يحاول ضابط الاستخبارات السعودي السابق سعد الجبري، مقاومة ضغوط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للعودة إلى المملكة، بعد فراره إلى كندا عام 2017 وطلبه اللجوء هناك، قبل عزل رئيسه السابق محمد بن نايف من ولاية العهد على يد بن سلمان.

حيث كانت آخر هذه الضغوط التي خرجت للعلن قبل عدة أيام، قيام السلطات السعودية باعتقال ابنه وابنته كـ”رهائن” منذ مارس/ آذار الماضي، حسب ما أعلنت العائلة.

حيث أعلن موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، عن اعتقال السعودية لأبناء الضابط، وهما عمر الجبري (21 عاما) وأخته سارة (20 عاما)، حيث تم اقتيادهما من منزلها فجر 16 مارس الماضي، في محاولة من السلطات لفعل أي شيء “لإعادة والدهما إلى البلاد”.

وهو ما كشف عنه الطبيب خالد الجبري، الذي يقيم في كندا حيث والده ضابط الاستخبارات السعودي السابق، أن السلطات تعتقل شقيقيه عمر (21 سنة) وسارة (20 سنة) لابتزاز والده من أجل العودة.

وبعد عدة أيام من ظهور القضية للعلن، بدأت حسابات سعودية موالية للحكومة أيضا بالتفاعل مع قضية الجبري، عبر الترويج لعدة اتهامات له، تدور أبرزها حول “اختلاسات مالية، وعلاقة مع قطر”.

في الوقت الذي روّجت حسابات بدرجة أقل لتهم مثل دور لعبه الجبري في تضخيم وجود الإرهاب في السعودية، مستدلّين على ذلك باختفاء أي عمل إرهابي منذ عزله عن منصبه في أيلول/ سبتمبر 2015.

يأتي ذلك في الوقت الذي يعتقد فيه مسؤولون غربيون أن إطلاع الجبري على معلومات وأسرار مهمة، بعضها يتعلق بأفراد الأسرة الحاكمة، هو سبب ملاحقته، أشارت “نيويورك تايمز” إلى اتهام الرياض له بالفساد.

 

هل للإمارات دور في القضية؟

صحيفة “واشنطن بوست”، في تقرير مطوّل عن الجبري، تضمن مقابلة مع نجله خالد، كشفت عن وجود دور إماراتي محتمل في القضية.

ونقلت الصحيفة عن مصادر سعودية وبريطانية، قولها إن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد كان يشكّ في دور الجبري، وعندما زار محمد بن سلمان أبو ظبي في نيسان/ أبريل 2015، تم تحذيره من أن الجبري قد يكون له علاقات سرية بجماعة الإخوان المسلمين.

تقول الصحيفة في التقرير الذي ترجمته “عربي21” إنه في صيف 2015، كان الملك سلمان يقضي إجازة بالمغرب، وكان ولي عهده محمد بن نايف يتصرف كأنه ملك البلاد، وفي تلك الفترة، وتحديدا بالثاني من تموز/ يوليو من نفس العام، التقى سعد الجبري بالمدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية جون برينان في مقر الوكالة بضاحية لانغلي بواشنطن.

وبعد ذلك زار الجبري لندن، والتقى وزير الخارجية حينها فيليب هاموند، وهو ما دفع ابن سلمان للتفكير بأن الجبري كان يخطط مع ابن نايف لشيء ما.

وأوضحت الصحيفة أن الجبري ناقش في الشهر التالي تطورات حرب اليمن في البيت الأبيض، وكان يرافقه الأمير خالد بن سلمان (ملحق عسكري بواشنطن حينها)، وبعد ذلك التقى الجنرال بالجيش الأمريكي لويد ج. أوستن الثالث، وقادة آخرين.

وبعد عودته إلى الرياض وإطلاعه القيادة على تفاصيل مباحثاته في لندن وواشنطن، لم يرق الأمر لمحمد بن سلمان، الذي أصدر قرارا بعزله في أيلول/ سبتمبر 2015، في وقت كان فيه والده الملك سلمان عائدا من زيارة إلى واشنطن.

