يبدو أن المملكة العربية السعودية تتخذ الآن منحى جديد في علاقتها بإيران حيث تسعى للتقارب مع إيران -العدو التقليدي في المنطقة-، بعد أن اكتشفت أنه لا سبيل لخوض صراع عسكري معها، خاصة بعد إحجام الولايات المتحدة عن الرد بالقوة “المتوقعة” على هجوم سبتمبر الذي استهدف منشآت نفطية سعودية، والتي اتهمت إيران بالوقوف ورائها.
العديد من التقارير الإعلامية أشارت إلى هذا التغير “المحتمل” في العلاقة السعودية-الإيرانية، على سبيل المثال صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قالت في إحدى مقالاتها الجمعة الماضية أن الرياض أعادت حساباتها فيما يتعلق بإيران بعد فشل إدارة ترامب في الرد عسكرياً على هجوم 14 سبتمبر/أيلول الذي على منشطات نفطية سعودية بصواريخ وطائرات بدون طيار، والتي تسببت في توقف ما يقرب من 06٪ من الإنتاج اليومي من النفط الخام في العالم.
وأوردت “التايمز” عن ” فيليب جوردون”- المنسق السابق للبيت الأبيض في الشرق الأوسط قوله إن “يعاني السعوديون من إحباط الآن، في الوقت الذي توقعوا فيه مواجهة إيران، لم تدعمهم الولايات المتحدة، ويبدو أنها لن تفعل ذلك”، وتابع ” لقد أظهرت هذه الإدارة أنها ليست مستعدة حقًا لمواجهة إيران”.
وأضاف جوردون للتايمز أن “جرأة إيران المتنامية، إلى جانب تردد الولايات المتحدة في اتخاذ موقف عسكري منها، أدت إلى “تصدعات في الدروع توحي بأن السعودية مهتمة باستكشاف علاقة جديدة مع إيران”.
أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم الذي استهدف المنشآت النفطية السعودية، في حين أن السعودية والولايات المتحدة وعدد من القوى الغربية الأخرى أكدوا أن الهجوم تم برعاية طهران، وعليه، اُقترح على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجموعة من الخيارات العسكرية للرد على تلك الهجمات، إلا أن الأخير رأي أن أي رد فعل عسكري ضد الجمهورية الإسلامية قد يتطور إلى حرب شاملة، خاصة وأن البعض اقترح عليه ضرب عدة أهداف داخل إيران.
خلال اجتماع تم داخل البيت الأبيض الجمعة الماضية، صرح ترامب بأن الوقت الحالي غير مناسب للقيام بأي ضربة عسكرية ضد إيران، ومع ذلك، أكد على بذل جهد أوسع لتعزيز الأمن في المملكة العربية السعودية والمنطقة، وقال للصحفيين إن التحلي بضبط النفس الآن “يظهر قوة أكبر بكثير” من الرد بضربات عسكرية انتقامية.
يُذكر أن واشنطن لم ترد عسكرياً على قيام إيران بإسقاط إحدى الطيارات الأمريكية بدون طيار في يونيو/حزيران الماضي، على الرغم من أن ترامب كان قد وافق على الرد عليه بضربة انتقامية وأعطى أوامره بذلك، قبل أن يتراجع عن هذا في اللحظات الأخيرة.
من جانبه، صرح قاسم سليماني ، قائد قوة فيلق الحرس الثوري الإيراني، الشهر الماضي، أن بلاده “هزمت” الجيش الأمريكي أمام العالم أجمع، مضيفاً أن الحرس الجمهوري قد مهد الطريق” لهزيمة أعداء الأمة في المنطقة، في إشارة للولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، أفادت القناة الثالثة عشر الإسرائيلية، الجمعة الماضية، عن وجود مخاوف في إسرائيل من أن تسعى إيران التي وصفتها بالجريئة إلى تكرار الهجوم الذي شنته على السعودية، وحقق نجاحاً ملموساً، إلى تكراره على الدولة اليهودية.
صحف أخرى غير التايمز، كنيوزويك، وميدل إيست آي، وغيرها، قالوا إن الرياض قدمت مؤخرًا مبادرات إلى طهران تسعى إلى حل دبلوماسي للصراع بين الأعداء الإقليميين، عبر وسطاء عراقيين وباكستانيين.
كما قال مسؤولون عراقيون للتايمز إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان طلب من رئيس وزراء البلاد عادل عبد المهدي المساعدة في التوسط.
وفي تصريح لرئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني لقناة الجزيرة هذا الأسبوع، قال إن “إيران منفتحة لبدء حوار مع المملكة العربية السعودية ودول أخرى في المنطقة”، وأضاف “يمكن للحوار الإيراني السعودي أن يحل العديد من المشكلات الأمنية والسياسية في المنطقة”.
من ناحيته أكد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في حديث لشبكة CBS يوم الأحد، إن الحرب مع إيران ستدمر الاقتصاد العالمي؛ على الرغم من أنه طالب “بعمل قوي وحازم لردع إيران”، إلا أنه قال إنه يفضل حلاً غير عسكري للتوترات.
ومع ذلك، نفى أحد المسؤولين السعوديين قيام المملكة ببذل أي جهد لإرضاء طهران، حيث قال لصحيفة التايمز “يجب أن تتركز الجهود المبذولة من أجل التخلص من الحزب الذي بدأ التصعيد وشن الهجمات”.
مارتن إنديك- مبعوث الإدارة الأمريكية السابق للسلام في الشرق الأوسط، غرد عبر “تويتر” الخميس الماضي أن “التحالف المناهض لإيران لا يمر بحالة تعثر مؤقتة، بل ينهار”، وهي التوقعات التي يخشى أن تتحقق جون بولتون-مستشار ترامب للأمن القومي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اللذان يخشيان انهيار قواهما أمام التغيرات الاستراتيجية مع إيران، خاصة بعد قيام دولة الإمارات العربية المتحدة باتخاذ إجراءات وإبرام صفقات من شأنها أن تخفف من حدة التوترات مع طهران، وهي خطوة ليست بعيدة عن بن سلمان.
وفقًا لتقرير نُشر هذا الأسبوع في مجلة “نيويوركر”، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على وشك التوسط في مكالمة هاتفية بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، لكن المجهود السري للرئيس الفرنسي قد انهار بسبب عدم ثقة الزعيم الإيراني بالرئيس الأمريكي.
مؤخراً بدا أن ترامب حرص على إجراء محادثات مباشرة مع روحاني، لكن الزعماء الإيرانيين رفضوا ذلك، قائلين إنه يتعين على واشنطن أولاً إلغاء جميع العقوبات التي فرضتها على بلاده منذ إنهاء الاتفاق النووي العام الماضي.
وفي الوقت نفسه، قدمت المملكة العربية السعودية رداً “إيجابياً” يوم الجمعة على عرض التهدئة المقدم من المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن ودعت إلى تنفيذه.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا