نشرت صحيفة الغارديان تحقيقًا خاصًا حول الواقع المريع الذي يعيشه المعارضون السعوديون المقيمون في المملكة المتحدة هربًا من بطش النظام الحاكم في بلادهم، حيث تحدثوا عن التهديدات التي تصلهم من مسؤولين سعوديين في بريطانيا ووكلائهم، في المقابل، تتجاهل الحكومة البريطانية هذه التهديدات مما يضاعف حجم الخطر على حياة هؤلاء المدافعين عن حقوق الإنسان.
تحاول المملكة العربية السعودية تقديم نفسها كدولة إصلاحية منذ مقتل الصحفي جمال خاشقجي على يد فرقة اغتيال سعودية في قنصليتها في إسطنبول عام 2018، وفي سبيل ذلك، أنفقت السلطات المليارات على الصفقات الرياضية وترويج السياحة في البلاد، وتم اختيارها مؤخرًا كمضيف للجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق المرأة، على الرغم من تقارير منظمات دولية عدة، ومنها منظمة العفو الدولية التي قالت إن السعودية تمتلك سجل “سيء” في مجال حقوق المرأة.
بالإضافة إلى ذلك، يقول السعوديون الذين يعيشون في المملكة المتحدة إنهم يواجهون وابلاً من التهديدات وسوء المعاملة بعد التحدث علناً عن حقوق الإنسان والاعتقال التعسفي لناشطات حقوق المرأة.
وفي إحدى الحالات، تُركت سكين خارج منزل أحد نشطاء حقوق الإنسان في لندن، كما تم الاتصال بزوجته وابنه بشكل منفصل، وقيل لهما إنهما إذا اختلفا مع آرائه، فيمكنهما الحصول على المساعدة من السفارة السعودية.
قال يحيى عسيري، الذي يدير منظمة القسط لحقوق الإنسان منذ عام 2014: “كأب، لقد جعلني هذا أشعر بالقلق حقًا… للمرة الأولى، بدا التهديد حقيقياً…لقد أخذت أبنائي من بلدي وأحضرتهم إلى هنا في المملكة المتحدة حيث تدعي حكومتها أنها تدعم القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
في تحقيق منفصل، قالت منظمة فريدوم هاوس لحقوق الإنسان ومقرها الولايات المتحدة أنها تلقت ما لا يقل عن ست تهديدات للحياة من سعوديين يعيشون في المنفى في المملكة المتحدة وأماكن أخرى في أوروبا.
في تصريح خاص، قالت الصحفية والمخرجة السعودية صفاء الأحمد: “إذا قرروا ملاحقتك، فلا يوجد مكان آمن يمكن أن تحتمي به… عندما يقررون اختطاف شخص ما، يمكنهم القيام بذلك في أي بلد… لقد قتلوا جمال خاشقجي والآن الأمور تسير كما يريدون… ولم تتم محاسبتهم قط على القتل”.
كما يخشى المنفيون الذين يعيشون في المملكة المتحدة وأماكن أخرى على سلامة أقاربهم الذين ما زالوا يعيشون في المملكة العربية السعودية، حيث أكد عدد منهم أن سلطات الرياض تنتقم من أفراد عائلاتهم في محاولة لإجبار أولئك الذين يعيشون في المنفى على العودة إلى البلاد.
جوي شيا، الباحثة في الشؤون السعودية في هيومن رايتس ووتش، قالت في تصريح خاص “من النادر جدًا أن يتمكنوا من إخراج أسرهم بأكملها من السعودية، لذا فإن أولئك الذين بقوا معرضون للخطر الشديد… إن المخاطر الجسدية هنا في المملكة المتحدة والمخاطر التي يتعرض لها أفراد الأسرة في المملكة العربية السعودية كبيرة”.
وتابعت ” النظام السعودي يعتبر رائدًا في الكثير من ممارسات القمع العابرة للحدود التي نراها اليوم، بما في ذلك استخدام أحكام الإعدام والأحكام بالسجن المؤبد انتقامًا ضد الأشخاص الذين ينشط أفراد عائلاتهم في الخارج”.
مُنعت إحدى شقيقات الناشطة فوزية العتيبي من مغادرة المملكة العربية السعودية، وسُجنت أخرى لمدة 11 عاماً بعد أن أُجبرت هي نفسها على الفرار من البلاد بسبب منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي الداعمة لحقوق المرأة.
في تصريحات خاصة، قالت العتيبي: “أعتقد أنهم يعاقبون ويعذبون شقيقاتي لأنهم غير قادرين على معاقبتي”، وأضافت أنها تتلقى تهديدات من السعودية باستمرار رغم تواجدها في المملكة المتحدة، حيث قالت “أتلقى يومياً تقريباً تهديدات بالقتل، يقولون إنهم سيسمموني ويرسلون أشخاصاً تابعين للنظام السعودي لقتلي بأي ثمن، حتى لا يقلدني أحد… يقولون لي إنني خائنة… هذا بالضبط ما قالوه عن خاشقجي… إذا وصفوا شخصًا بالخائن، فهذا يعني أنهم يهددون بمعاقبته باعتباره خائنًا، أي سيقتلونه”.
وقال يحيى عسيري وآخرون إن سلطات المملكة المتحدة لم تأخذ بعد التهديدات التي تلقاها المنفيون السعوديون على محمل الجد، مضيفًا أنه اتصل بالشرطة بعد العثور على السكين خارج منزله “لقد جاءت الشرطة وقالوا إنهم يحققون… قالوا لي إنهم سيقدمون لي تقريرا، لكنني لم أتلق أي رد حتى الآن، وهذا يجعلني أعتقد أن السلطات هنا في بريطانيا ستسمح للنظام السعودي بالقيام بأي انتهاك ضدنا، مثل المراقبة والتجسس، أعتقد أن لديهم الإذن للقيام بذلك”.
ولفت عسيري إلى أن بريطانيا تعامل السعودية بطريقة خاصة وتستثنيها من القواعد الأساسية التي تدعي أنها تلتزم بها، إذ أنها لا تعامل البلدان الأخرى التي ترتكب ذات الانتهاكات بنفس التسامح، مثل إيران على سبيل المثال.
قال أحد المعارضين السعوديين الذين يعيشون في لندن إن ضابط شرطة العاصمة طلب منه العام الماضي التوقف عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في انتقاد السعودية بشأن حقوق الإنسان.
أما الناشطة السعودية لينا الهذلول، شقيقة المعتقلة سابقة لجين الهذلول والتي مُنعت من مغادرة المملكة العربية السعودية بعد أن الإفراج عنها، إن المملكة المتحدة تغض الطرف عن انتهاكات النظام السعودي، بل وتدعي أن هناك تحسن في ملف حقوق الإنسان رغم كل ما يحدث… “النظام السعودي تمكن حقًا من إسكات أصوات الجميع”.
ووافقت جوي شيا على ذلك وقالت إنه إذا لم تتحدث المملكة المتحدة علناً عن انتهاكات حقوق الإنسان، فإن ذلك “سيشجع النظام محلياً ودولياً على مواصلة حملته من القمع العابر للحدود الوطنية”.
في الأسبوع الماضي، تبين أن شقيق المعارض السعودي سعيد الغامدي الذي يعيش في المنفى في المملكة المتحدة قد حُكم عليه بالسجن لمدة 20 عامًا بسبب منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي التي تنتقد سياسات الحكومة.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا