في وقت يُفترض أن يشهد فيه العالم تراجعًا في الكوارث الإنسانية مع التقدم التقني والتكافل الدولي، أطلقت منظمات أممية إنذارًا خطيرًا بشأن مجاعة وشيكة تهدد أرواح ملايين البشر في 13 بؤرة ملتهبة، بينها أربع دول عربية تتصدرها غزة المنكوبة، بحسب تقرير مشترك صادم صدر في يونيو الماضي عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي.

التقرير حمل عنوانًا يليق بخطورة الموقف: “بؤر الجوع 2025”، ورسم ملامح مأساة غذائية تتحرك بخطى حثيثة نحو كارثة شاملة، فيما يتعمد لاعبون إقليميون كالإمارات صبّ الزيت على النار بدلًا من المشاركة في إطفائها.

 

غزة: الجوع تحت القصف.. ومجاعة تلوح في الأفق
تصدر قطاع غزة المشهد الأكثر ترويعًا في التقرير الأممي، حيث تحوّلت الكارثة الغذائية إلى سلاح إضافي في آلة الحرب الإسرائيلية. ومع دخول الحرب عامها الثاني، أكد التقرير أن جميع سكان القطاع، البالغ عددهم نحو 2.1 مليون نسمة، باتوا يعيشون في مستويات “أزمة” من انعدام الأمن الغذائي أو ما هو أسوأ. ويُقدّر أن قرابة 470 ألف فلسطيني أصبحوا في حالة “جوع كارثي”، وفق التصنيف الأممي الأعلى (المرحلة الخامسة)، وهو ما يقترب فعليًا من تعريف المجاعة الرسمي.

ورغم التحذيرات المتكررة، لا تزال إسرائيل، بدعم وتواطؤ إقليمي، تعرقل وصول المساعدات. وقد سلط التقرير الضوء على غياب خطة فعالة لإيصال الغذاء والدواء، خاصة مع القصف المستمر وتدمير البنية التحتية. لكن ما لا يقوله التقرير صراحة هو الدور الذي تلعبه دول مثل الإمارات، ليس فقط في تجاهل هذه الكارثة، بل بدعمها غير المباشر لآلة الحرب عبر التطبيع العميق مع الاحتلال وتوفير الغطاء السياسي له، فضلًا عن تعمدها تقييد مساعدات إنسانية كانت قادرة على تخفيف المأساة في غزة.

السودان وسوريا والصومال: حروب بأدوات الجوع.. والإمارات في الخلفية
في السودان، حذّر التقرير من أزمة غذائية تهدد نصف السكان، مع توقعات بأن 24.6 مليون سوداني سيعانون من انعدام حاد للأمن الغذائي، بينهم 8 ملايين في حالة “طوارئ”، وأكثر من 600 ألف في وضع “كارثي”. 

ويأتي ذلك في ظل نزاع دموي فجرته حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وهي الأخيرة التي دعمتها الإمارات بشكل مباشر، ماليًا وعسكريًا، وفق ما كشفته تحقيقات دولية.

أما في سوريا، فالحرب التي استمرت 14 عاما وتدخلات قوى إقليمية كالإمارات فاقمت الانهيار الغذائي. في وقت يعاني الملايين من الجوع ونقص الخدمات، وسط تقارير تؤكد أن أبو ظبي كانت تشجع على إعادة تأهيل نظام الأسد البائد سياسيًا وفتح أبواب النفط والاستثمارات له، بينما يتضور الشعب جوعًا.

وفي الصومال، تبرز الأزمات المناخية والصراعات الأمنية، لكن الدعم الإماراتي للفصائل والميليشيات المتناحرة ساهم في تكريس الفوضى، وهو ما انعكس على انعدام الأمن الغذائي، وسط تقارير عن استغلال أبو ظبي لموانئ الصومال لمصالحها الخاصة على حساب الأمن الغذائي والاقتصادي للسكان.

نداء أممي يواجه جدار الصمت والخذلان
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عبّر عن قلقه البالغ من تقليص المساعدات قائلاً: “الجوع في القرن الحادي والعشرين غير مبرر. لا يمكننا التعامل مع الأمعاء الخاوية بفراغ الأيدي”. فيما اعتبرت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين، أن العالم يعرف تمامًا أين تشتد الكارثة، لكن “دون تمويل كافٍ وقدرة على الوصول، لا يمكن إنقاذ الأرواح”.

المفارقة أن كثيرًا من الدول المانحة تقلص دعمها، بينما تواصل أخرى، مثل الإمارات، إنفاق المليارات على صفقات الأسلحة والدعاية الخارجية وغسل السمعة، بدلًا من إنقاذ الأرواح. وتساءل ناشطون: كيف تدعي أبو ظبي “الريادة الإنسانية” فيما تموّل الميليشيات وتغذي النزاعات؟!

المجاعة كأداة حرب.. والإمارات على الطاولة لا في الهامش
أوضح التقرير أن المجاعة لا تُعلن رسميًا إلا إذا تحققت ثلاثة شروط: أن يعاني 20% من السكان من نقص حاد في الغذاء، وأن يكون 30% من الأطفال في حالة سوء تغذية حاد، وأن يُسجل شخصان من كل 10 آلاف وفاة يومية بسبب الجوع أو أمراضه. وأشار إلى أن النزاعات المسلحة هي السبب الأساسي في 12 من أصل 13 بؤرة ساخنة.

ومع أن التقرير لم يُسمِّ الجهات الفاعلة المسؤولة عن تأجيج تلك النزاعات، إلا أن المعطيات السياسية تؤكد تورط أبو ظبي في دعم الحروب سواء في السودان، أو اليمن سابقًا، أو سوريا، أو عبر علاقتها الوثيقة مع الاحتلال الإسرائيلي.

خاتمة: الجوع ليس قدرًا.. بل نتيجة لصناعة الموت
التحذير الأممي ليس مجرد وثيقة فنية، بل صفعة للضمير العالمي. إنه يُحمِّل المسؤولية لدول تتقاعس عن الإنقاذ، ودولٍ تشارك فعليًا في تعميق الجرح. ومع أن الكارثة تُطبخ في مطابخ السياسة، إلا أن من يدفع الثمن هم الفقراء في غزة ودارفور وحمص والصومال.

إن تجنب المجاعة لا يتطلب فقط إغاثات عاجلة، بل مراجعة جذرية لدور الأنظمة المتورطة في صناعة الفوضى، وعلى رأسها النظام الإماراتي. فالحل يبدأ بكشف المسؤولين لا الاكتفاء بتسمية الضحايا. والسكوت عن الجوع جريمة، أما تمويله فخيانة إنسانية كبرى.

اقرأ أيضًا : أبناء زايد أشعلوا الحروب تحت غطاء كرة القدم.. كيف حوّل منصور بن زايد نادي مانشستر سيتي إلى ستار لتغذية الحروب والإبادة