خالد الجبري، أوضح لواشنطن بوست أن والده بقي مستشارا لمحمد بن نايف مدة عامين، وخرج من المملكة في 2017 متوجها إلى تركيا، ومنها إلى كندا. وأكد أن الرياض طلبت تسليمه بحجة وجود قضايا فساد مالي لديه، إلا أن ذلك لم يتم.

أبناءه رهائن حتى يعود!

يقول خالد الجبري، إن ابن سلمان يعتبر شقيقيه عمر وسارة فدية مقابل تسلّم والدهم سعد.

وكشف أن ولي العهد الحالي عرض على والده العودة لتسلم وظيفة أفضل مما كان عليه بالرياض، موضحا أن والده وافق على أن يعود في غضون أسبوعين.

وتابع بأن هذا التواصل كان قبل يومين فقط من انقلاب محمد بن سلمان على محمد بن نايف بـ21 حزيران/ يونيو 2017، وعندها رغب الجبري بجلب جميع أبنائه الثمانية إليه، إلا أن سارة وعمر تم منعهما من السفر.

اتصال آخر

في أيلول/ سبتمبر من نفس العام، وبعد نشر الجبري مقالا عن المواجهة مع إيران، في  مركز “بيلفر” للعلوم والشؤون الدولية، راسله ابن سلمان، إلا أن المسؤول السابق كان حريصا بضرورة السماح لابنيه بالمجيء إليه، وهو ما رفضه ابن سلمان.

في السادس من آذار/ مارس الماضي، وصلت معلومات تفيد باعتقال محمد بن نايف، وعندها قال الجبري إن طفليه سيكونان التاليين، وهو ما تم بالفعل بعد ثلاثة أيام، إذ استدعيا إلى مكتب أمن الدولة، وتم استجوابهما ساعة ونصف، أبلغا من خلالهما بضرورة إقناع والدهما بالعودة.

بعد ذلك بعشرة أيام، داهم العشرات من ضباط الأمن منزل الجبري شمالي شرق الرياض، وتم اقتياد عمر وسارة إلى مكان مجهول، لغاية الآن.

يقول خالد الجبري: “نعلم أن هذا الحديث قد يأتي بنتائج سلبية، لكن ماذا نفعل عندما تبدو الولايات المتحدة صديقنا السابق غير قادرة على المساعدة؟”.

تعاطف بريطاني أمريكي

تقول واشنطن بوست، إن ضباط مخابرات سابقين في الولايات المتحدة، وبريطانيا، يشعرون الآن بخيبة أمل كبيرة، وتأنيب ضمير، لعجزهم عن مساعدة الجبري، الذي كان له الفضل الكبير في الحرب على الإرهاب.

وتقول الصحيفة إن كبار مسؤولي المخابرات والتجسس في واشنطن ولندن يقولون إن الجبري قدّم مساعدات للغرب “لا تقدّر بثمن”.

مسؤول بريطاني سابق قال إنه: “من منظور أخلاقي، يجب علينا مساعدة الجبري في وقت محنته”، بحسب واشنطن بوست.

مايكل موريل، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية في عهد أوباما، قال إن ما يحدث لأسرة الجبري أمر خاطئ، متابعا: “لقد أنقذ عمله حياة مواطنيه ومواطنينا في المملكة وخارجها”.

وأضاف: “كنت أثق به وهو مؤتمن، لا أفهم كيف يتم اتهامه بالتآمر ضد بلده”.

فيما قال جورج تينيت، الذي شغل المنصب ذاته في عهدي بيل كلينتون وجورج بوش، إن الجبري كان قويّا للغاية.

وأضاف أنهما عملا معا منذ 2003 لبناء منظومة أمنية سعودية لمحاربة واختراق تنظيم القاعدة في اليمن.

وبحسب مسؤولي الاستخبارات الأمريكية، فإن الجبري له الفضل في اكتشاف مؤامرة الطرود المفخخة بالعام 2010.

وتعود تفاصيل هذه القضية إلى العثور على طردين يحتوي كل منهما على قنبلة تتكون من 300 إلى 400 جرام من المتفجرات البلاستيكية مع جهاز تفعيل المتفجرات، وقد تم نقل القنابل على متن طائرتي شحن مختلفتين، وكشفت هذه المؤامرة من قبل عميل تابع للاستخبارات السعودية، حيث كانت وجهة الطرود المفخخة من اليمن إلى الولايات المتحدة.

رفض حرب اليمن

يقول خالد الجبري إن والده أبلغه مبكّرا ببعض المشاكل الحاصلة الآن، ومنها حرب اليمن التي كان يرفضها بشدة.

وبحسب “واشنطن بوست”، فإن “لعبة العروش Game of Thrones” مطبّقة بالفعل في السعودية، في إشارة إلى أن كل ملك يموت يذهب وراءه مجموعة من رجالاته.

وأوضحت أن سعد الجبري كان متنبّها لهذا الأمر، ورغب بالابتعاد عن المناصب بعد وفاة الملك عبد الله ووصول الملك سلمان.

مستودع أسرار

المعارض المقيم في كندا، عمر الزهراني، قال إنه يعتقد أن الجبري لديه الكثير من الملفات السرية الحساسة في حال أراد الحديث.

وقال الزهراني في فيديو، إن الجبري هو أخطر شخص موجود خارج المملكة، وهو بمثابة “حامل أسرار الدولة”.

بدوره، قال حساب “العهد الجديد” إن الجبري بحوزته ملفات أمنية ومالية حساسة وخطيرة تدين الملك سلمان شخصيا، حين كان وليا للعهد، إضافة إلى وجود أسرار لديه عن الأسرة الحاكمة.

وأوضح أن الجبري، وبرغم قربه من ابن نايف، إلا أنه كان يتحفظ عن النهج القمعي ضد المعارضين، وكان لديه علاقات برموز الصحوة، وفي مقدمتهم سلمان العودة، وعوض القرني، وناصر العمر، وتردد في تقديم استقالته عدة مرات.

ولفت إلى أن الجبري اضطر لمغادرة الولايات المتحدة إلى كندا، خشية من صفقة بين مستشار ترامب، غاريد كوشنر، ومحمد بن سلمان، تقضي بتسليمه إلى الرياض.

سيرة ذاتية

سعد الجبري (61 عاما) ينحدر من منطقة حائل شمال الرياض، حاصل على درجة الماجستير في هندسة الكمبيوتر، وهو عالم برمجيات بارع، أسس منظومة سيبرانية في كلية الملك فهد الأمنية بالرياض.

حصل الجبري على شهادات في اللغتين العربية والإنجليزية من جامعات سعودية، قبل أن يتوجه إلى إسكتلندا، ويحصل على شهادة الدكتوراه من قسم الذكاء الاصطناعي بجامعة أدنبرة.

كان طموح الجبري عند عودته بشهادة الدكتوراه عام 1997 العمل في أرامكو، إلا أن وزير الداخلية حينها الأمير نايف بن عبد العزيز استقطبه لإعطاء دورات أمنية، ومنذ ذلك الوقت تطورت علاقته بمحمد بن نايف، ليصبح ساعده الأيمن لحين عزله.

اعتمدت وزارة الداخلية السعودية على الجبري في الحرب ضد تنظيم القاعدة بدءا من العام 2003، وكان له دور في جمع معلومات عن أعضائهم بالتعاون مع أجهزة استخبارات دولية، إضافة إلى زرعه جواسيس بينهم.

يقول خالد، إن والده سعد الجبري تعرض لمحاولتي اغتيال من قبل “القاعدة”، الأولى في 2005 وأحبطت عند اكتشاف بعض المخططين وهم يغيرون بلوحات إحدى السيارات، والثانية في 2009 عندما تم استهداف محمد بن نايف بقصره من قبل عنصر بالقاعدة زعم أنه يريد مقابلته.

وبحسب نجل الجبري، فإن محاولتي اغتيال والده تدحضان أي اتهام له بالعلاقة بالإرهاب، أو جماعة الإخوان المسلمين.

وللجبري دور أساسي في إنشاء ما يعرف بـ”مركز المناصحة”، الذي ينقل إليه عناصر الجماعات “الإرهابية” لإقناعهم بتغيير أفكارهم.