العدسة – مؤيد كنعان

8 نوفمبر: السيسي يعارض توجيه ضربة عسكرية ضد إيران أو حزب الله، وذلك بعد ساعات من التصعيد السعودي ضد لبنان، قائلا: “المنطقة لا تتحمل حربا جديدة، لا نريد إشكاليات أخرى، ولا زيادة التحديات والاضطرابات الموجودة في المنطقة”.

29 نوفمبر: وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري: “كل من إسرائيل ومصر حاولتا دفع الولايات المتحدة إلى قصف إيران قبل التوصل للاتفاق النووي عام 2015”.

بين التصريحين تقريبا ثلاثة أسابيع، زمنيا، لكن اقعيا، فإن المسافة بينهما قد تبلغ سنوات، بمقياس العلاقات الدولية، فكيف ينتقل السيسي بهذه البساطة بين التحريض على ضرب إيران ومعارضة قصفها، لكن مهلا، هل يقصد “كيري” السيسي من الأساس؟.

 

روايتان

هنا تكمن التفصيلة الأولى، فعندما تداولت وسائل إعلام الخبر الأخير الخاص بتصريح وزير الخارجية الأمريكي السابق، كان هناك ما يمكن أن نسميه روايات متعددة، أمام أخرى أكثر تفصيلا، لكنها مختلفة تماما.

الروايات المتعددة أوردتها وكالة أنباء الأناضول التركية، و موقع قناة الجزيرة القطرية، و موقع سبوتنيك الروسي الإخباري الشهير، مفادها الآتي:

– إسرائيل ومصر، حاولتا دفع الولايات المتحدة إلى “قصف إيران”، قبل التوصل إلى الاتفاق النووي معها، عام 2015.

– عدد من الملوك والرؤساء الأجانب قالوا للولايات المتحدة، إن القصف هو اللغة الوحيدة التي ستفهمها إيران.

– لم يعط “كيري” تفاصيل حول كيفية حثّ “مصر” واشنطن، على ضرب إيران، (هكذا جاءت تلك العبارة نصا في تقرير الأناضول).

أما الرواية الأخرى، فقد أوردها موقع “روسيا اليوم”، لكنها مختلفة عن الروايات السابقة في النقاط التالية:

– إسرائيل ومصر والسعودية حثت الولايات المتحدة على “قصف إيران”، وذلك قبل التوصل إلى الاتفاق النووي مع طهران عام 2015 (زادت هنا السعودية).

– التفصيلة الجديدة التي أوردها تقرير “روسيا اليوم” هو قول “كيري” إنه عندما كان رئيسا للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي (بين 2009 و2013)، اجتمع مع كل من العاهل السعودي الملك عبد الله والرئيس المصري حسنى مبارك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وجميعهم ضغطوا، وخاصة نتنياهو، على واشنطن من أجل القيام بعمل عسكري ضد إيران.

وأضاف: “كل واحد منهم قال لي: عليكم قصف إيران، إن ذلك الشيء الوحيد الذي يفهمونه في طهران”.

التفصيلات التي أوردها “روسيا اليوم” تغير كثيرا من التحليل، وتستوجب التدقيق قبل الشروع في المزيد منه، لكن على أية حال، يبقى التعامل مع الرواية التي بها تفاصيل هو الأمر الأوقع من الرواية التي اكتست بالعمومية.

 

 “نتنياهو” و “جون كيري”

 

مبارك أم السيسي؟

ما سبق يعني التعاطي مع فرضية أن من التحريض المصري على قصف إيران كان في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ومن المعروف أن العلاقة بين القاهرة وطهران خلال هذا الوقت كانت شديدة النمطية، حيث حافظت مصر على وتيرة متدنية من العلاقات فوق القطيعة ودون الطبيعية، وهكذا سارت الأمور بنمطية، ساعد فيها الهدوء النسبي الذي كان الشرق الأوسط يعيشه مقارنة بهذه الأيام.

من ناحية أخرى، كانت العلاقات المصرية السعودية وثيقة ومستقرة خلال تلك الفترة، وكان منهج مبارك قائما على الحفاظ على الهدوء والشراكة مع الرياض، وساعده على ذلك وجود الملك عبد الله بن عبد العزيز على رأس المملكة، وكان أيضا يسير على نهج يرنو إلى الهدوء الداخلي والإقليمي، عكس الوضع الحالي أيضا.

 “الملك عبد الله” بصحبة “حسني مبارك”

تجربة العراق

تجربة الضربات الأمريكية على العراق، والتي أسقطت النظام العراقي مثلت نهاية نموذجية وكلاسيكية لنظام كان يسبب خطرا متزايدا على الملك عبد الله في السعودية، وضيقا للرئيس المصري، وعلى هذا الأساس كان الطلب من واشنطن تكرار الأمر مع النظام الإيراني، الذي يشكل خطرا وجوديا على السعودية.

لكن الأوضاع كانت قد تغيرت؛ فـ “أوباما” الذي كان على رأس البيت الأبيض آنذاك لم يكن “جورج بوش الأب أو الابن، وقد تبنى سياسة تبريد الأوضاع في الشرق الأوسط، لا سيما مع إيران، وإن كان مراقبون يؤكدون أن هذه السياسة شجعت طهرات على مزيد من التمدد في المنطقة بوتيرة أسرع، وعلى هذا الأساس كان السعوديون يشعرون بالحنق من أوباما.

” الغزو الأمريكي للعراق “

 

” أوباما “

 لكن ماذا عن مصر؟

يشير ما قاله “كيري”، في حال صحة الواقعة، والرواية التي أوردتها “روسيا اليوم”، إلى سبب آخر من أسباب حالة التوافق التي كانت تحكم علاقة مصر بالسعودية، خلال عهد مبارك، وتكشف أيضا سببا جديدا من أسباب حنق الرياض على ثورة 25 يناير، والمعاملة التي اعتبرتها مهينة بحق مبارك آنذاك، وعرضها على الرئيس المخلوع استضافته على أراضيها، بل والتعامل بشكل عدائي مع الثورة وما ترتب عليها من صعود لتيار الإخوان المسلمين ووصولهم إلى الحكم.

ما سبق يؤكد أيضا أن حالة التماهي بين القاهرة والرياض، خلال عهد مبارك، لم تتكرر حتى الآن، بهذا النمط من الاستقرار، فالسيسي، وإن كان قد أبدى انصياعا وتقربا إلى المملكة، خلال الفترة الحساسة التي أعقبت عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في 2013، باعتبار كونها داعما رئيسيا لما حدث، فإنه سرعان ما أغضب الرياض حينما بدأ خلاف وجهات النظر في التعاطي مع ملفات إقليمية، كان أبرزها الملف السوري، ويشير الوضع الحالي إلى اختلاف جديد محتمل بشأن التعامل مع إيران وأذرعها بالمنطقة.

بعد هذا التحليل يبقى السؤال: هل باتت السعودية تحن إلى فترة مبارك ورجال مبارك؟ جزء من الإجابة قد تحملها الأنباء التي تناقلتها وكالات الأنباء، خلال كتابة هذه السطور، يفيد بإعلان أحمد شفيق، رئيس وزراء مبارك والمرشح السابق، الترشح  لانتخابات الرئاسة مجددا لمنافسة السيسي، والحديث عن تصعيد إماراتي بحقه بعد هذا الإعلان.