العدسة – معتز أشرف:

في سياق مشابه لسياق ما حدث في العراق قبل احتلاله، قال وزير الخارجية الأمريكي “نتابع تقارير تفيد بأنَّ إيران تخطط لزيادة قدرتها على تخصيب (اليورانيوم)”، واضاف أن بلاده لن تسمح لإيران بتطوير سلاحها النووي.

فهل تشهد الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجربة العراق في ظل الضغط المستمر على طهران ؟! هذا ما نرصد أبعاده ومؤشراته.

نموذج العراق!

النموذج العراقي في الأكاذيب الأمريكية بشأن تخصيب اليورانيوم معروفة في السياسة الدولية بالضرورة، وبحسب موقع “ماذر جونز” الأمريكي، التابع لمؤسسة “ماذر جونز” غير الهادفة للربح، والحائزة على لقب أفضل مجلة أمريكية لعام 2017، من اتحاد محرري المجلات الأمريكية، فإن أمريكا اتخذت الكثير من الأكاذيب كذريعة لغزو العراق، وإسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ورصد الموقع الأمريكي، التسلسل الزمني للذرائع الأمريكية، التي استخدمت لإسقاط صدام حسين، وغزو العراق والتي بدأت جديا في يناير 1998 بكشف عن طلبات كبار المحافظين الجدد، والتي يطالبون فيها الرئيس الجديد وقتها بيل كلينتون بضرورة “إزالة نظام صدام حسين”، ليأتي شهر أكتوبر من نفس العام صاخبا حين يوقع كلينتون قانون تحرير العراق، ليصبح تغيير النظام العراقي، أحد أهداف السياسة الأمريكية الرسمية.

وفي أواخر 1998: الجنرال أنتوني زيني، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، يبحث خطة لإسقاط الجيش العراقي والإطاحة بصدام حسين، مع ألف شخصية عراقية في المنفى، أبرزهم أحمد الجلبي، لكن يحذر الكونجرس من أن “فطيرة السماء… مجرد حكاية خرافية”، وهو يقصد بمصطلح “فطيرة السماء”، احتمالية امتلاك صدام حسين لأسلحة نووية.

وفي نوفمبر 1999 بدأت لقاءات مع الاستخبارات الألمانية والاستخبارات الأمريكية لطرح معلومات تتحدث عن امتلاك صدام حسين أسلحة “دمار شامل”، وفي 2001 تحدثت مستشارة الأمن القومي، كوندليزا رايس، عن خطورة البرنامج النووي العراقي، وفي مارس  2002 تحدثت التقاريرالأمريكية أن “صدام يسعى بنشاط للحصول على أسلحة نووية في هذا الوقت”، وفي أغسطس من نفس العام كان الحديث الأمريكي يتصاعد وقال مسئولون: ” لا شك أن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل، ولا شك أنه يجمعهم ليستخدمهم ضد أصدقائنا وضدنا”.

وفي سبتمبر 2002 نشرت صحيفة “التايمز” البريطانية تقريرا تقول فيه إن صدام حسين صمم أنابيب الألمونيوم “خصيصا” لتخصيب اليورانيوم، وهو أول علامة على تكوين صدام حسين “سحابة عيش الغراب” الشهيرة، ثم تحدثت بريطانيا عن إمكانية شن العراق هجمات كيميائية وبيولوجية في غضون 45 دقيقة فقط.

وفي يناير 2003 صدر  بيان عن الأمم المتحدة يؤكد أنه “لا دليل على أن العراق يعيد إحياء برنامج للأسلحة النووية” ولكن في فبراير خرج وزير الخارجية كولين باول يلقي خطابه التاريخي، الذي قال إنه استند لمعلومات ووثائق حقيقية، تفيد حصول العراق على أسلحة دمار شامل، وفي مارس  2003 وبعد فشل أمريكا وبريطانيا  في التوصل لقرار أممي يجيز توجيه ضربة إلى العراق، ويمنحان صدام حسين 48 ساعة للتراجع عن برنامجه النووي ليبدأ الغزو في 19 مارس 2003 بناء علي أكاذيب متواترة.

 

تهديد بومبيو

وعلى نفس النسق، تعهد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، بأن بلاده لن تسمح لإيران بتطوير سلاحها النووي، وقال وزير الخارجية الأمريكي “نتابع تقارير تفيد بأن إيران تخطط لزيادة قدرتها على التخصيب (اليورانيوم)، وأضاف بومبيو “لن نسمح لإيران بتطوير سلاح نووي، وهي تدرك إصرارنا”، على حد تعبيره.

واعتبر الوزير الأمريكي أن إعلان إيران زيادة تخصيب اليورانيوم “مثال آخر على أن إيران تبذر مواردها بحماقة”، وختم بومبيو بالقول “يجب ألا يفاجأ أحد إذا استمرت الاحتجاجات في إيران” في إشارة إلى التهديد بالإطاحة بالنظام الإيراني.

شبح التجربة العراقية حاضر بقوة، منذ  8 مايو الماضي، حيث أعلن ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران المبرم عام 2015، وإعادة العمل بالعقوبات الاقتصادية على طهران، مبررا قراره بأن “الاتفاق سيئ ويحوي عيوبًا عديدة”، ولاحقًا، دعت واشنطن إلى اتفاق جديد مع طهران “يتناول جميع جوانب السلوك الإيراني المزعزع للاستقرار، بما في ذلك في اليمن وسوريا”.

