كشف نظام قائد الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي، النقاب عن خطة تشارك فيها تركيا لإنقاذ صناعة السياحة المتعثرة، والتي جثت على ركبتيها بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، حيث تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في وقف الرحلات الجوية بين مصر وروسيا، وعليه حدثت أزمات اقتصادية كبيرة، خصوصًا للعاملين في قطاع السياحة.
بالنظر إلى الفنادق في المدن السياحية مثل شرم الشيخ والغردقة، نجد أن حوالي نصف غرف المنتجعات فارغة، ويتوقع الخبراء والعاملين بالمجال أن يزداد الوضع تدهورًا. حيث قال محمد أيوب، عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للفنادق، وهو اتحاد مستقل لأصحاب الفنادق المصرية: “كان للحرب تأثير قوي على إشغال [الفنادق] في المدينتين”. وهذا بالطبع يجعل من الصعب على الفنادق الوفاء بالتزاماتها المالية، بما في ذلك دفع رواتب عمالها.
وفي خضم الأزمة، يقول المسؤولون عن السياحة في مصر إنهم يعملون ليل نهار لإنقاذ القطاع. وتتمثل الاستراتيجية الرئيسية لهيئات السياحة في إعادة السياح الروس إلى مصر، في الاستعانة بدولة ثالثة. ويعتقدون أن تركيا قد تكون المرشح المثالي، حيث يرون أن مصر وتركيا يمكن أن يتعاونا في مسألة شركات الطيران الوطنية لتقديم عروض مشتركة مع دول أخرى في المنطقة.
تجاهل تركي حتى الآن
وبذلك يأمل نظام السيسي أن يعيد السياح الروس إلى مصر، من خلال إيقافهم في تركيا في الطريق أولًا، حيث كان السياح إما يسافرون إلى تركيا ثم إلى مصر، أو يخرجون في عطلة مشتركة لكل من تركيا ومصر. لكن بعد الحرب الروسية-الأوكرانية، فإن العقوبات المفروضة على روسيا تعني أن عروض العطلات المشتركة قد لا تكون ممكنة.
لذلك يفكر نظام السيسي في حل لهذه المشكلة، ونقلت صحيفة محلية عن نائبة وزير السياحة والآثار في مصر، غادة شلبي، قولها: “يمكن لمصر أن تجتذب السياح الروس عبر تركيا”. وهذا إن حدث، فمن شأنه أن يكون أول تعاون سياحي بين القاهرة وأنقرة، بعد الأزمات المستمرة على المستوى السياسي منذ الانقلاب العسكري في 2013.
وبدوره، قال الخبير السياحي المصري، مجدي سليم: “يتمتع البلدان بفرصة جيدة للتعاون معًا من أجل تفادي الآثار السلبية للحرب في أوكرانيا على قطاعات السياحة الخاصة بهما”. وأعتقد أن مصر تعمل على بدء هذا التعاون في الفترة المقبلة.
لكن لم يدل المسؤولون الأتراك حتى الآن بأي تصريح علني بشأن الخطة، التي لا تزال في مراحل التخطيط. ولم ترد أنباء عن تلك الفكرة في وسائل الإعلام التركية.
عقبات في التخطيط
وعلى الرغم من الرغبة الشديدة لدى النظام في التعاون مع تركيا في ملف السياحة، إلا أن الخطة تواجه بعض العقبات. أولها هي تأثر المواطن الروسي نفسه بالحرب بشكل سلبي على المستوى الاقتصادي. فقد أدت حزمة العقوبات التي فُرضت على روسيا في أعقاب غزوها لأوكرانيا إلى شل الاقتصاد الروسي ودفع الروبل للانهيار.
وفي ذلك قال علاء الغمري، عضو جمعية وكلاء السفر المصرية إن “العقوبات تجرد الروس من القدرة على السفر خارج بلادهم”. وبهذا فإن رغبة مصر في جذب السياح الروس عبر تركيا لن تؤدي إلا إلى زيادة تكلفة السفر على الروسيين.
علاوة على ذلك، فإن الحرب تؤثر أيضًا على السياحة في أوروبا الشرقية ككل، حيث أغلقت روسيا مجالها الجوي أمام شركات الطيران من 36 دولة، بما فيها مصر. وهذا هو السبب في تأكيد خبراء السياحة أن زيادة اعتماد نظام السيسي على دول أوروبا في مجال السياحة أمر لا مفر منه.
أسواق جديدة
ومع تراجع السياحة الروسية، يحاول نظام السيسي أيضًا فتح أسواق جديدة يستقطب من خلالها سياح دول أخرى، بما في ذلك دول أمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا.
حيث أضاف أيوب -وهو عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للفنادق كما أسلفنا- أن “الآن هو الوقت المناسب لجذب السياح من دول في هذه المناطق”. واقترح كلًا من أمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا، قائلًا إن “المنطقتين لم تتأثرا بشدة من الحرب مثل المناطق الأخرى”.
وبحسب ما يتم تداوله، فإن نظام السيسي يجري محادثات مع وزارة الطيران المدني لزيادة عدد الرحلات الجوية المصرية المتجهة إلى المنطقتين.
لكن يبدو أن هناك تشاؤمًا تجاه هذا الحل كذلك. حيث قال علي غنيم، عضو الاتحاد المصري للغرف السياحية، لإحدى الصحف المحلية: “قد لا تكون التدفقات السياحية المتوقعة من أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا كبيرة بما يكفي لتعويض فقدان السياح من روسيا”.
التعويل على السياحة الداخلية
من جانبه، يقول باسل السيسي، عضو غرفة المنشآت السياحية باتحاد الغرف التجارية المصري، إن العديد من منظمي الرحلات الروسية والأوكرانية ينوون التوجه إلى بعض الأسواق البديلة في شرق أوروبا مثل بولندا والتشيك وسلوفينيا وغيرها من البلدان التي يقترب فيها ذوق السائحين من رغبات وأذواق السُياحِ الرُوسِ والأوكران، لأن الأزمة سوف تأخذ وقتاً طويلاً وتأثيراتها ستكون ممتدة
ويعول عضو غرفة المنشآت السياحية المصرية على السياحة الداخلية باعتبارها “طوق نجاة” لإنقاذ قطاع السياحة الذي تأثر سلبيًا بفعل سنوات من الأزمات المتلاحقة.
ووفقًا لأرقام وزارة السياحة المصرية، فقد تجاوزت إيرادات قطاع السياحة في العام المنقضي 13 مليار دولار أمريكي، مع عودة السياح الروس إلى المنتجعات السياحية المصرية، بعد توقف دام لنحو ست سنوات، إثر حادثة سقوط الطائرة الروسية.
وكانت إيرادات قطاع السياحة المصري قد انخفضت خلال عام 2020 بنحو 70 في المئة بسبب أزمة فيروس كورونا وغلق العديد من المنشآت السياحية والفندقية بسبب الإجراءات الاحترازية، وقيود السفر والتنقل التي طالت أغلب دول العالم، حيث سجلت الإيرادات أربعة مليارات دولار فقط هبوطًا من 13 مليار دولار في العام السابق لتفشي الوباء.
وحيث إن أثر الحرب الأوكرانية سيدوم ربما لسنوات، وفي ظل فشل الحلول التي يقترحها نظام السيسي وصعوبة تنفيذها، فإنه يمكن القول إن الأزمة الاقتصادية في مصر ستتفاقم.
اضف تعليقا