوات طويلة”.
كما سجلت فرق الإطفاء تسرباً غازياً خطيراً في المنطقة، في ظل صعوبة الوصول إلى الموقع بسبب استمرار صفارات الإنذار وتخوفات من قصف إضافي.
شلل جوي ورعب في الملاجئ.. إسرائيل تتخبط قبيل الاتفاق
التداعيات لم تقتصر على الأرض، بل امتدت إلى الأجواء أيضاً، حيث أُغلق المجال الجوي الإسرائيلي “حتى إشعار آخر”، وفق ما أعلنت القناة 12 العبرية، وذلك بعد أن ظلت طائرات إسرائيلية تحلق لأكثر من ساعة من دون إذن بالهبوط، وسط حالة من الشلل التام في المطارات.
في الشمال، أصيبت فتاة في مدينة الخضيرة بجروح متوسطة أثناء ركضها نحو المنطقة المحمية. مشاهد العراك في الملاجئ وتدافع السكان طلباً للحماية عادت لتتكرر، في دلالة على الهشاشة الأمنية رغم الخطاب الإسرائيلي عن الجاهزية.
في الأثناء، أكدت الجبهة الداخلية الإسرائيلية أن صافرات الإنذار دوت في مناطق واسعة، من جنوب تل أبيب وحتى النقب، مطالبة السكان بالدخول إلى الملاجئ فوراً. هذا الرعب الجماعي بدا وكأنه اللحظة الأخيرة في فيلم طويل من القصف المتبادل، قبل أن يسدل الستار مع حلول الساعة السابعة صباحاً.
الرد الإسرائيلي.. غارات مكثفة وصيد كبير محتمل
رغم التصعيد الإيراني، لم تقف إسرائيل مكتوفة الأيدي، إذ نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصدر أمني أن الجيش شن موجة من الغارات الواسعة على أهداف داخل إيران طوال الليل. وتحدثت المصادر عن استهداف مقرات حساسة تابعة للحرس الثوري الإيراني، إلى جانب منشآت للصناعات العسكرية، ومختبرات نووية يُعتقد أنها كانت جزءاً من برنامج طهران العسكري.
اللافت أن المصدر نفسه أشار إلى أن الهجمات سعت لتصفية شخصيات إيرانية بارزة، وأن هناك عملية تحقق تجري حالياً لمعرفة إن كانت تلك التصفية قد تمت بالفعل. من جهة أخرى، ذكرت وكالة فارس الإيرانية أن إيران استهدفت قاعدة رامات ديفيد الجوية ومدينة حيفا، مشيرة إلى أن هذه الضربات كانت آخر ما قامت به طهران قبل بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
هكذا اختارت إيران أن تُدخل الحرب إلى مرحلة “السكينة المؤقتة” من باب الصدمة، في محاولة لفرض معادلة ردع واضحة قبل طي الصفحة.
دخول الهدنة حيز التنفيذ.. هل صمدت الساعات الأولى؟
عند تمام الساعة السابعة صباحاً بتوقيت مكة المكرمة، دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اتفاق شامل ونهائي بين الطرفين، يبدأ بـ12 ساعة أولية تعتبر فترة اختبار، يعقبها إعلان رسمي بانتهاء الحرب.
ترامب، الذي لعب دور الوسيط الرئيسي بالتعاون مع قطر، وصف الاتفاق بأنه “انتصار للسلام” و”دليل على أن الشجاعة يمكن أن توقف الحروب”. لكن الساعات الأولى من الهدنة بدت مشوبة بالحذر، وسط غياب الثقة المتبادلة، واستنفار عسكري مستمر في الجانبين، خشية من خرق مفاجئ يعيد الأمور إلى نقطة الصفر.
في طهران، ساد نوع من النشوة الإعلامية بعد الهجمات الأخيرة، إذ وصفتها بعض الصحف بأنها “رد استراتيجي ناجح يفرض معادلات ردع جديدة”. بينما ظل الصمت يخيّم على الحكومة الإسرائيلية، التي بدت حذرة من إعلان أي موقف رسمي، خصوصاً في ظل الخسائر البشرية التي تكبدتها في الدقائق الأخيرة من الحرب.
خاتمة: وقف إطلاق النار يدخل حيز التنفيذ بعد لحظة دم
انتهت الحرب رسمياً، لكن الأضرار ستظل باقية لفترة طويلة. فقد جاءت آخر دقائقها أكثر دموية مما توقعه المراقبون، وأظهرت هشاشة الداخل الإسرائيلي أمام الهجمات الإيرانية المتواصلة. وبينما دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بقيت التساؤلات مفتوحة: هل صمدت الهدنة فعلاً؟ وهل كانت الرشقات الأخيرة رسالة انتصار إيرانية أم مجرد فصل إضافي من فصول الصراع الطويل؟
بئر السبع ستبقى شاهداً على أن آخر صاروخ في الحرب قد يحمل تأثيراً يفوق ما حملته عشرات القذائف السابقة.
اقرأ أيضًا : عراك وفوضى في ملاجئ الاحتلال.. عنصرية وتمييز يعرّيان هشاشة الجبهة الداخلية
اضف تعليقا