الاتفاق الأمريكي المنشود وضع شروطًا عدة، أبرزها أن تكشف طهران لمنظمة الطاقة النووية عن برنامجها النووي بالكامل، ووقف تخصيب اليورانيوم، وإغلاق كل مفاعلات المياه الثقيلة.

كما تضمنت الشروط وقف إيران تطوير الأسلحة الباليستية، والامتناع عن تقديم الدعم لـ “حزب الله” في لبنان، وجماعة “أنصار الله” (الحوثيين) في اليمن، وسحب قواتها من سوريا، والتوقف عن التهديد بالقضاء على إسرائيل، وتهديد الممرات البحرية، والهجمات الإلكترونية.

يأتي هذا وسط  تصريح مهم للمتحدث باسم منظمه الطاقة الذریة الإيرانية بهروز کمالوندی عن إمکانیة إعادة المنشآت النوویة للجمهوریة الإسلامية الإيرانية إلی حالة تخصیب الیورانیوم بنسبة 20% في غضون یومین، وأضاف کمالوندي فی إشارة إلی تصریحات رئیس المنظمة علی أکبر صالحي الذی صرح بإمکاننا العودة إلی التخصیب بنسبة 20% خلال أربعة أیام  قال إنه یکون حتی باستطاعتنا القیام بهذا العمل خلال یومین وأعلن صالحي   4 أیام حتی یتحقق ذلک بشکل کامل .

وأضاف أن لدینا فی موقع فردو أکثر من 1600 جهاز  نشط دون أن نحقن الغاز إلیه، فمن هذا المنطلق إذا أردنا إعادة نسبة التخصیب إلی 20%  کفانا أن نأتی بخزانات ونربطها بالأجهزة حتی یتم تحقیق التخصیب بنسبة 20%، وحول ما یتعلق بالقیود المفروضة فی هذا الشأن وفق الاتفاق النووي، أضاف: إننا قبلنا قیودًا فی الاتفاق النووي فیما یخص الزمن ومستوی التخصیب، حیث سیتم إزالتها تدریجیًا خلال السنوات المختلفة .

التشويش الصهيوني

على الخط دخل الكيان الصهيوني سريعا مع تهديدات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، حيث زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقطع فيديو نشر على تويتر  في ذكرى النكسة أنّ إعلان إيران عزمها على زيادة قدرتها على تخصيب اليورانيوم ليس مفاجئا لإسرائيل، وتعهد بمنعها من حيازة أسلحة نووية، مؤكدا أن هدف إيران هو تدمير إسرائيل.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين أخذ إجراءات عملية، وأجرى زيارة لباريس في إطار جولة لإقناع دول أوروبية باتباع خطى واشنطن في الانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع قوى عالمية عام 2015، ثم توعد هو كذلك بعدم امتلاك إيران لأسلحة نووية، قائلًا: ولن نسمح لإيران بامتلاك أسلحة نووية”.

الموقف الإيراني

إيران من جانبها يبدو أن تقرأ المشهد جيدًا، حيث ذكر وزير الخارجية محمد جواد ظريف في وقت سابق أنه من المحتمل أن تخرج إيران من الاتفاق النووي في حال أقرت الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب منه، ورغم عدم حدوث ذلك حاليًا إلا أنّه يظل مطروحًا في ظل النقاش مع باقي دول الاتفاق في الاتحاد الاوروبي، وبحسب ظريف فإنّ إيران عقب الانسحاب الأمريكي غير ملتزمة بالاتفاقات الدولية، مما يمنحها حرية عودة أنشطة تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز الحدود التي فرضها الاتفاق النووي.

وفي سطوة الحرب الكلامية قبيل قرار أمريكا بالانسحاب كشفت إيران عن بعض كواليس أفكارها، وكرر ظريف كذلك في  حوار مع مجلة “نيويوركر” الأمريكية سيناريو الانسحاب من الاتفاق النووي وإنهاء التزام إيران بمضمون الاتفاق لتستأنف تخصيب اليورانيوم بقوة، كما طرح سيناريو وصفه بأنه الأكثر جدية وقوة؛ حيث إن إيران من المحتمل أن تتخذ القرار بشأن الانسحاب من معاهدة “إن بي تي” (الحد من انتشار الأسلحة النووية)، فهي من الموقعين على هذه المعاهدة”.

رئيس الجمهورية الإيرانية حسن روحاني أقر بقراءته للمشهد العراقي في التعامل مع إيران، قائلا: “مازال الشعب الإيراني يقاوم أمام مؤامرات الآخرين علی وجه الخصوص الكيان الأمريكي وأظهروا ـنهم لا يستسلمون أمام ضغوطهم أبدًا، ويزعم البعض الذين يقفون في الطرف الآخر، أن بإمكانهم تركيع الشعب الإيراني عبر ممارسة الضغط والحظر والتهديد ولكن أظهرت مقاومة الشعب الإيراني أن هذه الفكرة خاطئة تماما”.

أما بهروز كمالوندي المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية نقل رد فعل بلاده إلى أبعد مستوى، حين أعلن قبل أيام أن بلاده ستبلغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة في وقت لاحق ببدء عملية لزيادة قدرة بلاده على تخصيب اليورانيوم، مشيرًا إلى أن إيران لديها القدرة على الإسراع بإنتاج أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في تخصيب اليورانيوم. وسادس فلوريد اليورانيوم هو المادة الخام المستعملة في أجهزة الطرد المركزي، وبين هذا وذاك يبدو أن المنطقة في انتظار سيناريوهات مجهولة في هذا الملف.