خرج الشعب الليبي إلى الشوارع في عام 2011 وبالتحديد في الخامس عشر من فبراير، يطالب بحريته من نظام جاثم استمر أربع عقود، ولم يكن يتوقع أن أذناب النظام الذي فروا خشية الثوار أن يعودوا وينكلوا بالأحرار وذويهم.

وبعد نجاح تلك الثورة ومقتل معمر القذافي، شعر الليبيون بطعم الحرية لأول مرة، في حين أن العسكر كانوا يحضرون للعودة بشكل أشرس وبخطط خبيثة أهمها أن زرعوا الشقاق بين القبائل، وكان من أهم الوجوه التي ظهرت على الساحة حينئذ اللواء متقاعد خليفة حفتر.

وعند ذكر الجاني تذكر الجريمة، فيتذكر المرء للوهلة الأولى عند ذكر اسم حفتر جريمته التي تغتفر، ولا تسقط بالتقادم، وهي مدينة ترهونة التي نكل بأهلها هو وعائلة الكانيات التابعة له ولم يفرقوا بين رجل أو امرأة، وبين طاعن في السن أو صبي حتى الأطفال لم يسلموا من شرهم.. فكيف حول حفتر وميليشيا الكانيات مدينة ترهونة إلى مدينة المقابر الجماعية؟!.

ميليشيا الكاني

عائلة القتل أو الموت كما يطلق عليها وهم يتكونون من ستة أفراد أكبرهم عبد الخالق ومحمد ومعمر وعبد الرحيم ومحسن وعبد العظيم وهي عائلة ليست بالكبيرة، وكانت عادية ومتوسطة الدخل إلى وقت قريب، والدليل على ذلك أن محسن الكاني سجن عام 2011، بسبب خلافات مع شخص آخر بسبب مبلغ مالي.

لكن نقطة التحول في حياة تلك الميليشيا الإجرامية هو اتفاقهم مع عدد من ضباط النظام السابق على استهداف بعض الثوار والمسؤولين، وقد تم بالفعل اغتيال عبد الباسط ابو نعامة عضو المجلس الانتقالي في ترهونة، على أيدي مسلحي تلك المليشيا، وكذلك اغتيل سالم الهمالي عضو المؤتمر الوطني عام 2015 .

بعد ذلك توسعت أطماع عائلة الكاني حتى تمت السيطرة على معسكر سوق الأحد وقد غنموا منه 250 دبابة ومدافع هاوزر، وأصبحوا ذو قوة كبيرة وسيطروا على مدينة ترهونة بشكل كامل عام 2015، فقاموا بإخضاع موظفي المدينة واستولى على خزائنها وفرضوا جباية يقطعونها من رواتب الموظفين من أجل ملذاتهم.

أما من رفض أو عارض تلك الميليشيا فكان مصيره القتل والدفن حياً، ويحكى عن إجرام محمد الكاني أنه كان يربي أسوداً يرمي إليهم من يعارضه من العوائل الأخرى التي أخضعوها بقوة السلاح، ومن ورائهم الداعم الأكبر عراب المقابر الجماعية خليفة حفتر.

مدينة المقابر الجماعية 

قبل عامين من الآن تم تحرير المدينة على أيدي قوات حكومة الوفاق، ومنذ ذلك الحين بدأت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، وقد تم اكتشاف المقابر الجماعية، وقد بلغ عدد الجثث 270 جثة طبقاً للروايات الرسمية.

وبحسب الهيئة ذاتها فإن إجمالي الجثث المستخرجة خلال عامين 2021/2022 هي 144 جثة جميعهم أشلاء، وقد تم التعرف عليهم من خلال الحمض النووي، كما طالبت الهيئة بجلب خبراء دوليين لصعوبة التعرف على هويات الضحايا.

الخلاصة أن حفتر ومن وراءه رجال النظام السابق استخدموا ميليشيا الكاني المتعطشة للدماء من أجل التنكيل بالعوائل المعارضة لهم ولحكمهم، فأقاموا للمعارضين حفلات القتل الجماعي، فقتلوا الشباب والرجال والشيوخ والأطفال والآن هم هاربين من المحاكمة وقد تخلى عنهم حفتر، وسوف يحاسبون على دماء الأبرياء في القريب العاجل.

أما عن حفتر نفسه فإن جريمتة في ترهونة خاصة ترتقي لجريمة الحرب، وقد أثبتت لجنة تقصى الحقائق في ليبيا عن وجود مؤشراً قوياً على انتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان في مدينة ترهونة، وقد يجد نفسه مطارد دولياً جراء فعلته.

اقرأ أيضاً : مجلس الأمن يمدد ولاية البعثة الأممية بليبيا للمرة الخامسة